(452) وصعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بصوت رفيع: (( يا معشر، من أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه: لا تؤذوا المسلمين، ولا تغشوهم، ولا تطلبوهم عوراتهم، فإن من تطلب عورة مسلم، تطلب اللّه عورته، ومن تطلب اللّه عورته يفضحه، ولو في جوف رحله )).
معنى: تطلب عورته: يجازيه ويعاقبه بمثل ذنبه.
* وحكي: أن الحسن، قال: يا ابن آدم، إياك والغيبة، فإنها أسرع في الحسنات، من النار في الحطب، يحسد أحدكم أخاه حتى يقع في سريرته، والله ماله علم بعلانيته، يعيبه بما ليس فيه، ويعيبه بما لا يعلمه فيه، يتعلم في الصداقة التي بينهما ما يعيره في العداوة، إذا هي كانت، ما أظن أولئك من المؤمنين، إن اللّه لا ينظر إلى عبد يبدي لأخيه الود، وصدره مملوءاً غشاً، يطريه شاهداً، ويخذله غائباً، إن رأى خيراً حسده، وإن ابتلي ببلاء خذله.
* وجعل بعضهم شعراً، فقال:
إحذر مودة ماذق .... شاب المرارة بالحلاوة
يحصي العيوب عليك أيـ.... ـام الصداقة للعداوة
* قال رجل لمحمد بن علي عليه السلام: بلغني أنك تقع فيَّ؟
فقال: أنت إذا أكرم عليَّ من نفسي.
* الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: إياك والغيبة، فإنها إدام الكلاب.
* قال أبو قلابة: في الغيبة خراب القلب من الهدى.
* وقال اللّه تعالى لموسى عليه السلام: من مات تائباً من الغيبة، فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرَّاً عليها، فهو أول من يدخل النار.
* وشتم رجل، رياح بن عبيدة الحجاج، عند عمر بن عبدالعزيز.
فقال رياح: بلغني أن الرجل ليظلم بالمظلمة، فما زال المظلوم يشتم ظالمه، حتى يستوفي حقه، ويفضل الظالم عليه.
* ابن سماك: لكل شيء ديباج، وديباج القراء؛ ترك الغيبة.
* مُصَنِّفُه: ترك الغيبة، من علو الهمة.
* مُصَنِّفُه: من اغتاب غيره فقد عرض نفسه للغيبة، والوزر، وذلة الاعتذار، وتضييق طريق التوبة على نفسه.(1/371)


(453) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: (( إن اللّه تعالى يبغض أهل بيت اللحم )). أي: الذين يأكلون لحم الناس ويغتابونهم.
* الزهري: ما كرهت أن تواجه أخاك، فهو غيبة.
* وقال أبو تراب: الغيبة فاكهة القراء، وضيافة الفساق، وبساتين الملوك، ومراتع النساء، وإدام كلاب الناس، ومزابل الأتقياء.
* يونس بن عبيد: عرضت على نفسي، الصوم في يوم شديد الحر بالبصرة، وترك ذكر الناس، فكان الصوم أهون عليَّ من ترك ذكرهم.
* وقال، سفيان بن الحسين: كنت جالساً مع إياس بن معاوية. فمر رجل، فنلت منه. فقال: أسكت. ثم قال: يا سفيان، هل غزوت العام الروم؟ قلت: لا. قال: هل غزوت الترك؟ قلت: لا. قال: فسلم منك الروم، وسلم منك الترك، ولم يسلم أخوك المسلم!! فما عدت إلى ذلك بعده.
* حاتم الأصم: ثلاث إذا كنَّ في مجلس، فالرحمة منهم مصروفة: ذكر الدنيا، والضحك، والوقيعة في الناس.
* وعن حاتم: إن الكاذب كلب أهل النار، والحاسد خنزير أهل النار، والمغتاب، والنمام، قردة أهل النار.
أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن عامر، حدَّثنا أبي، حدَّثنا علي بن موسى، عن آبائه، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: من كف عن أعراض المسلمين أقال اللّه عثرته يوم القيامة، إياكم والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.
* مُصَنِّفُه: المؤمن مرآة أخيه، إن عرف فضله أظهره، وإن عرف عيبه ستره، وإليه بصَّره.
* يحيى بن معاذ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال، حتى تكون من المحسنين: إن لَمْ تنفعه فلا تضره، وإن لم تسره فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.
* عن وهب بن منبه: لا يكون الرجل صالحاً حتى يكون علكاً في أفواه الناس.
* ودخل على ابن سيرين نصرانيان، فلما خرجا من عنده، قال: لولا أن تكون غيبة لأخبرت أيهما أطيب.
* وكان ابن مسعود، إذا مر بمجلس من المجالس، قال: توضئوا فإن بعض ما أنتم فيه شر من الحدث.(1/372)


