ومن أهم القضايا الإجتماعية التي أولاها الإسلام إهتماماً بالغاً قضية الأسرة والأهل والرحم وذوي القربى ، وأكد على ضرورة تمتين العلاقة بين أفراد هذه الشبكة المحيطة بالإنسان ، لما لها من دور كبير في سلامة الفرد والمجتمع ، وفي حماية الإنسان وسط مشاكل الحياة ومتاعبها المختلفة ، إذ جعل الإحسان إلى ذوي القربى بعد الإحسان إلى الوالدين مباشرة ، قال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة : ( أيها الناس إنه لا يستغني الرجل ـ وإن كان ذا مال ـ عن عترته ، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم ، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه ، وألمّهم لشعثه ، وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به . ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يرثه غيره ، ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدها بالذي لا يزيده إن أمسكه ، ولا ينقصه إن أهلكه ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة ، وتقبض منهم عنه أيد كثيرة )(1) ، وفي هذه الكلمات العلوية وصف دقيق لحاجة الإنسان إلى قرابته وحاجتهم إليه ، أشد من الحاجة إلى المال
وقد ورد في القرآن الكريم كثيراً من الآيات التي تحث الإنسان على الإحسان إلى القرابة ، وذوي الأرحام ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [ النحل : 90] ، وقال تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } [ النساء : 36] ، وقال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى } [ البقرة : 83] .
__________
(1) ـ نهج البلاغة : 65 تحقيق صبحي صالح .(1/71)


وأكد في آيات أخرى على ضرورة صلة الأرحام ، ومواصلة الأهل والأقربين ، فقال تعالى : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } [ النساء : 1] ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكد في كثير من أحاديثه على ذلك ، ورغب في مواصلة الأرحام وإن قطعوك وإعطائهم وإن منعوك ، وضمن لمن فعل ذلك إبتغاء وجه الله ضمانات أكيدة تجعل الإنسان في سعادة دنيوية وأخروية ، ومنها ما رواه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :
( من يضمن لي واحدة أضمن له أربعاً ، من يصل رحمه فيحبه أهله ، ويكثر ماله ويطول عمره ، ويدخل جنة ربه ) (1) .
وقال أيضاً : ( إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيجعلها الله ثلاثاً وثلاثين ، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون ، فيجعلها الله ثلاثاً ) (2) .
فلكي تنال هذه الضمانات النبوية ، فارسم لك جدولاً لصلة من لديك من أقارب وأرحام من آباء وإخوان وأخوات وأولاد وأعمام وبنات وعمات وأخوال وخالات .
والصلة قد تكون بالمال أو بالسلام والعفو عن المسيء ، والمبادرة إلى الإصلاح والمشاركة في الأفراح والأتراح .
قال الإمام الصادق عليه السلام : ( صل رحمك ولو بشربة ماء ، وأفضل ما تواصل به الرحم كف الأذى عنه ، وصلة الرحم منسأة في الأجل ومحببة في الأهل ) .

عقوبة القطيعة :
قال تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : 22ـ23] .
__________
(1) ـ الأحكام : [ 2/528] .
(2) ـ الأحكام : [ 2/528] .(1/72)


لقد نهى الإسلام نهياً شديداً عن قطيعة الرحم ، وحذر من عواقبها الوخيمة وآثارها الخطيرة التي تنذر القاطع بأخوم العواقب ، وتعاجله بالفناء وقصف الأعمار ومحق الديار ، والخسران المبين في دينه ودنياه ، وقد يعمل الإنسان أعمالاً عظيمة لكنه يقصر في صلة أرحامه وأقاربه فيكون حاله كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أحب أن يُملى له في عمره ، ويبسط له في رزقه ، ويستجاب له الدعاء ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليطع أبويه في طاعة الله ، وليصل رحمه ، وليعلم أن الرحم معلقة بالعرش تأتي يوم القيامة لها لسان طَلقٌ ذَلق تقول : اللهم صل من وصلني ، اللهم اقطع من قطعني ، قال : فيجبها الله تبارك وتعالى : إني قد استجبت دعوتك ، فإن العبد لقائم يرى أنه بسبيل خير ، حتى تأتيه الرحم فتأخذ بهامته فتذهب به إلى أسفل درك من النار بقطيعته إياها ، كان ذلك في دار الدنيا ) (1) .
وهنا تقع الخسارة العظيمة والندم الضائع ، ويكون الحال كما قال الله تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [ الكهف 103ـ104] .
فشعب الإيمان كثيرة ، ومتصلة لابد من القيام بها جميعاً حتى يكون النصر والنجاح .
فالعبادة يا أخي ليست محصورة في الصلاة والصيام والزكاة والحج ، بل هي شاملة لكل ما أمر الله به من الواجبات ، وعما نهى عنه من المقبحات .
الصلة بعد القطيعة :
__________
(1) ـ الأحكام : [ 2/527] .(1/73)


