(499) أخبرنا الشريف أبو جعفر محمد بن القاسم، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي، أخبرنا ابن جرير، حدَّثنا أبو كريب، حدَّثنا يحيى بن عبد الله الأرحبي، حدَّثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: بعث رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم خالداً إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنت فيمن سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه، فبعث علي بن أبي طالب عليه السلام، فاستجمعوا لديه فصلى بهم علي عليه السلام، وقرأ كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت همدان في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فلما قرأه خَرَّ ساجداً ثم جلس وقال: ((السلام على همدان)) - ثلاثاً - وتتابع أهل اليمن على الإسلام.
أخبرنا أبو جعفر محمد بن القاسم الحسني، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي، حدَّثنا الناصر للحق، أخبرنا محمد بن علي بن خلف العطار، عن أبي حذيفة، عن عبد الرحمن بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه، عن ابن عباس قال أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي، أخبرنا أيضاً أنه وجد في كتاب أبيه سماعاً، قال: حدَّثنا ابن زكرياً يحيى بن هاشم، حدَّثنا أبو الجارود، عن عثمان، عن زاذان، عن علي عليه السلام، قال: والله لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى يرجعوا إلى اللّه عز وجل، والله ما من آية نزلت في بر ولا بحر ولا سماء ولا أرض ولا ليل ولا نهار إلا وأنا أعلم متى نزلت، وفي أي شيء نزلت، وما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وأنا أعلم أي آية نزلت فيه أتسوقه إلى جنة أم إلى نار.
(500) وروى ابن عباس: عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((أقضى أمتي بكتاب اللّه تعالى علي . فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحب علي)).(1/452)
* وعن ابن عباس، قال: ما نزلت آية فيها: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا? إلا وعلي أميرها وسيدها - يعني - أمير المخاطبين وسيدهم.
* وعن الحسن، أن عمر أُتي بامرأة قد ولدت لستة أشهرٍ فهمَّ بها، فقال له علي: وقد يكون هذا، قال اللّه سبحانه: ?وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ?[الأحقاف:15]. وقال: ?وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ?[البقرة:233]. فترك عمر جلدها.
* سعيد بن المسيب: كتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري يسأله أن يسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل وجد مع امرأته رجلاً يفجر بها فقتله. ما الذي يجب عليه؟ فلما سأله قال: عزمت عليك لما بينت لي أين حلت هذه المسألة؟ فليست من مسائل بلادنا. فأخبره أن معاوية كتب إليه من الشام بذلك يأمره أن يسأله عنها. فقال أمير المؤمنين: إن كان الزاني محصناً فلا شيء على قاتله لأنه قتل من عليه القتل، وإن كان غير محصن فعليه القتل لأنه قتل من لا يجب عليه القتل.
* مُصَنِّفُه: أراد عليه السلام: قتل من عليه القتل بحق اللّه تعالى، فإن من قتله لا قود عليه، وإذا كان ممن يستحق الجلد دون القتل فيقتل لأنه ما استحق القتل بحق اللّه، وليس ذاك لحد القصاص لأنه من حقوق الآدميين إليه استيفاء ماشاء من قود أو دية أو عفو، فمن قتله قتل به.
* وروي عن عمر: لولا علي لهلك عمر، وكان يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن.
* وعن ابن عباس في وصف أمير المؤمنين علي عليه السلام: كان والله يشبه القمر الباهر، والحسام الباتر، والربيع الباكر، والفرات الزاخر، والليث الحادر، وأشبه من القمر ضوءه وبهائه، ومن الحسام حده وجلائه، ومن الربيع خصبه وحلاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الليث شجاعته ومضاءه.
* وعنه أيضاً في وصفه ونعته قال: لأمير المؤمنين عليه السلام خصال قواطع: بسطة في العشيرة، وصهر بالرسول، وعلم بالتنزيل، وفقه بالتأويل، وصبر إذا دعيت نزال.(1/453)
* وعن ابن عباس: وجدنا العلم على ستة أسداس لأمير المؤمنين علي عليه السلام خمسة أسداس خاصة، ولسائر الناس سدس واحد ويشاركهم فيه أمير المؤمنين علي.
* السدي، عن أبي مالك، أنه قال: لقد علم أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان للداء إذا عضل، وللرأي إذا شكل، وللحرب إذا توقدت نيرانها.
* مُصَنِّفُه: ولو لم يكن من جود أمير المؤمنين وسخائه عليه السلام وفضله عند اللّه تعالى واعتلائه إلا نومه على فراش رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وتعرضه للقتل دونه لكانت به غنية عن التوغل في إطناب، ومندوحة عن الشروح في إسهاب.