* وعن عبيدة السليماني: أنه كان يمر بمجالس الأنصار، ويقول: جددوا الوضوء، فإن ما تتكلمون به شر من الحدث.
* وجفا رجلٌ رجلاً، فقيل له: لِمَ لا تجيبه؟ فقال: هو عصى اللّه فِيْهِ.
* وعن بشر بن السري، أنه قال: ويحك لو قيل لك: لِمَ تغتاب فلاناً، وتقع فيه؟ قلت: لأنه عدوي وظلمني؟ ويحك، إن كان عدوك كما زعمت فدعه وما جنى على نفسه فالله ناصرك، فلا تخفف عنه، ولا تحمل عنه خطاياه بتوقير ظهرك. ويحك، ما هذا لك بعدو، بل هو أحب الناس إليك. ويحك، تسألك والدتك حسنة فتمنعها وتعطيها أعدائك، ما يفعل هذا عاقل.
ويحك، كان يحق عليك، لو أن إنساناً اغتابه أخذت على فِيْهِ، وقلت: هذا عدوي وظلمني، فلا يصيبنَّ فيك خيراً.
* وذكرت الغيبة عند ابن المبارك، فقال: لو كنت مغتاباً لأحد؛ لاغتبت والدتي، لأنها أحق بحسناتي.
* أبو أمامة الباهلي: إن العبد يعطى كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن عملها. فيقول: يا رب أنى هذا ؟ فيقول جل وعلا: بما اغتابك الناس، وأنت لا تشعر.
* أبو الزاهرية: إنَّ من المروءة ترك الغيبة، ومن اللؤم حب الغيبة.
* وفات شقيقاً وِرْدُهُ من السحر. فقالت له أهله: فاتك القيام الليلة. فقال: إن فاتني ذلك، فقد صار لي ألف من أهل بلخ.
قالت: كيف؟ قال: لأنهم باتوا قياماً، فإذا أصبحوا نالوا مني، وأكلوا لحمي، فيكون في ميزاني؛ صلواتهم؛ وصيامهم.
* وهب بن منبه: قال رجل في بني إسرائيل: اللهم، ليس لي ما أتصدق به، فأيما مسلم أصاب عرضي فهو عليه صدقة. قال: فأوحى اللّه إلى نبي زمانه، أنه قد غفر له.
(454) ونظرت أم الدرداء إلى رجل يغتاب رجلاً، فنهاه آخر. فقالت للناهي: قد غبطتك، سمعت أبا الدرداء، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (( من ردَّ عن عرض أخيه ، رد اللّه عن وجهه لفح النار يوم القيامة )).
(455) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما صام من ظل يأكل لحوم الناس )).(1/373)


