(468) أخبرنا الحسن بن محمد، حدَّثنا أحمد بن علي بن محمد إملاءاً، أخبرني أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق، حدثني أبو علي أحمد بن محمد بن خالد بن شبيب الكوفي، حدَّثنا الحسن بن محمد بن عبد الواحد، حدثني أخو الحسين بن علي المقتول بفخ الشهيد، عن محمد بن موسى، عن زيد بن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أقرب الناس مني موقفاً يوم القيامة بعد حمزة، وجعفر، وعلي، من خرج بسيفه على إمام جائر، وقاتل فقتل ))(1/386)
باب الجهاد
* قال اللّه تعالى: ?إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ?[التوبة:111].
*وقال تعالى: ?فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ?[النساء:95].
(469) أخبرنا الحسن بن محمد، حدَّثنا أحمد بن علي بن محمد إملاءً، أخبرني أبو القاسم عبد العزيز بن [أبي] إسحاق، عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما اغبرَّت قدم أحد في سبيل اللّه فطمعت فيه النار )).
(470) وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من مات ولم يغز ، ولم يحدِّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق )).
(471) وقال عسعس بن سلامة: أتى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الجبل ليتعبد، ففقد، فطلب، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أردت أن أعتزل فأتعبد.
فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( فلصبر أحدكم ساعة من النهار في بعض مرابط الإسلام، خير من عبادة رجل خالياً أربعين عاماً )).
(472) وأخبرني أبو علي أخبرنا أبو بكر، أخبرنا مكحول، حدثنا محمد بن عمر الخراساني، حدَّثنا سعيد بن منصور، عن عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (( غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها )).(1/387)
* مُصَنِّفُه: وجدنا خيار ذرية رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، بذلوا أرواحهم في سبيل اللّه، ابتغاء مرضات اللّه، في زمان عظم الجهاد فيه، كالحسين بن علي عليه السلام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، ومحمد بن عبد الله، وإبراهيم بن عبد الله، والحسين بن علي الفخي.. وغيرهم، فتحملوا مكاره بالقتل والضرب والطرد ما تغني شهرته عن ذكره.
* هذا زيد بن علي عليه السلام، قتل، ثم صلب سنين، حتى تفرخ الطير في جوفه، ثم أنزل فأحرق، وذري رماده في الفرات، وقد كان يخلى إن تخلى عن منابذتهم، والإنكار عليهم، فرأى جهادهم أفضل من جهاد أهل الشرك، إذا كان ذلك تطهير دار الإسلام، ولعظم مقام المجاهدين عند الله تعالى، أمر أن يدفنوا بدمائهم، ولا ينزع من ثيابهم ما قد أصابه الدم، ولا يغسلوا ليلقوا اللّه تعالى يوم القيامة، وعليهم آثار المجاهدين.
(473) وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في شهداء بدر: (( زملوهم بدمائهم ما من كلم يكلم في سبيل اللّه، إلاَّ ويجيء يوم القيامة، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك )).
(474) وشبه عليه السلام الحج بالجهاد، فقال: (( على النساء جهاد لا قتال فيه )). أراد بذلك الحج.
* وما نقل عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، من تحمل الشدائد في الجهاد، ومقاماته التي بَيَّنَ بها فضله على غيره.
* مُصَنِّفُه: وما من شيء أعزَّ على الإنسان من حياته، فمتى بذل لله تعالى حياته فأية قربة مثلها؟
* وعن أبي هريرة: طوبى لرجل اغبرَّ جلده، واشعثَّ رأسه، ودنس ثيابه، يكون بالليل في الحرس، وبالنهار في الساقة، إن حقاً على اللّه أن يزوجه من الحور العين.
* وعن بعضهم: كان يقال: السيوف مفاتيح الجنة.
* مُصَنِّفُه:
ففي ظلل السيوف رواح راح .... إلى الرُّوح المؤبد والنعيم
* وروي أن زيد بن علي عليه السلام، قد كان ينشد:
من لاذ بالسيف لاقى فرصة عجباً .... موتاً على كرم أو عاش منتصفاً(1/388)
* وروي أن رجاء بن حيوة، ومكحول: كانا يختاران الساقة لا يفارقانها.
* أبو أمامة: لقد افتتح الفتوح، أقوام ما كان حلية سلاحهم الذهب ولا الفضة، إنما كان العلابي والآنك والحديد.
