ولا بد من الإشارة إلى ضرورة بر الوالدين في حياتهما وبعد وفاتهما ، لأن البر ليس مقصوراً على حياة الوالدين فحسب ، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما ، ومن المعلوم أن ابن آدم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .
فما أحوج الأب والأم بعد موتهما إلى دعاء ولدهما الصالح ، قال الإمام علي عليه السلام :( إن الرجل ليكون باراً بوالديه في حياتهما فيموتان فلا يستغفر لهما فيكتب عاقاً ، وإن الرجل ليكون عاقاً بهما في حياتهما فيموتان فيستغفر لهما فيكتبه الله باراً ) (1) .
ومن المعروف أن الإبن العاق في حياتهما إذا استغفر لهما بعد موتهما فإنه يدل على أنه قد تاب على مابدر منه في حقهما خلال حياتهما ، وعوض العقوق بالإستغفار لهما ، والتصدق على نيتهما بعد وفاتهما .
فإسداء الخيرات إليهما ، وقضي ديونهما من الأمور التي حث عليها الإسلام وجعلها تكفيراً للعقوق الحاصل لهما في حياتهما .
علاقة الوالدين بأولادهم :
قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام : ( وأما حق ولدك فأنت تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، إن عمل ابنك عملاً حسناً قال له الناس : رحم الله أباك !
وإن عمل سوءاً قال الناس : لعن الله أباك ، وإنك مسئول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه جل وعلا ، والمعونة على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه ) (2) .
تكلمنا عن حقوق الوالدين على أولادهما والآن نأتي إلى الحديث عن حقوق الأولاد على الوالدين ، لأن الحياة أخذ وعطاء ، ولا تستقيم إلا بتبادل الحقوق ، وتقاسم الواجبات ، ولو أن الأفراد عرفوا هذه الحقوق وفهموا تلك الواجبات لشعروا بالسعادة والإطمئنان جميعاً ، فمن أهم مايلزم للأولاد على الوالدين : ـ
__________
(1) ـ الأحكام : [2/527] .
(2) ـ تحف العقول : 263 .(1/66)


ـ المودة والرحمة :
إن حاجة الطفل إلى المودة والرحمة من والديه لا تقل عن حاجته إلى النوم والغذاء وللرحمة والمودة تأثير كبير في نمو الطفل نمواً سليماً ومن لم يتغذى بالرحمة والمودة لا ينشأ نشأة سليمة .
روي أن الأقرع بن حابس رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل ولده الحسن فقال : إن لي عشرة أولاد ما قبلت واحداً منهم فقال له : ( من لا يَرحم لا يُرحم ) (1) ، وعن علي عليه السلام أنه قال : ( من قبل ولده كان له حسنه ، ومن فرحه فرحه الله يوم القيامة ) .
وقال عبدالله بن شداد : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصل بالناس إذ جاء الحسن فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه حدث أمر فلما قضى صلاته قالوا : قد أطلت حتى ظننا أنه حدث أمر ، فقال : إن ابني هذا قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ) (2) .
ـ التكريم والإحترام :
وحاجته إلى التكريم والإحترام كحاجته إلى المودة والرحمة ، روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( رحم الله والداً أعان ولده على بره أي لم يحمله على سوء العقوق على سوء عمله ) (3) .
ومن أهم التكريم أن يحسن أسمه ، روي عن الحسن بن علي عليه السلام أنه قال : ( أول ما يبر الرجل ولده أنه يسميه بإسم حسن فليحسن أحدكم اسم ولده ) (4) ، ويقول الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام : ( وعلى الوالد لولده تحسين إسمه ، وتحسين لقبه ، وأن يختار له من الأمهات من لا يعاب بها فإذا قد تقرر من هذه القاعدة ما قد تقرر رأيت أن الذي يلزم الوالد مقدم على مايلزم الولد للوالد ، فإن لم يقم الوالد بما يلزمه من ذلك كان عقوق الولد له قصاصاً ، وجفوته ثاراً ) (5) .
ـ التربية :
__________
(1) ـ تصفية القلوب : 3991 .
(2) ـ تصفية القلوب : 425 .
(3) ـ تصفية القلوب :424 .
(4) ـ وسائل الشيعة : [15/122] .
(5) ـ رسالة الثبات تحت الطبع بتحقيقنا .(1/67)