باب في وزر النميمة والسعاية
* مجاهد: في قوله تعالى: ?حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ?[المسد:4]: كانت تمشي بالنميمة.
وسميت النميمة حطباً لتولد الآفات والفتن منها، كما تتولد النار عن الحطب وتتوقد.
(456) أخبرنا عبد الرحمن، حدَّثنا أبو بكر: حدَّثنا مكحول، حدَّثنا الحسن بن سهل، حدَّثنا أبو عبيد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن حذيفة، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يدخل الجنة قتات )).
* ووشى واشٍ إلى اسكندر، فقال له: تحب أن نقبل منك ما قلت فيه، على أن نقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا. قال: فكف عن الشر، يكف الشر عنك.
* وروي أن خالد بن صفوان كان يقول: قبول النميمة شر من النميمة، لأن النميمة دلالة، والقبول إجازة، وليس من دلَّ على شيء كمن قبل وأجاز.
* وروي أن ساعياً، سعى برجل إلى الفضل بن سهل فوقع: إن السعاية شر من الساعي، لأنه دال، والقابل مجيزها، فإن كان النمام كاذباً يستحق معاقبته لمبارزته الرحمن، ومتابعة الشيطان، بقول الزور والبهتان، وإن كان صادقاً للزمه في هتك العورة، وإضاعة الحرمة.
* مُصَنِّفُه: ومن أفشى سر غيره، فما يؤمنك أن يفشي سرك إلى غيره، ويهتك عورتك؛ كما هتك عورة غيرك بين يديك، فباعده تأمن شره.
* مُصَنِّفُه: وهل العجب!! إلا من امرئ يضيق ذرعاً بضبط سره، حتى يضعه عند غيره ثم يروم منه كتمانه وهو لم يكتمه وبه أخص وعلى نفسه أشفق، وكيف بغيره؟
* وروى يعقوب بن داود، أنه كان على باب الملقب بالمهدي فوافى في يوم واحد ثمانون قصة كلها سعاية، منها ستون من أهل البصرة، وعشرون لسائر البلاد، فلو عمل بها هلك الناس أجمع.(1/374)


* ودخل رجل على عبد الملك بن مروان، فقال: هل من خلوة يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فتفرق عنه القوم، فخلي به فأقبل يتهيأ للكلام. فقال له عبدالملك: اسمع إليَّ، لا تمدحني في وجهي، فأنا أعرف بنفسي منك، ولا تكذبني، فإنه ليس للكذوب رأي، ولا تَسْعَيَنَّ بأحد إليَّ. فقال الرجل: انصرف يا أمير المؤمنين؟! قال: إن شئت، فقام ومضى.
* كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يستسقون فلم يُسقوا. فقال: إلهي، عبادك، فأوحى اللّه إليه لا أستجيب لك ولمن معك، لأن فيكم رجلاً نماماً، قد أصر على النميمة. فقال: يا رب، من هو حتى نخرجه من بيننا. فقال: يا موسى، أنهاكم عن النميمة فأكون نماماً. فقال: فتابوا بأجمعهم فَسُقُوا.
* ابن السماك: يدرك النَّمام في نميمته، ما لا يدرك الساحر في سحره.
* وذكر رجل عند شداد بن حكيم أخاً له، وأبلغه مكروهاً. فقال: يا هذا، إنا نظرنا في محاسنه إلينا، فإذا هي أكثر من مساوئه، فأخذنا بمحاسنه، وتجافينا عن مساوئه، وكذلك يفعل السيد بالعبد، فكيف العبد بالعبد.
* ولبعضهم: من أراد أن يسلم من الإثم في هذا الزمان وتبقى له الإخوان، فليجعل نفسه قاضياً، ويحكم حكم القضاة، ولا يقبل قول أحد في أحد إلا بشهود وتعديل، فإنا قد أحببنا بقول أقوام، وأبغضنا بقول أقوام، فأصبحنا على ما فعلنا نادمين.
* الفضيل بن عياض: ثلاث يهْدِمن العمل الصالح، ويفطرنَ الصائم، وتنقضنَ الوضوء: الغيبة، والنميمة، والكذب.
* وعن أبي موسى الأشعري: لا يسعى على الناس إلاَّ ولد بغيٍ، أو فيه عرق منه.
* كعب الأحبار: أعظم الناس خطيئة عند اللّه المثلث. قيل: ومن المثلث؟ قال: الذي يسعى بأخيه فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك سلطانه.
* الحسن: من نقل حديث غيرك إليك، فإنه ينقل حديثك إلى غيرك.
* وهب بن منبه: من مدحك بما ليس فيك، فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك.
* محمد بن السماك: لا تخف ممن تحذر، ولكن أحذر ممَّن تأمن.(1/375)

75 / 101
ع
En
A+
A-