* عن داود بن أبي هند، عن الشعبي أنه كان يقول: أحبب آل محمد؛ ولا تكن رافضياً، واثبت وعيد الله؛ ولا تكن مرجئاً، ولا تكفِّر الناس؛ فتكون خارجياً، والزم الحسنة ربك، والسيئة نفسك؛ ولا تكن قدرياً.
* يحيى بن معاذ: إذا قرأ: ?فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى?[طه:44].
قال: إِلهي، رفقك بمن قال: أنا إله. فكيف بمن يقول: لا إله إلا أنت؟
* صالح، عن ابن الخليل، في قوله: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ?[فاطر:28].
قال: أعلمهم به، أشدهم له خشية.
(433) أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر، أخبرنا مكحول، أخبرنا أحمد بن محمد بن عاصم الرازي، أخبرنا أبو عبد الله بن بكر البيهقي الذهلي، عن فائد بن الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( والذي نفسي بيده لَ اللهُ أرحم بعبده من الوالدة الشفيقة بولدها )).
(434) سأل هشام بن عبدالملك الزهري. قال: حدَّثنا بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: (( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق ))؟
قال الزهري: أين يذهب بك يا أمير المؤمنين، كان هذا قبل الأمر والنهي.
* قال الجاحظ: قال المأمون: الإرجاء، دين الملوك.
* معمر، عن قتادة: في قوله تعالى: ?قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ?..الآية[الزمر: 53].
قال: أصاب قوم من الشرك ذنوباً عظاماً، فكانوا يخافون أن لا يغفر لهم، فدعاهم الله تعالى بهذه الآية إلى التوبة.(1/361)
باب في البكاء من خوف اللّه عز وجل
* قال اللّه تعالى: ?وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ?..الآية[الأسراء:109].
(435) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم، ارزقني عينين هطالتين تبكيان من خشيتك، قبل أن تكون الدموع دماً، والأضراس جمراً )).
(436) أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر، أخبرنا مكحول، حدَّثنا علي بن جرير، أخبرنا علي بن الحسن السعيري، عن مالك بن سليمان، عن إبراهيم بن طهمان، والهياج بن بسطام، عن أبان، عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ثلاثة أعين؛ لا تمسها النار : عين فقئت في سبيل الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله، وعين دمعت من خشية اللّه )).
* وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، في سيماء شيعته: صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من البكاء.
*وعن نوف: أن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان في الكوفة في مسجدها ليلاً يتهجد، ويرمي بطرفه إلى السماء؛ ويبكي.
* وعن جعفر بن محمد عليه السلام: سأله سائل: كم أبكي؟
قال: لا تمل، فإن القطرة تطفئ غضب الرب.
* وعن زين العابدين: أنه لم يكن يقدم إليه طعاماً إلا بكى. فقال له غلامه: يا سيدي أخشى أن تكون في الهالكين. قال: ما تذكرت مصرع بني فاطمة، إلاَّ خنقتني العبرة.
* ويروى أنه بكى علي بن الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة، فقيل له في ذلك.
فقال: ?إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ?[يوسف:86].
* وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: البكاؤون: آدم على خطيئته، ويعقوب على يوسف، ويوسف على يعقوب عليهم السلام، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فأما آدم: فبكى على الجنة، حتى صار في خديه أمثال الأودية.(1/362)
وأما يعقوب: فبكى على يوسف، حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: ?تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ? [يوسف: 85]. وأما يوسف: فبكى على يعقوب، حتى تأذى به أهل السجن.
وقالوا: إما أن تبكي النهار، وتسكت بالليل، وإما أن تبكي بالليل، وتسكت بالنهار. فصالحهم على واحد منهما.
وأما فاطمة: فبكت على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، حتى تأذى بها أهل المدينة.
فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء، فتبكي حتى تقضي حاجتها، ثم تنصرف. وهي القائلة:
صُبَّت عليَّ مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا
رواه زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام.
* وقرأت: أن يحيى بن زكريا، بكى حتى أكلت دموعه مجاري خدوده، فجعلت والدته قطعة صوف عليها، متى ما ابتلت أخذها يحيى عليه السلام وعصرها، فتقاطر دموعه عنها، فإذا نظر إليها، يقول: اللهم هذه دموعي، وهذه أمي، وأنت الرحمن!!
* وروي أن المسيح عليه السلام مر بقوم يبكون. فقال: لِمَ تبكون؟ فقيل: من ذنوبهم؟ فقال: دعهم يبكون.