* وذكر غيره: إذا كان كل شيء دون النفس حلالاً يسيراً، وخطباً حقيراً، وأمراً تافهاً يسيراً. ولقد تفاخر القحطانيون والعدنانيون في الأجواد. فزعمت القحطانية أن حاتماً الطائي، المذكور في الكور، والمشهور في الآفاق والسير، والمضروب به الأمثال، والمعقود به الخنصر والأقوال منهم، وهو الذي كان يسير بأرض عنز إذ ناداه رجل: يا أبا سفانة، قتلني[ الأسار والقِلّ] ، فقال حاتم: أسأت يا رجل حين نوهت بإسمي وما معي شيء أفديك به، وليس لك مترك، ولا عن رفض إجابتك مسلك، ثم ساوم العنزيين فاشتراه منهم وأدخل نفسه في الفداء مكانه حتى أتاه قومه بالفداء. فقال لهم العدنانية: لعمري لقد جادت نفس حاتم [بنيقة وبعران] ، فدا نفسه بها لكن لا يقاس ذلك بجود من جاد بنفسه، ولا بجود من جاد بابنه، وقرة عينه، وذلك: أن كعب بن مامة الأيادي الذي هو من عدنان صحب رجلاً وهو من النمر بن قاسط، وهو في شهر شديد الحر فضلا الطريق، وتصافيا مائهما، وجعل النمري يشرب نصيبه، فإذا أصاب كعباً قال: اسق أخاك النمري. فيؤثره على نفسه ويسقيه حتى نفد الماء واضرَّ به العطش فاستحث راحلته والعطش يغلبه فمات فقال فيه بعض الأياديين:
أوفى على الماء كعب ثم قيل له .... رِدْ كعب إنك وراد فما وردا(1/454)
* ولبعضهم في هذا المعنى:
تجود بالنفس إذ من الجواد بها .... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
أما الذي جاد بدم ابنه فقيس بن عاصم وذلك أنه أُتي بأسير وسرير عليه ابنه مقتول فما قطع حديثه ولا حلَّ حبوته وأمر بدفن ابنه، وقال للقاتل وكان ابن عمه: قطعت رحمك، وأوهنت عزك، وقصصت جناحك، وأمر بإطلاقه، وقال لابن له على رأسه قائم: يا بني سق إلى أم أخيك مائة ناقة فإنها غريبة فينا.
* وفيه قال الفرزدق:
وما حلَّ من جهل حبى حلمائنا .... ولا قائل المعروف فينا يعنَّف
* ويكفيك قصيرة من طويلة، واختصار من إسهاب، قتله عمرو بن عبد ود، ومبارزته مع مرحب اليهودي يوم خيبر حتى قتله، وما كان منه يوم بدر من مناصفته جميعهم في عدد القتلى أو قريباً منه.
(501) وشهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما لم يختلف فيه الولي والعدو ولا النائي ولا الرائي منه: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله كرار غير فرار)). ولما برز إليه مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يقول:
أنا الذي سمتني أمي مرحب .... شاك السلاح بطل مجرب
إذا الليوث أقبلت تلهّب .... واحجمت عن صولة المعلب
فقال أمير المؤمنين علي عليه سلام اللّه ورضوانه:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... أكيلكم بالسيف كيل السندرة
كليث غابات كريه المنظرة .... أضرب بالسيف وجوه الكفرة
* مُصَنِّفُه: فناوشه عليه السلام بضربة قدّ مغفرَه ورأسَه وحنَكه وأضراسَه وفتح خيبر الحيدرة الأسد.(1/455)
* وروي أن أم أمير المؤمنين علي عليه السلام فاطمة بنت أسد لما ولدت أمير المؤمنين كان أبو طالب غائباً فسمته أسداً بإسم أبيها. فلما قدم أبو طالب تكره هذا الإسم وسماه علياً، فلما رجز أمير المؤمنين عليه السلام يوم خيبر ذكر الإسم الذي سمته أمه به والسندرة قيل إنه اسم رجل كان يكيل كيلاً وافياً، وقيل: هي الكزبرة، وقيل: سنارة من شجرة يعمل منها القسي والنبل، يقال لها سندرة. ورووا قول مرحب: إذا الليوث أقبلت تُحزّبْ: أي تتحزّب يقال حزبته فتحزب: أي هيجته فتهيج. ويقال: أخذ فلان حزبته إذا أخذه ما يغضب له ويشتد عليه. ولما مات حرب بن أمية وبُكيَ عليه ونيح فقيل: واحزباه فصار ذلك عند كل مكروه ونازلة مستعملاً مستمراً في كل زمان.
* مُصَنِّفُه: ولأن بارز غير أمير المؤمنين عليه السلام فلا كبرازه، ولا قام فائدة مقامه، ولا عايدة اصطلامه، ولو لم يكن له إلا ذريته الذين هم أطواد الدين وأعلام الهدى واليقين عصراً بعد عصر، وزماناً بعد زمان، تعترف ألسنة المناوي والموالي بفضلهم وسؤددهم ونبلهم ومحتدهم، وليس ذلك لعرق من عروق القبائل، ففيه مقنع عن إطالة وبينات عند كل جهاله ، فيهم سائر أنواع الفضائل، وقلادة الوسائل، وغبطة الرتب في عاجل الأرب وآجل القرب. لكفى وفيهم يقول الفرزدق:
مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم .... في كل حين ومختوم به الكلم
* مُصَنِّفُه: فانظر في فصول فضائلهم، وبواهر مناقبهم، بحيث قهر العدو الممارد والمكاشح المعاند، والولي البار، والودود العاطف، حتى يظهرها بين أيديهم فلا يجدون لإنكارها معدلاً ولا لجحودها مركباً.(1/456)