خوفاً له.]
واعلم يا محمد بن أبي بكر: أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر، فإذا وليتك ما وليتك من أمرهم، فأنت محقوق أن لا تخالف فيه على نفسك، وأن تحذر فيه على دينك، وإن لم تكن إلا ساعة من الدهر فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضى أحد من خلقه فافعل، فإن في اللّه خلفاً من غيره، وليس شيء خلفاً من الله، شُدّ على الظالم وجدّ عليه، لاين أهل الخير وقربهم واجعلهم بطانتك واخوانك. ثم انظر صلواتك كيف هي؟ فإنك إمام القوم، وليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاتهم نقص إلا ما كان عليه أوزارهم ولا ينقص من أجورهم شيء.
(486) وانظر إلى الوضوء فأتمه، فإنه من تمام الصلاة [ولا صلاة لمن لا وضوء له فإذا أردت الوضوء للصلاة فاغسل كفيك ثلاثاً]، ثم تمضمض ثلاثاً، ثم استنشق ثلاثاً، ثم اغسل وجهك ثلاثاً، ثم اغسل يدك اليمنى ثلاثاً، ثم اغسل يدك اليسرى ثلاثاً، ثم امسح برأسك وأذنيك ظاهرهما وباطنهما، ثم اغسل رجليك ثلاثاً فإني رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم توضىء كذا.(1/431)


(487) وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم((الوضوء نصف الإيمان)) . ثم انظر صلاتك لا تقدم وقتها لفراغ، ولا تؤخرها عن وقتها لشغل، فإن رجلاً أتى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللّه أخبرني عن الصلاة؟ فقال عليه السلام: ((أتاني جبريل فأراني أوقات الصلاة، أراني وقت الظهر حين زالت الشمس، وكانت على حاجبيك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، ثم أتاني يوماً آخر، فصلى الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقت واحد، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأول، ثم صلى الفجر، فأسفر بها قليلاً، غير أن النجوم مشتبكة بادية، ثم قال: يا محمد الصلاة فيما بين هذين الوقتين حسن، والفضل في الوقت الأول)). فكذا كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يصلي، فإن استطعت ولا قوة إلا بالله أن تلزم السنة المعروفة، فاسلك طريق القوم الذين ساروا لعلك تقدم معهم غداً، ثم انظر ركوعك وسجودك.
(488) فإن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان من أتم الناس ركوعاً وسجوداً وأخفهم لذلك كان إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم. ثلاث مرات، وإذا رفع صلبه قال: سمع اللّه لمن حمده. وقال: ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. ثم يكبر فإذا سجد قال:سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات.(1/432)


واعلم: أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك، واعلم: أن من ضيع الصلاة فإنه لغير الصلاة من شرائع الإسلام أضيع، اسأل اللّه الذي يمن ويرحم أن يجعلنا وأياك ممن يحب ويرضى حتى يعيننا وإياك على ذكره، وحسن عبادته وأداء شكره وذكره وحقه، وجعلنا وإياك من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فإن استطعتم يا أهل مصر، ولا وقوة لنا ولكم إلا بالله أن يصدق قولكم فعلكم فإنه لا يستوي المرتضى إمام الهدى،وإمام الردى ووصي النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وعدو النبي، جعلنا اللّه وإياكم من المتقين الذي لا خوف عليهم، وممن يحب ويرضى.
(489) وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني لا أخاف على أمتي مؤمناً، ولا مشركاً ، أما المؤمن فيمنعه اللّه بإيمانه، وأما المشرك فيمنعه اللّه بشركه، ولكني أخاف كل منافق عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون )).
واعلم يا محمد بن أبي بكر: أن أفضل الفقه الورع في دين اللّه سبحانه وتعالى، والعمل بطاعته أعاننا اللّه وإياك على شكره وأداء حقه والعمل بطاعته إنه سميع قريب، أوصيك بتقوى اللّه في سرائرك وعلانيتك وعلى أي حال كنت عليه جعلنا اللّه وإياك من المتقين.
واعلم: أن الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء رزقنا اللّه وإياك بصر ما بصرنا، وفهم ما فهمنا، حتى لا نقصر عما أمرنا، ولا نتعداه إلى ما نهانا عنه، فإنه لا بد لك من نصيب من آخرتك إلى نصيبك من دنياك، وإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة والثاني للدنيا فابدأ بأمر الآخرة فإن استطعت يا محمد بن أبي بكر أن تعظم رغبتك في الخير وتحسن فيه نيتك فافعل. فإن اللّه سبحانه يعطي العبد على قدر نيته، إذا أحب الخير وأهله، وإن لم يعمله كأن قد عمله.(1/433)


(490) فإن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج من غزوة تبوك قال: ((لقد كان بالمدينة أقوام، ما سرتم من سير ، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم، حبسهم المرض))، كانت لهم نية في ذلك جعلنا اللّه وإياك ممن يحب ويرضى. وأوصيك: بتقوى اللّه ثم بسبع خصال من جوامع الإسلام: تخشى اللّه في سرك وعلانيتك، ولا تقضي في أمر واحد بقضائين فيختلط عليك أمرك ويزلك عن الحق، وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وأكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، والزم أمرك الحجة عند اللّه، وأصلح رعيتك، ولا تخف في اللّه لومة لائم، وأقم وجهك، وانصح للمرء إذا استشارك.
* اجعل نفسك لقريب المسلمين وبعيدهم، ومر بالمعروف، وانْهَ عن المنكر، واصبر على ما أصابك.
(491) وعليك بالإعتكاف فإن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف في العشر الأواخر .
(492) وقال عليه السلام: ((من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)) وقال: ((من صام رمضان ثم صام بعده ستاً من شوال فكأنه صام السنة كلها)).
أحسنوا يا أهل مصر موازرة محمد، واشتملوا على طاعته حتى تردوا حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فلما ورد الكتاب على محمد بن أبي بكر كان ينظر إليه ويفتي بها فلما ظهر عليه وقتل، أخذ عمرو بن العاص كتبه، فبعث بها إلى معاوية، فكان ينظر فيه، فقال له الوليد بن عقبه يوماً: مر بهذه الأحاديث فلتحرقن فقال له معاوية: لا أرى ذلك أتأمرني أن أحرق علماً مثل هذا فما سمعت بعلم أصح منه.(1/434)


[وصيته لأولاده]
* وروي أنه عليه السلام [لما ضرب وحمل إلى منزله اعترته غشية فلما أفاق ودعى الحسن والحسين عليهما السلام] قال: أوصيكما بتقوى اللّه والرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا، وأن لا تأسفا على شيء فاتكما منها، اعملا للخير، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً، ثم دعى محمداً، فقال: أما سمعت ما أوصيت به أخويك؟ قال: بلى. قال: فإني أوصيك به، وعليك ببر أخويك، وتوقيرهما، ومعرفة فضلهما، ولا تقطع أمراً دونهما، ثم أقبل عليهما فقال: أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما، ومن تعلمان أن أباكما كان يحبه فأحباه
فلما قضي عليه قالت أم العريان:
وكنا قبل مهلكه بخير .... نرى نجوى رسول اللّه فينا
قتلتم خير من ركب المطايا .... وأكرمهم ومن ركب السفينا
ألا أبلغ معاوية بن حرب .... فلا قرت عيون الشامتينا(1/435)

87 / 101
ع
En
A+
A-