[من أقواله وأخبار شجاعته]
* وعنه عليه السلام: من أكثر النظر في العواقب لم يشجع. المراد به من فكر في الاعتلا على قرنه، والظفر بعدوه، أو عليه لم يشجع ولكن ينبغي أن يحكم دينه ثم لا يفكر في الموت.
* وقال لابنه الحسن عليه السلام: لا تبدأ بالدعاء إلى البراز، وإن دعيت إليه فأجب، فإن طالبه باغ والباغي مصروع، وكانت درعه صدراً فقالوا له: لو احترزت؟ فقال:إن العدو إذا مكنته من ظهري لا وألت - أي لا نجوت -.
* وروي أنه عليه السلام كان إذا اعتلى قدَّ، وإذا اعترض قطّ. القد يكون طولاً، والقط: عرضاً.
وأخبرني أبو الحسن بن فارس، عن بعضهم: أن ضربات علي كانت أبكاراً، إذا اعتلى قدَّ، وإذا اعترض قطّ.
* مُصَنِّفُه: وأجمع المناويء، والموالي، والمكاشح، والمصافح، أن أمير المؤمنين ما وَلَّى في حرب، ولا ثنَّى ضربة على محارب. وقيل له: أنت رجل مطلوب فلو ركبت الخيل؟ فقال: أنا لا أفر عمن كَرَّ، ولا أَكِرُّ على من فرّ، فالبغلة ترحبني - أي تكفني -.
(493) وقيل لسعد بن أبي وقاص: أتحب أمير المؤمنين علياً؟ فقال: وما يمنعني من ذلك وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم وال من والاه، وعادِ من عاداه)) . وقد كان يوم خيبر يحمحم كحمحمة الفرس، ويحمل على المشركين ويقول:
ما تنقم الحرب العوان مني .... تخلف عامين حديث سني
سنجنج الليل كأني جني .... لمثل هذا ولدتني أمي
(494) وعن زيد بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي زيد، أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عطس قال له أمير المؤمنين عليه السلام : رفع اللّه ذكرك وقد فعل، وكان أمير المؤمنين عليه السلام إذا عطس قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((اعلى اللّه كعبك يا علي وقد فعل)).(1/436)
* وروي أن سعد بن أبي وقاص رأى رجلاً بالمدينة راكباً على بعير يشتم أمير المؤمنين عليه السلام فقال: اللهم، إن كان هذا يشتم ولياً من أوليائك فأرنا قدرتك فيه فنفر به بعيره نفرة فألقاه فاندقت رقبته.
(495) وفيه قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم سدد رميته، وأجب دعوته)) وكان رامياً .(1/437)
[من حكمه وأشعاره عليه السلام]
* وعن أمير المؤمنين عليه السلام: البشر من البر. من بخل بدنياه جمع لغيره، وخير مالك ما أغناك، وخير منه ما وقاك، من بخل بدينه عظم ربحه، ومن أحب العافية رزق السلامة، اتق الظلم فإن الحكَم عدل.مخالطة الأحمق خطر، ومفارقته ظفر، لا تتخذ لئيماً خليلاً ما وجدت إليه سبيلا، الإمتنان بالمعروف يبطل الحمد، ويمحق الأجر والله يقول: ?لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ?..الآية[البقرة:264]. ثم أنشد:
وصاحب سلفت منه إليَّ يدٌ .... أبطا عليه مكافاتي فعاداني
لما تيقن أن الدهر حاربني .... أبدا الندامة فيما كان أولاني
أفسدت بالمن ما أوليت من نعم .... ليس الكريم إذا أسدى بمنان
الكريم نفسه سخية، وعطيته هنية، خالط الكرام، واهجر اللئام تسلم الملام، قلة الطمع سلامة من آفات السقم، لا تطلبن ملاطفة ممن ليست له مخالطة، من طالت لحيته كثرت غفلته، ومن لم يسمع فارفع عنه مؤنة كلامك، لا تواخ من يظهر ودّاً ويضمر حقداً، إذا زالت الدولة بدت العورة، من أكل أمرار الملح وثلث الوسادة وترقى الحائط ظهر للناس رقاعته وهانت عليهم نفسه.[لاتكرمن من لا يكرمك] لا تحملوا الفروج على السروج، وتهيجوهنَّ للفجور.
* قيل لأهل فارس: أي ملوكهم كان أحمد عندهم سيرة، وأوطى سريرة؟ قالوا: لأردشير فضيلة وسبق في المملكة غير أن أحمدهم سيرة أنوشروان. قال: فأي أخلاقه كان أعود عليه؟ فقالوا: الحلم والأناة. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هما توأمان تنتجهما علو الهمة.
