[خبره مع شريح وكتاب شراء الدار]
* يروى أن شريحاً اشترى داراً، وكتم عن أمير المؤمنين عليه السلام فبلغه خبره فقال له: يا شريح ، اشتريت داراً ؟ قال: نعم. قال:كتبت كتاباً؟ قال: نعم. قال: وأشهدت شهوداً؟ قال: نعم. قال: يا شريح ، احذر أن تكون اشتريت من غير مالك، فأضعت به شراءك وفقدت مالاً من غير حله فتسئل عن حبّة حبّة وعن ذرّة ذرّة، وسيأتيك والله من لا ينظر في كتابك ، ولا يسأل عن بينتك فيزعجك من الدار عرياناً ذليلاً، فتكون قد خسرت الدارين، ولو أنك أردت شراء دار قصدتني كنت أكتب لك كتاباً، كنت أزهد الناس فيها، وكان لا يشتري أحد داراً بدرهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما كنت تكتب؟ قال كنت أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت قد أزعج عنه بالرحيل، اشترى له داراً من دور الغرور، من الدليل من عسكر الهالكين، ومجمع الغافلين، وتجمع هذه الدار حدودٌ أربعة: فأول حد مِن حدودها إلى الهلكات، والحد الثاني ينتهي إلى الغفلات، والثالث ينتهي إلى الهوى المُردِّي، والشيطان المغوي، والرابع ينتهي إلى دواهي الآفات، وإليه يشرع باب هذه الدار، الذي اشتراها هذا المغرور بالأمل من هذا المزعج بالأجل، وما أدرك المشتري هذه الدار من درك فعلى مبلي أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى، وقيصر، وتبع، وحمير، ونمرود، وفرعون الأكبر، ومن بنى وشيَّد، وزخرف ونجد، وجمع واعتقد، إشخاصهم إلى موقف العرض إذا أبرز الكرسي لفصل القضاء وخسر هنالك المبطلون ونادى المنادي: ما أبين الحقّ لذي العينين، إن الرحيل حقّ أحد اليومين، ليست هذه دار مقامة، ولا لمن ركن إليها دوام فبادروا بصالح الأعمال فقد كذبت الآمال وانقضت الآجال.(1/421)
من شعره عليه السلام
* ويروى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
الناس من جهة التمثال أكفاء .... أبوهمُ آدم والأم حواء
فإن يكن لهمُ في الأصل من حسب .... يفاخرون به فالطينُ والماء
مالفضل إلا لأهل العلم إنهم .... على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه .... والجاهلون لأهل العلم أعداء(1/422)
[تضمين]
* وقد صاغ أبو الحسن المعروف بابن طباطبا العلوي الحسني قول أمير المؤمنين عليه السلام: قيمة كل امرئ ما يحسنه:
حسود مريض القلب يخفي أنينه .... ويضحي كئيب البال يبدي حنينه
يروم بأني رحت للعلم طالباً .... وأجمع من عند الرواة فنونه
وأعرف إيكار الكلام وعونه .... وأحفظ مما أستفيد عيونه
ويزعم أن العلم لا يجلب الغنا .... ويحسن بالجهل الذميم ظنونه
فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي .... فقيمة كل الناس ما يحسنونه(1/423)
[العلم والعمل]
* عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
* عامر الشعبي: سئل أمير المؤمنين علي عليه السلام، عن ابن مسعود فقال: قرأ القرآن، ووقف عنده، فأحل حلاله، وحرم حرامه، وسئل عن حذيفة، فقال: أُسِرَّ إليه علم المنافقين طلب علماً فأدركه. وسئل عن أبي ذر رحمه اللّه ؟ فقال: وعاء مليء علماً، وقد ضيعه الناس، وسئل عن عمار رحمه اللّه؟ فقال: مؤمن نسَّاء، فإذا ذكرته تذكر قد مليء إيماناً ما بين قرنه إلى قدمه. وسئل عن سلمان رحمه اللّه ؟تعالى فقال: أدرك العلم الأول والآخر، وهو بحر لا ينزح وهو منا أهل البيت. وسئل عن نفسه فقال: إياها أردتم ،كنت إذا سكت ابتديت، وإذا سألت أعطيت، وإن بين الدفتين لعلماً جمّا - يعني الجنبين -.(1/424)
[كتابه إلى محمد بن أبي بكر]
* أبو مخنف، عن سلمان بن أبي راشد الأسدي، عن عبد الرحمن بن عبيد: أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام يسأله عن جوامع من الحلال والحرام والسنن والمواعظ، وهو إذ ذاك بمصر عامل له فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم لعبد الله علي أمير المؤمنين من محمد بن أبي بكر سلام عليك فإني أحمد أليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد:
فإن رأى أمير المؤمنين أراني اللّه فيه وجماعة المؤمنين أفضل سرورنا أن يكتب لي كتاباً فيه فرائض وأشياء يبتلى بها مثلي من القضاء بين الناس فعل، فإن اللّه سبحانه يعظم الأجر لأمير المؤمنين ويحسن له بذلك الذخر. فكتب إليه جواباً عن كتابه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر سلام اللّه عليك، أما بعد:
فقد وصل إليَّ كتابك وقرأته ، وفهمت ما سألتني عنه، فأعجبني اهتمامك بما لابد لك منه، وما لا يصلح المسلمين غيره، وعلمت أن الذي أخرج ذلك منك رأي غير مدخول، وتدبير غير ضعيف، وقد بعثت إليك بأبواب أقضية جامعة، لك فيها جماع ما أردت، ولا قوة إلا بالله وحسبنا اللّه وعليه توكلنا، أما بعد:(1/425)