قصة الفرزدق وهشام وزين العابدين
* روي أن هشاماً بن عبد الملك بن مروان حج في خلافته سنة من السنين فلما كان في البيت زوحم على الركن، فلما هم باستلامه رجع إلى موضع مصلاه وسلامه خلف المقام، واجتمع عنده عدة من الناس، وفيهم الفرزدق الشاعر فنظر هشام بن عبدالملك زين العابدين صاحب السجادة ذا الثفنات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو يطوف بالبيت كلما بلغ الركن انفرج عنه الناس وتخلي له عنه حتى يستلمه، فأغضب ذلك هشاماً وعاب على زين العابدين عليه السلام وهَمَّ بالإستهزاء به والإستخفاف فقال: من هذا؟ فقال الفرزدق:
هذا الَّذِي تعرف البطحاء وطأته .... والبيت يعرفه والحِّلُ والحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلهم .... هذا التقي النقي الطاهر العلم
بكفه خيزران ريحه عبق.... من كف أروع في عرنينه شمم
يكاد يمسكه عرفان راحته .... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
مشتقة من رسول اللّه نبعته .... طابت مغارسه والخيم والشيم
من معشر حبهم دين وبغضهمُ ....كفرٌ وقربهم منجى ومعتصم
مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهمُ .... في كل حين ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم .... أو قيل من خير أهل الأرض قيل همُ
فأمر هشام بإسقاط صلة الفرزدق من الديوان، فبلغ ذلك زين العابدين عليه السلام، فأمر ببدرة فلما حملت إليه ردها وقال: إنما تكلمت وقلت ما قلت لله عز وجل، ولا أقبل عوضاً وأجراً، ورد البدرة على زين العابدين فردها إليه زين العابدين عليه السلام وقال: نحن أهل بيت إذا خرجت عنا صلة لم ترجع إلينا أبداً.
* مُصَنِّفُه: ولقد كانوا يدنسون أهل الحق، ويصدونهم، وينادي على رؤوسهم بفضائل العترة عليهم السلام ويكبتون بالحجة، فلا ترهقهم رهبة، ولا ترهقهم عنها هيبة، ولا يصرفهم عنها عطائهم، ولا يذودهم عن ذكرها ضراءهم.(1/457)


* قال كثيّر بن كثيّر السهمي بمكة في ولاية بني أمية:
لعن اللّه من يسب علياً .... وبنيه من سوقة وإمام
* وقال أبو دهبل الجمحي:
يبيت السكارى من أمية نوّمُ .... وبالطف قتلى لا ينام حميمها
* وقال سليمان بن قتة:
وإن قتيل الطف من آل هاشم .... أذل رقاب المسلمين فذلت
* وقال الكميت بن زيد وهو جار خالد بن عبد الله القسري بالعراق وسيف خالد يقطر من دماء الشيعة وضمآن لا يروي:
فقل لبني أمية حيث حلوا .... وإن خفت المهند والقطيعا
أجاع اللّه من اشبعتموه .... وأشبع من بجوركم أجيعا
وما هذا بمستبدع ولا يعجب فما كان في أيام المسوّدة من شعرائهم على رؤسهم يجأرون بتفضلهم وإن كرهوه، ويخبرون بمحاسنهم التي خصهم اللّه بها وإن سخطوها قال منصور بن الزبرقان على بساط هارون:
آل النبي ومن يحبهم .... يتطامنون مخافة القتل
أمِنَ النصارى واليهود وهم .... من أمة التوحيد في أَزَلِ
* وقال دعبل بن علي الخزاعي وهو غرس بني العباس وصنيعهم وشاعرهم:
ألم تر أني مذ ثمانين حجة .... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً .... وأيديهم من فيئهم صفرات(1/458)


* وقال علي بن العباس الرومي وهو مولى المعتصم:
بآية أن لا يبرح المرء منكم .... يكب على حر الجبين فيعفج
أكل أوان للنبي محمد .... قتيل زكي بالدماء مضرج