* وأنشد ابن الأنباري لأمير المؤمنين عليه السلام:
لا تعتبن على العباد فإنما .... يأتيك رزقك حين يؤذن فيه
سبق القضاء لوقته فكأنما .... يأتيك حين الوقت أو تأتيه
فثقن بمولاك اللطيف فإنه .... بالعبد أرأف من أب ببنيه
واشع غناك وكن لفقرك صائناً .... تضنى حشاك وأنت لا تبديه
فالحر يكتم دائماً إعدامه .... فكأنما عن نفسه يخفيه(1/438)
* عن أبي حاتم: أحمد بن حمدان الرازي، عن عبد الصمد بن محمد العباداني، عن أبيه، أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان يقول:
فإن يقضي لك الرحمن رزقاً .... يُعدّ لرزقه المقضي بابا
وإن يحرمك لا تسطع بحول .... ولا رأي الرجال له اكتسابا
فاقصر في خطاك فلست تعدو .... بحيلتك القضاء ولا الكتابا
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
لو كانت الأرزاق تجري على .... مقدار ما يستاهل العبد
لكان من يخدم مستخدماً .... وغاب نحس وبدا سعد
واعتذر الدهر إلى أهله .... واتصل السؤدد والمجد
لكنها تجري على سمتها .... بما يريد الواحد الفرد
* وعنه عليه السلام كان يقول: قبلة الرجل ولده رحمة، وقبلة المرأة شهوة، وقبلة الولد والده بر وعبادة، وقبلة الأخ أخاه زين، وقبلة الإمام العادل طاعة.
* وروي أن جارية كانت لأمير المؤمنين عليه السلام: تقضي أربهم وحاجتهم فرجعت يوماً إليه فقالت: إن شاباً لقيني فيقول: إني أحبك. فقال لها: فقولي أيضا إني أحبك فمه؟ فخرجت الجاريه يوماً في حاجاتها فاستقبلها الشاب فقال لها: إني أحبك. فقالت الجارية: أيضاً وإني أحبك فمه؟ فقال الشاب:نصبر إلى أن ?يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ?[الزمر:10] فسمع أمير المؤمنين مقالتهما فأعتق الجارية وزوجها من الشاب.
* ويروى أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يأكل يوماً الفالوذج، فقال لمن حضره: هلموا فما اضطرب الغاران إلا لهذا.. والغاران: الجيشان، وهما: أيضاً البطن والفرج، والغار أيضاً: اسم العود الطيب، وللجبل العظيم، والغار: غار الجبل.
* وروي أن رجلاً دعاه إلى مأدبته فقال: أجيبك إليها شرط أن لا تتكلف ما ليس عندك، ولا تدخر عنا ما هو عندك.
* وعنه عليه السلام أنه قال: ما ابن آدم والفخر أما أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه، وقد صاغه بعضهم شعراً:
ما بال من أوله نطفة .... وجيفة آخره يفخر(1/439)
أخبرنا أبو جعفر محمد بن القاسم الحسني النسابة، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري، أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن البكري ببغداد، أخبرنا أبو يعلى زكريا بن خلاد المنقري، حدَّثنا الأصمعي، حدَّثنا سلمة بن بلال، عن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل وكره له مصاحبته رجلاً:
فلا تصحب أخا الجهل .... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى .... حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء .... إذا ما هو ماشاه
وللشيء من الشيء .... مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب .... دليل حين يلقاه
* وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام خرج ذات يوم في حاجته فسمع أصحابه خلفه فوقف عليه السلام فقال: أحاجة؟ فقالوا: أحببنا أن نمشي معك. فقال: ارجعوا. فإن خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى.
* وروي عنه عليه السلام: إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الإستماع، كما تعلم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه.
* وروي أنه عليه السلام قال: من لانت كلمته وجبت محبته، وليأتين على الناس زمان منكر الحق فيهم تسعة أعشارهم.
* وروي أنه عليه السلام قال لعمر: إذا أردت أن تلقى صاحبك، فرقّع قميصك، واخصف نعلك، وقصر أملك، وكل شبعك.
* وروي أنه عليه السلام كان إذا حضر وقت الصلاة تزلزل وتلون فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها اللّه سبحانه على السموات والأرض والجبال?فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ?[الأحزاب:72]، فلا أدري أحسن إذا ما حملت أم لا؟
* وروي أن الحسن بن علي عليه السلام كان إذا توضى ارتعدت مفاصله واصفر لونه فقيل له: في ذلك. فقال: حق على كل مؤمن وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله.(1/440)