وعلى الوالدين تربية أولادهما تربية إسلامية صحيحة ، لأن قلب الطفل كالأرض الخالية فليبادر الوالدان بزراعة القيم والأخلاق ، والتقوى في هذه الأرض الخصبة ، قبل أن يزرع غيرهما الإنحرافات الفكرية والسلوكية فيندمان بعد فوات الأوان
ولا بد من مراعاة ظوابط التربية على ضوء مر احلها ففي السبع السنوات الأولى التي تعتبر ( المرحلة الأولى ) لا بد من التعامل مع الطفل تعاملاً حسناً يلبي رغباته في حدود المعقول ، وفي السبع الأخرى ( المرحلة الثانية ) ينتقل الطفل إلى مرحلة الفهم والإدراك ، وفي هذه المرحلة لا بد أن يخضع لمنهج تربوي دقيق بمعنى ضرورة مراقبته في المنزل وفي الشارع وفي القرية ، مع معرفة أصدقائه ، ويُعلّم الصلاة
والتدرب عليها .
وفي السبع الثالثة : ( المرحلة الثالثة ) يدخل الطفل سن المراهقة ، وهنا يختلف الأمر إختلافاً كاملاً عن المرحلتين السابقتين ، فهذه المرحلة هي مرحلة المراهقة يتنقل الأبناء فيها من مرحلة الأبناء إلى مرحلة الشباب وهي مرحلة حساسة ودقيقة حيث يتطلع الأبناء فيها إلى الإستقلال ، وتجاوز القيود التي كان يفرضها عليهم الوالدان ، وهنا يلزم الوالدان الإستجابة لرغبتهم في حدود المعقول ، وإشراكهم في إدارة شؤون البيت لأنهما إذا تعاملا معهما بخلاف ذلك دفعا بهم إلى التمرد ، والخروج من دائرة الطاعة وهذه النقطة إذا لم يتم فهمها فإنها ستسبب كثيراً من الإشكالات والخلافات بين الآباء والأبناء.
ولا بد في الأخير أن يحتفظ الوالدان بالكلمة الحاسمة في حياة أولادهما مع الأخذ بعين الإعتبار طموحات أولادهما ورغباتهم المعقولة ، وقد أشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه المراحل الثلاث بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الولد سيّد سبع سنين ، وخادم سبع سنين ، ووزير سبع سنين ) (1) .
__________
(1) ـ وسائل الشيعة : [ 15/195] عن مكارم الأخلاق .(1/68)


وهو منهج نبوي دقيق ينبغي أن يحسن الوالدان تنفيذه في كل مرحلة من المراحل الثلاث ، فالأولى يكون الطفل فيها كالسيد يأمر بما يريد ، وفي الثانية عبد يأتمر بما أمر به ، وفي الثالثة كالوزير والوزير مستشار في شؤون الدولة ، ومنفذ كذلك ، ولكن الكلمة الحاسمة في الأخير لمن هو أعلى منه في الأمور الهامة ، ومن أهم الأمور التي يتحتم على الوالد تربية ولده عليها :
1ـ أن يحبب إليه الله تعالى من خلال تبيين رحمته وفضله الواسع ، ورزقه الدائم ، والتفكر في مخلوقاته الكثيرة .
2ـ أن يعوده الإلتزام بالشعائر الإسلامية منذ الصغر كالصلاة والصيام : ( علموهم لسبع واضربوهم لعشر ) ، ويقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ( إنا نأمر صبياننا إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فإن كان إلى نصف النهار أوأكثر من ذلك أو أقل ، فإذا غلبهم العطش أفطروا ، حتى يتعودوا الصوم ، ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا ) (1) .
3ـ أن يبين له أهمية الأخ لأخيه .
أن يربيه على إحترام الكبير ، وكذلك على العطف على الصغير .
أن يربيه على إحترام الجار ، والأرحام ، والإحسان إليهم .
أن يغرس فيه القيم الروحية الهامة التي تدفعه إلى تعميق العلاقة بينه وبين
الله تعالى ، وإلى مزيد من العمل الصالح ، وذلك من خلال ترغيبه وترهيبه ، وتوجيهه إلى قراءة المزيد من المواعظ والحكم ، وتعويده على ممارسة بعض العبادات المندوبة .
أن يعوّده على مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة والتقوى والخوف والخشية ، وأن يحذره من مساوئ الأخلاق كالكذب ، والخيانة ، والغش ، والخداع ، والتكبر ، والعجب ، ومايتعلق بذلك .
ـ التعليم :
__________
(1) ـ كيف تسعد أبناءك : 231 .(1/69)


ومن الواجبات الملقاة على عواتق الآباء تعليم الأبناء التعليم الصحيح قال الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام في رسالة البيان والثبات : ( فمتى أرضعته الأم وأحسنت الغذاء بنهاية جهدها ، ونظفت الولد من أقذاره وأدرانه ، وقامت بما يتعين عليها القيام به من شأنه في طعامه وشرابه ومنامه ، فقد أدت ما عليها وانتقل الحق إلى الأب في تأديبه وتربيته وتأنيسه وتقريبه ، وتعليمه ، وتهذيبه ) (1) .
ويقول الإمام علي عليه السلام في وصيته لأولاده : ( يابَني ليبر صغاركم كباركم ، وليرؤف كباركم بصغاركم ، ولا تكونوا كالأشباه الغواة الجفاة ، الذين لم يتفقهوا في الدين ) (2) .
ومن المعروف أن الفراغ الفكري ، والثقافي يغذي عوامل الإنحراف في الجيل الصاعد ، وهنالك طوائف في الساحة ترصد حالات الفراغ الفكري في هذا الجيل لزرع أفكارها ومفاهيمها المنحرفة ، فلا بد من تثقيف أجيالنا بالثقافة الإسلامية الصحيحة في ضوء منهج أهل البيت عليهم السلام ، وفكرهم النير الصحيح .
الإحسان إلى ذوي القربى
{ وَبِذِي الْقُرْبَى }
من المعروف أن الرسالة الإسلامية شاملة لكل نواحي الحياة ، رسالة إجتماعية تستهدف بناء المجتمع الإنساني على أسس المحبة والوئام والتعاون والسلام ، وتحث الفرد بإعداد نفسه إعداداً جماعياً ليعيش ضمن المجموعات البشرية ، ويتفاعل مع الحياة الإجتماعية .
__________
(1) ـ رسالة الثبات تحت الطبع بتحقيقنا .
(2) ـ الأحكام : [ 2/ ] .(1/70)

14 / 24
ع
En
A+
A-