* وكان عمر بن عبد العزيز، ينهى عن ركض الخيل في غير حق.
(475) وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً إلى مؤته، وفيهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فأخذ زيد الراية، فتقدم فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر وهو يرتجز:
ياحبذا الجنة واقترابها .... باردة طيبة شرابها
والروم روم قد دنى عذابها .... عليَّ إن لاقيتها ضرابها
(476) وسمع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم [رجلاً] يقول: أسألك خير ما تسأل فاعطني خير ما تعطي؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن استجيب لك أهريق دمك في سبيل الله )).
* بعض الحكماء:
من كان عند هواه في مجاهدة فكل أرض له ثغر وطرسوس
(477) الأوزاعي: كان بالغزاة أربعة، أفضلهم: راعي دواب أصحابه، والثاني: خادمهم، والثالث: من يباشر القتال، والرابع: الصائم القائم، فكان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الرجل يخدم أصحابه في السفر .
* عن عطيه بن قيس: كنا إذا خرجنا إلى العدو بجلد وقوة، استرجعنا مخافة أن نثق بحولنا وقوتنا، وإذا خرجنا بضعفة وثقنا، وقلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
(478) وسأل عدي بن حاتم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: أي الصدقة أفضل؟
قال: (( خدمة غلام يخدم أصحابه في سبيل الله ، ثم بعد وظل فسطاط في سبيل اللّه، ثم غشية فرس يحملها في سبيل الله )).
* وعن أبي الجحيفة: لما صافقنا مهران كان معنا رجل من الأسد، يقال له: أبو ثبة فجعل يبكي.
قلنا: جزع هذا؟
قال: لا. ولكني تركت ابني في الرحل، فلوددت أنه كان معي، فيدخلنا الجنة جميعاً.
* وقرأت: إن في بعض وقائع الفرس مع المثنى بن حارثة كان رجل هجم على معركة لهم، مشحونة بأنجادهم غير مكترث، فقيل له في ذلك؟(1/389)
فقال: إني قصرت في بعض الغزوات مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فأردت أن أستشهد هاهنا تداركاً لما كان مني.
* وقال أنس بن مالك: لما طعن خالي حرام بن ملحان يوم بئر معونة والدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزتُ ورب الكعبة.
* سعيد بن المسيب: قال عبد الرحمن بن جحش يوم أحد: اللهم إني أقسمت عليك أن نلقى العدو غداً يقتلوني، ويبقروا بطني، ثم يمثلوا بي، فإذا لقيتك سألتني: فيم هذا؟
فأقول: فيك.
* وعن عون بن عبد الله: أن رجلاً مَرَّ عليه يوم القادسية، وقد انتثر قضيبه، فقال لبعض من مرَّ عليه: ضم إليَّ، لعلي أدنو في سبيل اللّه، قيد رمح أو رمحين.
قال: فمرَّ عليه وقد دنى قيد رمح أو رمحين.
* اشترى عمرو بن عتبة فرساً بأربعة آلاف، فعنفوه وأنبَّوه يستغلونه.
فقال: ما خطوة يخطوها ويتقدمها على عدو أحب إليَّ من أربعة آلف درهم.
* شقيق: لو علمت أحداً أعلم مني بمجاهدة أربعة أنفس لتملدت إليه: مع الكافر بالسلاح، ومع المنافق باللسان، ومع السلطان بالبكاء، ومع المؤمن بالقلب، وما فيها أشدَّ من جهاد المؤمن لأنه مستقبل بخلاف ما يستقبل: ينصح إذا حسد، ويعفو إن ظلم، ويحسن إذا أساء، ولا يؤتى إلا بضد ما يأتي فهو أصعب مجاهدة.
* حاتم الأصم: قال لي شقيق، ونحن بين الصفين، لا نسمع إلاَّ قعقعة السلاح: يا حاتم كيف تجد قلبك في هذا المقام؟
فقال: كالليلة زفت فيها إليك أهلك؟
قلت: لكني أجد قلبي أسكن وأفرح في هذا المكان مني في قيام ليلة الزفاف. ثم رمى بترسه، فنام نوماً سمعت غطيطه.
* وعن سلمان الفارسي: إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله، أو في الصلاة، تحاتت خطاياه كما يتحات عذق النخلة.
* وكان كعب الأحبار يقول: لا يستكمل عبدٌ أجر الحج والجهاد، حتى يصبر على أذى الإخوان، ويكف عن أذاهم.(1/390)