ابن عبدالرحمن بن عوف [ عن أبيه ] ، قال : دخلت النخل مع رسول الله صلّى الله عليه و آله فإذا إبراهيم[41] يجود بنفسه ، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه و آله فوضعه في حجره وفاضت عيناه .
فقلت : يا رسول الله صلّى الله عليه و آله ، أتبكي؟! أما نهيتنا عن البكاء؟
قال : ليس عن البكاء نهيتُ ، ولكن[42] نهيتُ عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لعب ولهو ورنّة شيطان ، وصوت عند[43] مصيبة ولطم خدود وشقّ جيوب ورنّة شيطان . وهذه رحمة فمن لا يَرحم لايُرحم .
يا إبراهيم ، لولا أنّه أمر حقّ ، ووعد صدق ، وسبيل لابدّ أنّها آتية[44] ، وأنّ آخرنا سوف يلحق أوّلنا ، لحزنّا عليك حزناً هو أشدّ من هذا ، وإنّا بك لمحزونون ، تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ تبارك وتعالى .[45]
8 ـ وبالإسناد عن جابر ، قال : أخذ النبيّ صلّى الله عليه و آله بيد عبدالرحمن بن عوف ، فأتى به النخل ، فإذا بابنه إبراهيم في حجر اُمّه وهو يجود بنفسه ، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه و آله فوضعه في حجره ، ثمّ قال : يا إبراهيم ، إنّا لانغني عنك من الله شيئاً ، ثمّ ذرفت عيناه .
--- ... 102 ... ---(1/102)


فقال عبدالرحمن : أتبكي ، يا رسول الله؟! أ ولم تنه عن البكاء؟
قال : لا ، ولكن نهيت عن النوح ، وعن صوتين أحمقين فاجرين : صوت [ عند ][46] نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان . وهذه رحمة ، ومن لا يَرحم لايُرحم .[47]
9 ـ وبالإسناد عن محمد بن الحسن بن أحمد الأسديّ ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن عبيد بن يحيى بن سليم الرقّيّ ، عن أبي مريم ، عن أبي عبدالله عليه السّلام ، قال : لمّا مات القاسم بن رسول الله صلّى الله عليه و آله [ جاء ][48] رسول الله صلّى الله عليه و آله وهو متّكئ على زيد بن حارثة ، فمرّ بأبي قبيس ، فقال : لو أنّ ما بي بك ـ يا جبل ـ لهدّك .
فصاح زيد : واقاسماه .
فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله : ما هذا يا زيد؟
قال : فمرّ بالعاص بن وائل[49] وعمر معه ، فقال لعمر : إنّي لأشنأ محمداً ولقد أصبح أبتر ، فأنزل الله : إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر[50] .
والأبتر : الّذي لا ولد له[51] .[52]
--- ... 103 ... ---(1/103)


10 ـ وبالإسناد عن عبدالله الجعفيّ ، يرفعه إلى اُسامة[53] ، قال : كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه و آله أنا وسعد[54] واُبيّ[55] ، فأرسَلَتْ إليه ابنته : أنّ ابني احتضر فاشهدنا ، فأرسل يقرئ السلام ويقول : له تعالى ما أخذ وما أعطى ، وكلّ شي عنده إلى أجل مسمّى[56] ، فلتصبر ولتحتسب .
فأرسَلَتْ إليه تُقسم عليه ، فقام وقمنا معه : [ أنا ][57] وسعد واُبيّ ، فلمّا أتاها وضعت الصبيّ في حجره ـ ونفس الصبيّ تَقَعْقَعُ[58] ـ ، ففاضت عينا رسول الله صلّى الله عليه و آله من دموعه .
فقال سعد : ما هذا ، يا رسول الله؟
قال : هذه رحمة يجعلها الله في قلوب من يشاء من عباده ، وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء .[59]
--- ... 104 ... ---(1/104)


ما يقال عند النعي
11 ـ وبالإسناد عن عبدالله بن عليّ الزهريّ ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و آله : الموت صرع[60] ، فإذا بلغ أحدكم وفاةُ أخيه فليقل :إنَّا ِللهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ [61] ،وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [62] . اللّهمّ اكتبه عندك في المُخِفّين[63] ، واجعل كتابه في علّيّين[64] ، واخلفه على عقبه في الآخرين[65] ، ولاتحرمنا أجره[66] ، ولاتفتنّا بعده[67] .[68]
--- ... 105 ... ---(1/105)


12 ـ وبالإسناد عن إسماعيل بن [ أبي ][69] زياد ، عن جعفرعليه السّلام ، عن النبيّ صلّى الله عليه و آله ، قال : ما من أحد من اُمّتي تبلغه وفاة أحد بينه وبينه قرابة أو غير ذلك ويسترجع[70] ثمّ يقول : اللّهمّ اخلفه على تركته في الغابرين[71] ، واغفر لنا وله يا ربّ العالمين ، ثمّ يقول : اللّهمّ نوّر له في قبره ، وافسح له في لحده ، ولقّنه حجّته . ما قاله أحد[72] إلّا شفّعه الله فيه ، وكان له مثل أجر من صبر .[73]
13 ـ وبالإسناد عن محمد بن جعفر بن محمد ـ مناولة ـ ، عن عبدالعزيز بن يحيى البصريّ ، عن يعقوب بن إسحاق ، عن أبي معمر عبّاد بن عبدالصمد ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : لمّا قبض النبيّ صلّى الله عليه و آله أحدق به أصحابه فجعلوا يبكون ، فجاء رجل ضخم جسيم ، أشهب اللحية[74] ، يتخطّى رقاب الناس ، فاستقبلهم بوجهه ، فبكى على رسول الله صلّى الله عليه و آله ، ثمّ قال : إنّ في الله عزاء من كلّ مصيبة ، وعوضاً من كلّ ما فات ، وخلفاً من كلّ هالك ، فإلى الله أنيبوا ، وإليه فارغبوا ، ونظره إليكم في البلاء فانظروا ، فإنّ المصاب من حرم الثواب ، [ وانصرف ][75] .
قال : فقال عليٌّ عليه السّلام : تدرون مَن الرجل؟ هذا الخضر ـ أخو النبيّ صلّى الله عليه و آله ـ يعزّيكم عليه .[76]
--- ... 106 ... ---(1/106)

5 / 23
ع
En
A+
A-