* مُصَنِّفُه: الجهاد منوط بالمال والحياة، فمن واسى بحياته، وأنفق في سبيل اللّه ماله، فقد أرضى بنعم الجنان حياته، وأثقل بحسناته ميزانه، وتلافى بربحه خسرانه.
* زيد بن علي عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي عليهم السلام: جهاد الفاسقين واجب على كل مسلم.
* وقيل في قوله تعالى: ?وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ?[الفتح:7]: جنود السموات: الملائكة. وجنود الأرض: الزيدية.
وأخبرني أبو الحسن الوبري، أخبرني أبو بكر الجعاني، حدثني علي بن الحسين، حدَّثنا عباد بن يعقوب، حدَّثنا الحكم بن زهير قال: قال إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام: لو نزلت راية من السماء لم تنصب إلا في الزيدية.
وأخبرني أبو الحسن الوبري، حدَّثنا أبو بكر، حدثني أبو الحسن علي بن موسى الغطفاني، حدَّثنا الحسن بن علي بن بزيع، حدَّثنا إسماعيل بن أبَّان، حدَّثنا عمير بن حرث، قال: قال لي جعفر بن محمد عليه السلام: كل راية في غير الزيدية فهي راية الضلالة.
* زيد بن علي عليه السلام: من خدش فينا خدشاً كان له نوراً يوم القيامة يسطع مدَّ بصره وموضع قدمه، ومن لنا في عنقه عهدٌ يقبض على فراشه قبضه اللّه شهيداً، ومن استشهد معنا جاء يوم القيامة معنا لفيفاً كما يلتف أهل الجنازة بجنازتهم، ولشهيدنا فضلٌ على من سوانا سبع ربوات.
قال له هشام: وما سبع ربوات، جعلت فداك؟
قال: سبع درجات، كل درجة شهر، كذلك نحن وشهداء شيعتنا.
(479) حدثنا أبو الحسن الوبري، حدَّثنا أبو بكر الجعابي، حدثني محمد بن القاسم بن زكريا، حدَّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، حدَّثنا محمد بن داود بن عبدالجبار عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، للحسين: (( ياحسين يخرج من صلبك رجلٌ يقال له زيد . يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غراً محجلين يدخلون الجنة )).(1/391)
* وروى الناصر الحسن بن علي عليه السلام: (( بغير حساب )).
وفي بعض الأخبار: (( ينادي المنادي من هؤلاء، فيقال: هؤلاء دعاة الحق )).
* أبو إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة، عن أمير المؤمنين أنه سئل عن الإيمان؟
فقال: بني على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والجهاد، والعدل.
والصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار لهى عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
واليقين: على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين، فمن أبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان من الأولين.
والعدل: على أربع شعب: على غائص الفهم، وشرائع الحكمة، وزهرة العلم وروضته، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن عرف شرائع الحكمة حلم، ومن حلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس حميداً.
والجهاد منه على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنئان الفاسدين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين غضباً لله سبحانه غضب اللّه له فذلك الإيمان وشعبه.
فقام السائل، وقَبَّلَ رأس أمير المؤمنين علياً عليه السلام.
* وعنه: لو كان الصبر رجلاً لكان أجمل الناس، فإن الجزع والجهل والشره والحسد، لفروع أصلها واحد.(1/392)
باب مجاهدة النفس وهواها
* قال اللّه تعالى: ?وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى?[النازعات:40،41].
* وقال [تعالى]: ?إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ?..الآية[يوسف:53].
(480) و أخبرني أبو علي، أخبرنا أبو بكر، حدَّثنا مكحول، أخبرنا سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن حيوه بن شريح، عن أبي هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك الجنبي، عن فضالة بن عبيد، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( المجاهد من جاهد نفسه )).
(481) وروي أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف من بعض غزواته، قال: (( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )). يعني: مجاهدة النفس.
(482) وعلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمران بن الحصين، فقال: (( قل يا حصين : اللهم ألهمني رشد نفسي، وأعذني من شر نفسي )).
* أمير المؤمنين علي عليه السلام: أول ما تنكرون من الجهاد جهاد أنفسكم.
* أوحى اللّه تعالى إلى داود عليه السلام: عادِ نفسك وودني بعداوتها.
* مُصَنِّفُه: الهوى أعمى عن الرشد، وأعمى من اتبعه، ولمقاتلة العدو الذي تراه، أهون من مقاتلة هوى النفس فإنك لا تراه.
* أمير المؤمنين علي عليه السلام: اتِّباع الهوى يصد عن الحق.
* لبعضهم: الحب يعمي ويصم.
* وعن بعضهم: ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نفسي، تارةً ليْ وتارةً عليَّ.
* يحيى بن معاذ: إن من سعادة المرءِ أن يكون خصمه فهماً عاقلاً، وخصمي لا فهم له. قيل: من خصمك؟
قال: نفسي لا فهم لها، وهي تبيع الجنة، وما فيها من النعيم والخلود، بشهوة ساعة بدار الفناء.
* وعن بعض الحكماء: الهوى إلهٌ يُعبد من دون اللّه، وهو كمين لا يؤمن، فإياك والإتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى.
