واعلم أن من الكرم الوفاء بالذمم، والصدود آية المقت، والانقباض يجلب العداوة، والخلطة تورث المحبة وكثرتها آية الملل، من الكرم صلة الرحم، التَجنيِّ وجه القطيعة، احمل نفسك في أخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده على لطف المسألة، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه ولا تفعله بغير أهله، ولا تتخذنَّ عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك، ولا تعمل بالخدعة فإنها من خلق اللئام من الناس، امحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، لا تصحبنَّ الإخوان بالإدهان، صاحبهم بالتذكير عند الزلة، وامحضهم المودة عند الهبة، كم من أخ ثقة يعد هدية العيب تحفة، ساعد أخاك الثقة على كل حال، وزل معه حيث زال، جد على عدوك بالفضل، تجرَّع الغيظ تسلم لك العاقبة لِنْ لمن خالطك، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفا بعد الأحفا، والعداوة بعد المودة، من ظن بك خيراً فصدقِّ ظنه، لا تضيعنَّ حق أخيك إتكالاً على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه، لا ترغبن فيمن زهد فيك، لا يكن أهلك أشقى الناس بك، ولا يكوننَّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا على البخل أقوى منك على الجود، ولا على التقصير أقوى منك على الفضل، فليس جزاء من سرك أن تسؤه، و لا يكبرنَّ عليك ظلم من ظلمك، فإنه إنما يسعى في مضرته ونفعك، الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، وإن لم تأته أتاك، والزمان يومان: يوم لك، ويوم عليك، فما كان لك أتاك على ضعفك. وإن قصرت في طلبه، وما كان عليك لم تقدر على دفعه بقوتك، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، وأقبح الفقر بعد الغنى، إنما لك في دنياك ما أصلحت به مثواك، فانفق في حق، ولا تكن خازناً لغيرك، إن كنت جازعاً على ما يتفلت من يدك فاحزن على ما لم يصل إليك، واستدلل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور أشباه، ولا تكوننَّ ممَّن لا ينتفع بالعظة إلا بما لزمه فآلمه، فإن العاقل ينتفع بالأدب والبهائم لا تنتفع إلا(1/411)
بالضرب، اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعاً كان أو وضيعاً، إستعد للموت واطرح عنك وارادات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين، نعم حظ المرء القنوع، ومن شر أخلاق المرء الحسد، وفي القنوط التفريط، الشح يجلب الملامة، والصديق من صدق غيبه، الهوى شريك العمى، ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة، وطارد الهم اليقين، رُبَّ بعيد أقرب من قريب، والغريب من ليس له حبيب، أوثق العرى التقوى، من أعتبك فهو منك، قطيعة الجاهل مصلحة، بر الوالدين كرم، المخافة شر لحاف، لا خير في لذة تعقبها ندا مة، العاقل من وعظته التجارب، الهدى يطرد العمى، رسولك ترجمان عقلك ، ليس مع الاختلاف ائتلاف، يبين عن كل امرئ دخيلته، رب باحث عن حتفه، رب هزل قد عاد جدا، من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه، ليس كل من رمى أصاب، إذا تغير السلطان تغير الزمان، خير أهلك من كفاك، أعذر من اجتهد، رأس الدين صحة اليقين، تمام الإخلاص تجنب المعاصي، خير المقال ما صدقه الفعال، السلامة مع الاستقامة، الدعاء مفاتيح الرحمة، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار، احتمل من أدل عليك، واقبل عذر من اعتذر إ ليك، أطع أخاك وإن عصاك، خذ العفو من الناس، إياك أن تذكر من الكلام قذراً، وأن تكون مضحكاً وأن حكيت عن غيرك، عوِّد نفسك السماح، تخيَّر من كل خلق أحسنه فإن الخير عادة، إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفْن، وعزمهن إلى وَهْنٍ، أكفف عليهنَّ من أبصارهن بحجابك إياهنَّ فإن شدة الحجاب خير لهنَّ من الارتياب، وليس خروجهنَّ بأضر من دخول من لا يوثق به عليهنَّ، فإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل، أقل الغضب، ولا تكثر العتاب في غير ذنب، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، أحسن لمماليكك الأدب، وإن أجرم أحدهنَّ جرماً فأحسن العفو، فإن العفو مع العدل أشدُّ من الضرب لمن كان له قلب، وخف القصاص، واجعل لكل امرئ منهم عملاً يأخذه فإنه أحرى أن لا يتواكلوا، وأكرم عشيرتك فإنهم(1/412)
جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، فإنك بهم تصول، وبهم تطول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورهم، ويسِّر عن معسرهم، واستعن بالله على أمرك كله، فإنه أكرم معين، أستودع اللّه دينك ودنياك والسلام.
تمت الوصية المباركة.(1/413)
[قوام الدنيا بأربع]
* جابر بن عبد الله رحمه الله: دخل عليَّ أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: يا جابر، قوام هذه الدنيا بأربع: بعالم يعمل بعلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني جواد بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه.(1/414)
[وصية أخرى لولده الحسن]
* عقبة بن أبي الصهباء، قال: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه دخل عليه الحسن وهو يبكي. فقال له أمير المؤمنين: ما يبكيك يا بني؟ فقال الحسن عليه السلام: ومالي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا، فقال: يا بني احفظ عني أربعاً، وأربعاً لا يضرك ما عملت معهن، فقال الحسن: وماهنَّ يا أمير المؤمنين؟ فقال: اعلم أن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق، فقال الحسن: يا أبة هذه الأربع فاعطني الأربع؟ فقال: يا بني، إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرب عليك البعيد ويباعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه اليسير.
[من دعائه عليه السلام]
* وكان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول في دعائه: اللهم ،اجعل خير عملي ما ولي أجلي، اللهم، إن ذنوبي لا تضرك ورحمتك إياي لا تنقصك، فاغفر لي ما لا يضرك، واعطني ما لا ينقصك.(1/415)