* وقال إبراهيم بن العباس الصولي شاعرهم وكاتبهم في الرضا علي بن موسى في أيام المأمون:
يمن عليكم بأموالكم .... وتُعطَون من مائة واحداً
يهيلون الذهب والفضة على الطغاة والأغتام استرجاعاً لموالاتهم ومحباتهم، واستمالة لقلوبهم من أغمار الطماطم وقلوب الأعاجم وأغوياء الأنباط الجهلة، وتترك عترة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وأولاده بضروب البلاء والإمتحان وأنواع الكروب والاصطلام طرداً، وشرداً، وشرقاً، وغرباً، حبساً وقتلاً كما قال دعبل بن علي:
مشردون نفوا عن عقر دارهم .... كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
وبؤساً وفقراً، وتوارياً وستراً، لا يسلبهم ذلك ما كساهم اللّه تعالى ولا يقطع عنهم ما وصل لهم اللّه جل وعز من الفضل المغبوط، والقدم المبسوط.(1/459)


فصل في المعروف
(502) أخبرنا الشريف أبو جعفر محمد بن القاسم، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الروياني، وأبو جعفر محمد بن عبد الحميد الطبري، عن أبي الحسن علي بن مهدي الطبري، حدَّثنا الناصر للحق، أخبرنا محمد بن خلف، أخبرنا حسان بن أبي شجاع، عن الوليد بن صالح قال: اجتمع على باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام وجعفر والعباس وعمر فتذاكروا المعروف فقال علي عليه السلام: المعروف حصن وكنز من الكنوز، فلا يمنعك كفر من كفر، فقد شكرك عليه من لم يستمتع منه بشيء، وقد تدرك بشكر الشاكرين ما أضاع جحود الكافرين. فقال جعفر عليه السلام: يا أهل المعروف ومن الحاجة إليه ما ليس للطالبين إليهم فيه، وذلك أنك إذا فعلت معروفاً كان لك مجده وسناؤه وذكره ورفعته، فما بالك تطلب من غيرك شكر ما أتيت لنفسك. وقال العباس: لا يتم المعروف إلا بثلاثة أشياء: تعجيله وتصغيره وستره، لأنك إذا عجلته هنأته، وإذا صغرته فقد عظمته، وإذا سترته فقد أتممته. وقال عمر: لكل شيء أنف وأنف المعروف سراجه.
قال: فخرج رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فيم كنتم؟ قالوا: كنا في ذكر المعروف يا رسول اللّه. فقال رسول الله:((المعروف معروف كاسمه ، وأهل المعروف في الدنيا كأهل المعروف في الآخرة)).
(503) وروى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، عن أبيه، عن جده عن علي أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس بأهله فإن أصبت فأهله وإلا كنت أهله)).
* وأنشد واحد عند عبد الله بن جعفر قول الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة .... حتى يصاب بها طريق المصنع
فقال عبد الله بن جعفر أما إني أقول:
يد المعروف غنم حيث كانت .... تلقّاها كفور أم شكور
فعند الشاكرين لها جزاء .... وعند اللّه ما جحد الكفور(1/460)


حدَّثنا الشريف أبو جعفر محمد بن القاسم الحسني، قال حدَّثنا أبو جعفر محمد بن عبد الحميد، عن أبي الحسن علي بن مهدي الطبري، قال أخبرنا علي بن محمد بن هاشم، قال حدَّثنا ابن أبي الدنيا، عن أبيه، قال حدَّثنا علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، إن دهقاناً كلَّم عبد الله بن جعفر ليكلم علياً عليه السلام في حاجة فقضاها فأرسل إليه الدهقان بألف درهم فردها وقال: إنا أهل بيت لا نقبل على معروفنا ثمناً.
* قال جعفر بن محمد عليه السلام: المعروف يقي مصارع السوء، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدينا أهل المعروف في الآخرة، وأول الناس دخولاً إلى الجنة أهل المعروف، وأول الناس دخولاً إلى النار أهل المنكر، وصدقة السر تطفي غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر.
* عبيد الله بن الوليد زاد فيه: وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة فقط.
* عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من صنع إليه معروف فليكافئ به، فإن لم يقدر عليه فلينشر ومن كتمه فقد كفر.
* زرارة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: من صنع بمثل ما صنع إليه فإنما كافأ، ومن ضعف كان شكوراً، ومن شكر كان كريماً، ومن علم أنما صنع إنما إلى نفسه لم يستبطيء الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك، ووقيت به عرضك، واعلم أن الطالب إليك الحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك فأكرم وجهك عن رده.(1/461)

92 / 101
ع
En
A+
A-