* الحسن: ما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه؛ إلاَّ حرم اللّه خده على النار، فإن فاضت على خدها؛ لم يرهق وجهه قترٌ ولا ذلة، وليس من عمل إلاَّ وله وزن وثواب، إلاَّ الدمعة فإنها تطفي بحوراً من النار، ولو أن رجلاً بكى من خشية اللّه في أمة من الأمم لرجوت أن يرحم اللّه ببكاء ذلك الرجل تلك الأمة.
* وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: إن اللّه تعالى قال فيما ناجى به موسى بن عمران: ما تزين المتزينون بمثل الزهد في الدنيا، ولا تقرب لي المتقربون بمثل الورع من محارمي، ولا تعبد إليَّ المتعبدون بمثل البكاء من عذابي. فقال: يا رب بما تجازيهم؟
فقال: أما المتعبدون بالبكاء خشية من عذابي، فأفتش على الناس كلهم يوم القيامة، ولا أفتش عليهم استحياء منهم.(1/363)
* قيل لغالب بن عبد الله: أما تخاف على عينيك العمى من طول البكاء؟ فقال: هو لهما شهادة.
* وكان وجه محمد بن واسع، كوجه الثكلى من البكاء.
* مسروق الأجدع: قام تميم الداراني ليلة حتى أصبح، يقرأ آية من كتاب اللّه، ويبكي?أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ?[الجاثية:21].
* وقال الطبيب، لثابت البناني: إن ضمنت لي ترك ثلاث ضمنت لك برؤ عينيك: إكثار البكاء، وإدمان الصوم، وتطويل السجود. قال ثابت: وأي خير في الحياة بعد هذا؟
* وكان زبيد اليامي يبكي في كل يوم، فقال غلامه: إن كان هذا دأبك
لأوشك أن أقودك أعمى.
* وحكي: أن زيد ابن علي عليه السلام إذا قرأ أو قرئ عليه آية وعيد، بكى حتى يخرَّ مغشياً عليه.
* وقيل لمالك بن دينار: ألا تجيء بقارئ يقرأ عليك؟ قال: إنَّ البَكّاء لا يحتاج إلى النائحة.
* وكان الضحاك يبكي كل عشية، ويقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي.
* ابن شوذب: سُرِقَ مصحف لمالك بن دينار، وكان إذا وعظ أصحابه فرآهم يبكون. قال: كلنا يبكي، فالمصحف من سرقه؟
* وهب بن منبه: فقد زكريا ابنه يحيى عليه السلام، فوجده بعد ثلاثة أيام؛ مضطجعاً على قبر يبكي. فقال: يا بني، ما هذا؟
قال: أخبرتني أن جبريل عليه السلام، أخبرك: أنَّ بين الجنة والنار مفازةً من نار، لا يطفي حرها إلا الدموع. قال: إبك يا بني.
* مسلمة بن عبد الملك: بكى عمر بن عبد العزيز، وبكت فاطمة، وبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما بكاء هؤلاء؟ فلما انجلت عنهم العبرة وانحسرت. قلت: يا أمير المؤمنين لِمَ بكيت؟
قال: ذكرت منصرف القوم بين يدي اللّه، ?فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ? [الشورى:7]. ثم صرخ وغشي عليه.
* عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من الدموع.(1/364)
* عباد بن كثير: سألت سميط بن عجلان، فقلت: هل يبكي المنافق؟ قال: أما من رأسه فنعم، وأما من قلبه فلا.
* منصور بن عمار: تكلمت بين يدي الفضيل، وابن عيينة، فجعل فضيل يبكي، وجعل ابن عيينة يردد الدموع في عينيه. فقلت: يا محمد، ألا تهمله؟ فقال: هذا أبقى للكمد يرحمك الله.
* وقال الفضيل، وهو يعظ شعيب بن حرب حتى أبكى: حق لك البكاء، والله لو بكى لك أهل الأرض، وبكى لك أهل السماء، لكان ما طلبوا أعظم من بكائهم، فكيف وأنت واحد مع ضعفك.
* الثوري: حضر رجل مجلس صلة بن أشيم، وحضرهم البكاء فبكوا، فتمنى الرجل في نفسه أن بعض إخوانه رآه في تلك الحالة، فرآى في منامه.
فقيل له: خذ أجرك ممن أحببت أن يراك.
* مُصَنِّفُه: بكاء المؤمن شفاء، وبكاء المنافق شقاء.
* وكان كعب الأحبار، يقول: والذي نفسي بيده، لأن أبكي من خشية اللّه حتى تسيل دموعي على وجنتي، أحب إليَّ من أن أتصدق بجبل ذهب.
* قال در بن عمر بن در، لأبيه: ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكون أحداً، فإذا تكلمت سمعت البكاء من هاهنا وهاهنا؟
فقال: يا بني، ليست النائحة المستأجرة، كالنائحة الثكلى.(1/365)