(510) أخبرنا الشريف أبو جعفر محمد بن القاسم، حدَّثنا أبو جعفر محمد بن عبد الحميد الطبري، حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي، أخبرنا علي بن الحسين، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم السمرقندي، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن لقمان، حدَّثنا علي بن نصر بن حرب الهمداني، حدَّثنا الحسين بن الربيع الكوفي، عن عبد الحميد بن صالح الترجمي، عن زكريا بن عبد الله، عن أبيه، عن كميل بن زياد النخعي، قال: قال أمير المؤمنين: يا سبحان اللّه ما أزهد كثيراً من الناس في الخير. عجبت لرجل يأتيه أخوه المؤمن في حاجة فلا يرى نفسه أهلاً فوالله لو كنا لا نرجوا جنة ولا ثواباً ولا نحذر عقاباً ولا ناراً لكان من سبيل المرء أن ينهض لمكارم الأخلاق ويطلب معاليها، فإنها تدل على سبيل النجاح. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أسمعت هذا من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم. وما هو خير منه. لما أتانا سبايا طيء، وقعت جارية حمّاء حوّاء، لعساء، لمياء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، ودرماء الكعبين، لفَّاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، خدلّجة الساقين، فلما رأيتها أعجبت بها، وقلت: لأطلبن إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعلها من فيئي فلما تكلّمتْ نسيتُ جمالها لِمَا رأيت من فصاحتها. فقالت: يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي العرب فإني ابنة سرة قومي، كان أبي يفك العاني، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ومارد طالب حاجة قط عنها، إني ابنة حاتم الطائي. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: هذه صفة المؤمن لو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه خلّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق. فقام أبو بردة فقال: يا رسول اللّه، الله يحب مكارم الأخلاق؟ قال: نعم يا أبا بردة لا تدخل الجنة إلا بحسن الخلق.(1/477)


قيل في قوله: حمّاء: أي سمراء، وكذلك الحواء من الحوَّة في اللون ومنه قوله تعالى: ?غُثَاءً أَحْوَى ?[الأعلى:5]، ومنه قيل لامرأة آدم حوّاء، واللمياء واللعساء: سواد يستحسن في الشفة، قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعس .... وفي اللثات وفي أنيابها شنب
واللعس: هو الحوة فكرر ذلك لاختلاف اللفظين على عادتهم. وقد قيل: إنه لما ذكر الحوّة خشي أن يسبق إلى فهم السامع سواداً مستهجنا قبيحاً فأردفه باللعس، وهو مستحسن في الشفة. والدرماء: هي التي قد خفي العظم في ساقها لحماً وسمناً، واللفَّاء، من اللفف: وهو اجتماع اللحم على الفخذ يلتف بعضه على بعض، ومنه قوله تعالى: ?فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ?[الإسراء:104] أي مجتمعين، والعيطاء: طويلة العنق، والشمّاء: من الشمم في الأنف، وهو تطامن القصبة ومنه قول الشاعر:
شم الأنوف من الطراز الأول .
وقيل: يكون أنفه مرتفعاً ومنه قول الفرزدق: في عرنينة شمم. وقوله: ضامرة الكشحين: الكشح والخصر واحد وهو ما يلي الخاصرة. قيل: فلان عدو كاشح أي معرض مولِّ عليك: وقيل: إنما يقال للعدو: كاشح لأنه يضمر العداوة في كشحة ، ويقال: فلان طوى كشحه عني إذا أعرض. وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)، أي المضمر للعداوة، والممتنع عن المودة له يقال: كشح فلان عن الماء إذا أدبر عنه، وقولها: سرة قومي: أي صميمهم وخالصهم، وقولها: يفك العاني: أي يطلق الأسير، والعناة جمع ومنه قوله تعالى: ?وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ?[طه:111]. أي خشعت.(1/478)


(511) وقول رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( النساء عوان عند أزواجهن )) أي مأسورات في أيديهم.
(512) وروي أن أمير المؤمنين كان وجَّهَهُ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سرية طيء فسباهم، وقد كان وجَّهَهُ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني مريم، وبني زبيد، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي [و] إلى خيبر، وفدك، واليمن.(1/479)


باب في ذكر عقيل وجعفر والحسن والحسين ومحمد بن علي (ع)
(513) أخبرنا أبو طالب يحيى بن الحسين، عن أبيه، عن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى، حدَّثنا جدي يحيى بن الحسين، وأخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن زهير، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن متويه القلانسي، حدَّثنا أبو محمد محمد بن يحيى، حدَّثنا جدي: يحيى بن الحسين بن جعفر، حدثني: يحيى بن حسن، حدثني: إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي المقدسي، حدَّثنا علي بن الحسين، عن إبراهيم بن رستم، عن أبي حمزة السكري، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عبد الرحمن بن سابط، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعقيل: (( إني لأحبك حبين حبًّا لك ، وحبًّا لحب أبي طالب لك )).
* ولأبي طالب بن عبد المطلب في النبي صلى الله عليه وعلى آله:
وقد حلَّ مجد بني هاشم .... محل النعائم والزهرة
ومحض بني هاشم أحمد .... رسول المليك على فترة
* أنشدني:الشريف أبوالحسن أحمد بن الحسين الهاروني لأبي طالب بن عبد المطلب:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً .... نبياً كموسى خط في أول الكتب
أليس أبونا هاشم شد أزره ....وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
* وروى ذلك علي بن مهدي عنه أيضاً.(1/480)


* وكتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو طالب إلى النجاشي:
تعلَّم أبيت اللعن أن محمداً .... رسول كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به .... فكل بأمر اللّه يهدي ويعصم
* وله أيضاً:
منعنا الرسول رسول المليك .... ببيض تلألأ كلمع البروق
أذب وأحمي رسول المليك .... حماية حام عليه شفيق
فهذه الأبيات تدل على إسلامه وغيرها من الأخبار لا تدل. فإذا روي الإسلام والكفر، فالإسلام مقدم، ولذلك قدمت شهادة الإسلام على شهادة الكفر. وإلى الكفر طريق معلوم والإسلام طريقه الظن، فإذا لم يعلم الكفر ونقل الإسلام يجب الحكم بإسلامه.
* وروي أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وسيفه ملطخ بالدماء، فقالت له:إني قد عرفت أنك قد قاتلت فما أصبت من غنائم المشركين؟ قال: دونك هذه الإبرة فخيطي بها ثيابك فدفعها إليها فسمعا منادي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أصاب شيئاً من غنائم المشركين فليؤده ولو كانت إبرة، فرجع عقيل إلى امرأته فأخذ الإبرة عنها فألقاها في الغنائم.
* وحكي عن بعض أهل العلم أنه كان من أنسب الناس وآدبهم.(1/481)

96 / 101
ع
En
A+
A-