لا بد من البحث عن أسباب القطيعة فإن كانت ناتجة عن نسيان أو تساهل فحاول التذكر والإهتمام واعتذر عن قطيعتك السابقة وإن كانت ناتجة عن عداوة فابحث عن أسباب العدواة ، وحاول الصفح والمبادرة بالصلح والصلة لأن الإسلام أكد على ذلك ، ورغب فيه قال تعالى : { وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34] .
ويقول الإمام علي عليه السلام : ( إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ) ، وأكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على صلة الرحم الكاشح وهو الذي تصله ويقطعك وتعطيه ويمنعك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها )(1) .
ولا شك أن المبادر إلى الصلة والصلح مع رحمة أكثر ثواباً ، وأوسع صبراً وهنا يتحتم الواجب على الطرف الآخر فيجب عليه قبول العفو إذا كان قد حصل تقصير أو ذنب.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من لم يقبل العذر من محق أومبطل لا ورد عليّ الحوض ) (2) .
ويقول الإمام الحسن عليه السلام : ( لو شتمني رجل في أذني هذه ، واعتذر إليّ منه في أذني هذه لقبلت منه ) (3) .
فأين نحن من هذه التعاليم النبوية ، والأخلاق الحميدة التي اتصف بها أهل أهل البيت النبوي الطاهر عليهم السلام .
الإمام الحسن يقول : لو شتمني رجل أي رجل واعتذر مما فعل لقبلت منه فكيف لو شتمك قريبك هل تقبل منه ؟!
بالأولى والأحرى القبول منه والصفح عنه ما أكثر الشقاق بين الإخوة ،
وذوي الأرحام في عصرنا حتى إن الإنسان في هذا العصر ليهجر أخاه لمجرد كلمة عابرة أو لفظة غير مقصودة .
__________
(1) ـ رواه الترمذي برقم (1331) ، كتاب البر والصلة ، ورواه أبو داود برقم (1446) .
(2) ـ الأحكام : [2/545] .
(3) ـ الأحكام : [ 2/545] .(1/74)


والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا يحل المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام فيلتقيان فيعرض هذا ، ويعرض هذا وخبرهما الذي يبدأ بالسلام ) (1) .
وقال الإمام الهادي عليه السلام : ليس من أخلاق المسلمين التهاجر إنما التهاجر من أخلاق الفاسقين ، والمؤمنون كما قال الله تعالى : { إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } ) (2) [ الحجر : 47] .
فما بالك إذا هجرة قريبك المؤمن وقطعة صلته فالمصيبة أعظم ، والخسارة أفدح .
ويوجد في المجتمعات من يغذي خلافات الأشقاء ، وذوي القربى من الوشاة والمفرقين ، وأكبر علاج لذلك هو فتح باب التأويل ، وتحسين الظن بالآخرين وفق الشرع الحكيم قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [ الحجرات : 12].
الصدقة على الرحم :
ومن أفضل القرابات ، التصدق على الأقرباء والأرحام ، لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ( الصدق على المسكين صدقة ، وعلى الرحم ثنتان ) (3) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ) (4) .
عادة سيئة :
ومن أسوأ العادات أن تمنع المرأة من أخذ ما تستحقه من الميراث ، وذلك يرجع إلى أحد ثلاثة أسباب : ـ
الأول : عدم إقتناع بعض الأسر بتوريث المرأة وأنه من العجيب أن تأخذ المرأة ما تستحقه من الميراث في نظرهم وتملّكه أبنائها من القبيلة الأخرى ، وهذه الحالة منتشرة في بعض القرى ، وهذا يدل على الجهل وعدم الوعي ، فالإسلام أعطى للمرأة حقها من الميراث .
__________
(1) ـ الأحكام : [ 2/549] .
(2) ـ الأحكام : [ 2/549] .
(3) ـ رواه الترمذي برقم : (594) .
(4) ـ أخرجه أحمد برقم (14781) ، وبرقم (22420) .(1/75)

15 / 24
ع
En
A+
A-