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: ما هلك امرئ عرف قدر نفسه.(1/393)
* مُصَنِّفُه: ولعمري كذلك، فإن الدنيا، والهوى، والشيطان، والأهل، والولد أعدائه، فمن عرف أنه في مكامن هؤلاء الأعداء عرف قدر نفسه، ليوشك أن يتحرز فينجو.
* الحسن: ما الدابة الجموح بأحوج إلى لجام شديد من نفسك.
* لبعض الحكماء: من عرف ربه ذل، ومن عرف نفسه ذل.
* وعن بعض الصالحين: لا يكون الرجل صالحاً حتى يكون على نفسه مثل الداية على ولد زوجها، وعلى الناس مثل الوالدة الشفيقة.
* مُصَنِّفُه: مثلك في هواك كمثل المريض في دائه، إن صبر على كريه دوائه نال منه شفائه، وإن جزع تضاعفت عليه شدائد بلاءه، فيكون في ألم الداء وألم الدواء، فإن اتبعت هواك، أوقعك في بلاء الدنيا وبلاء الآخرة.
* وعن بكر بن عبد الله: لا يزال المرء بخير، ما أصبح وأمسى زارياً على نفسه في ذات اللّه تعالى.
* وعن مالك بن طعيم: سمعت أبي، يقول في جنازة: إني لأحسب نفسي لو مات نصفها ما انتفع الباقي لموت الميت.
* ولبعضهم:
نفس لا كنت ولا كان الهوى اتقي المولى وخافي وارهبي
* وعن بعضهم: أعداء الإنسان ثلاثة: نفسه، وشيطانه، ودنياه، فالإحتراس عن النفس بقطع الشهوات، ومن الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان باختيار مرضاة الله.
* ولبعضهم:
فاعص هوى النفس ولا ترضها .... إنك إن أسخطتها زانكا
حتى متى السعي لمرضاتها .... فإنها تطلب عدوانكا
* وعن بعضهم: اعرف نفسك وأنت رجل.
* عمر بن عبد العزيز، زكَّاه رجل، فقال: والله إني لأعرف من نفسي فنوناً لو علمت أنك واقعت شيئاً منها ما كلمتك أبداً.
* ابن عيينة: ينبغي أن يكون الرجل عند اللّه من أجلهم، وعند الناس من أوسطهم، وعند نفسه من أشرهم.
* يحيى بن معاذ: سقوط الرجل من كل درجة دعواه لها، وكلما كان الرجل أعلى درجة كان أشد احتقاراً لنفسه.(1/394)
* وروي أن المسيح عليه السلام: كان يمشي مع الحواريين فنظر فيه لص من لصوص بني إسرائيل معروف فيهم فوقع في نفسه الندم والتوبة فتبعهم، فالتفت إليه رجل من حوارييه وقال : مالهذا اللص يمشي معنا؟ فأوحى اللّه جل وعز إلى عيسى: قل لصاحبك ليستأنف العمل، فقد بطل عمله بإزرائه هذا التائب.
وقل للآخر: أن يستأنف العمل فقد غفرت ذنوبه باحتقاره نفسه وندامته.
* وحكي: أن رجلاً، قال لآخر: إن فلاناً وفلاناً لا يقعان في قلبي شيئاً. قال الآخر له: ولا على قلبي. ثم قال: لعلنا واقعنا شيئاً من أجل ذلك لا نحب الصالحين.
* وعن الأنطاكي: لا ترى أحداً يعمل اليوم إلا لموافقة الهوى ما بين عالم إلى جاهل، وعابد إلى زاهد، وشيخ إلى شاب، كل يخاف ما يقال فيه من الحق، ويكافيء ما يؤتى إليه، ومن الذي لا يغضب على ذكره بسوء؟ ومن ذا الذي ينصف من نفسه فيما لا يوافق هواه؟ ومن ذا الذي يستنقص لغيره ما يستنقص لنفسه من غيره [ومن ذا الذي ينصح غيره في موافقة هواه، واصطلحنا على المداهنة وتحاببنا] بالألسن، وتباغضنا بالقلوب، وطلبنا العلم لغير العمل للتزين والمباهاة، فليت شعري أي عقوبة نزلت؟
(483) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كنتم كذلك فعليكم لعنة اللّه، وأصمكم، وأعمى أبصاركم )).
* لبعضهم: من فضلني على نفسه فهو خير مني.
* يحيى بن معاذ: ما كان قلب صالح إلا كان من النفس باين.
* أبو مالك الأشعري: ليس عدوك الذي إذا لقيته فقتلته آجرك اللّه في قتله، ولكن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، وامرأتك التي تضاجعك، وولدك الذي من صلبك، فهولاء أعدى عدوٍ لك.
* لبعضهم: لنحت الجبال بالأظافير حتى تنقطع الأوصال، أهون من مخالفة الهوى إذا تمكن في النفوس.
* ويقال: من اجتمعت له الأمور كلها، أتاه الخلل من نفسه.
* ابن السماك: إرض الرب في مكروه النفس، وفي خلاف النفس رشدها، وقد قرنت المكارم بالمكاره، فمن احتمل مكروهاً، احتمل مكرمة.(1/395)