* ميمون بن مهران: لما خلق اللّه جهنم أمرها فزفرت زفرة فلم يبق في السموات السبع ملك إلا خرَّ لوجهه. فقال الجبار: ارفعوا رؤوسكم أما علمتم أني خلقتكم لعبادتي وطاعتي؟ وخلقت جهنم لأهل معصيتي من خلقي؟
فقالوا: ربنا لا نأمنها حتى نرى أهلها يدخلونها. فذلك قوله: ?إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ?[المؤمنون: 57].
* وهب بن منبه: كان داود عليه السلام يقول: إلهي لا صبر لي على حرّ شمسك؛ فكيف على حرّ نارك، ولا صبر لي على صوت رحمتك؛ فكيف على صوت عذابك.
* محمد بن المنكدر: لما خلقت النار فزعت الملائكة، وطارت أفئدتها فلما خلق آدم عليه السلام سكن عنهم ما كانوا يحذرون.
* يونس بن عبيد: قرأ هذه الآية: ?يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ?[القمر:48].
فقال: والله لو أن على الحرير يسحبون لكان شديداً.
* وبلغ مالك بن دينار، عن قوم على طعام تذاكروا النار. فقال: عجباً لقوم ساغ لهم الطعام والشراب مع ذكر جهنم.
* يزيد الرقاشي: ذكر النار شديدٌ، فكيف النظر إليها عياناً؟ والنظر إليها عياناً شديدٌ، فكيف الوقوع فيها والوقوع فيها شديد، فكيف الخلود فيها.
* وعن بعضهم: لو أن رجلاً دخل النار خرج منها لمات أهل الأرض لما يرون به.
* مالك بن دينار: خرج إلى صحن الدار ويريد أن يبول، فبقي شاخصاً حتى أصبح. فقال له أصحابه: في ذلك؟
فقال: إني كنت في صحن الدار إذ خطر على قلبي أهل النار فلم يزالوا يعرضون عليَّ في سلاسلهم وقيودهم حتى أصبحت.
* يحيى بن معاذ: ويح نفسي ما أجهلها، وثقت بدار ما أغفلها. ساعات العذاب أطولها.
* وقيل للأحنف بن قيس: إنك شيخ، وإن الصيام يضعفك. قال: إني أعده لشر طويل، والصبر على طاعة اللّه، أهون من الصبر على عذابه.
* خنساء: كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكي له الآن من النار.(1/346)
* يحيى بن معاذ: إلهي جرمي عظيم، وقيدي وثيق، وحبسي حصين، وحراسي أيقاظ شداد غلاظ، وقد أبطأ خروج التوقيع لا أترك فأصيح، ولا أذبح فأستريح، ليت النار لم تخلق، وياليتها إذ خلقت لم أخلق.
* وقيل: الويل: وادي في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لضاعت.
* وعن طلحة بن مصرف: دعت رجلاً نفسه إلى معصية، فانطلق ونزع ثيابه، وجعل يتمرغ في الرمضاء، ويقول لنفسه: ذق فنار جهنم أشد حراً من هذا يا جيفة بالليل بطالة بالنهار.
* أبو سعيد الخدري: كلما ذكر اللّه في كتابه من صفة جهنم وما جاءت به الأحاديث فهو جزء من مائة وتسعين جزءاً ممَّا يعلم في نفسه.
* وقيل ليزيد بن مرثد: ما لعينك لا تجف؟ وما بغيتك فيه؟ قال: عسى اللّه أن ينفعني.
قال: لو أن اللّه تعالى وعدني بأن عصيتني، في الحمام سجنتك لكان حرياًّ به فكيف إذا سجنني في النار.
* مُصَنِّفُه: يا ابن آدم، تأمل قلقك في بلاء الدنيا، إذا مسَّك وجزعك مع ما فيه من روح، وكيف أنت ببلاء النيران ولا روح فيها يوجد.(1/347)
باب في الضحك والسرور
* قال اللّه تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ?[القصص:76].
(403) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر، أخبرنا مكحول، أخبرنا عبد الله، حدَّثنا إبراهيم بن زياد، عن عباد بن عباد، عن محمد بن عمرو، عن أبي أسامة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )).
* سلمان: عجبت لضاحك ملء فِيْهِ ولا يدري ربه ساخط عليه أم راضٍ!!
* وعن عبد الله بن مسعود: عجبت لمن ضحك ومن ورائه النار، ومسرور ومن ورائه الموت!!
* عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: كم أضحك؟ قال: قدر التبسم. وكم أبكي على الذنوب؟ قال: لا تمل فإن القطرة تطفي غضب الرب.
* مرت معاذة العدوية على شبان يضحكون، وعليهم ثياب الصوف.
فقالت: سبحان اللّه، لبس الناسكين، وضحك الغافلين!!
* لبعض الحكماء: ولدت وأنت تبكي؛ والناس يضحكون، فاجتهد أن تموت ضاحكاً، والناس يبكون.
* ومرَّ أمير المؤمنين عليه السلام على غلمان يلعبون، فقال: ما قرَّت عيني منذ فارقتكم.
* ابن عباس: من أذنب ذنباً وهو يضحك دخل النار وهو يبكي.
* بشر بن الحارث: لا تغتم إلا بما يضرك غداً، ولا تفرح إلا بما ينفعك غداً.
* مُصَنِّفُه: فكيف يفرح المؤمن في هذه الدنيا، إن عصى خاف المؤاخذة بها، وإن أطاع خاف أن لا تقبل منه وتنحبط عليه بالكبير فيخسر فهو في الأحزان إلى أن يعبر جسر النار فيلقى فرحاً لا ترح بعده.
* ثابت البناني: ضحك المؤمن غفلة.
(404) عائشة: ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته.(1/348)
* وهيب ابن الورد: الضحك الذي لا إسراف فيه ما تكشر به السن ولا يسمع به الصوت، وأما البناء الذي لا إسراف فيه فهو ما ستر الشمس، وأكن من المطر، وأما اللباس الذي لا أسراف فيه فهو ما وآرى العورة، وأدفأ من البرد، وأما الطعام الذي لا أسراف فيه فهو ما سدَّ الجوع، وكان دون الشبع.
* عن إبراهيم بن الأشعث: رآني الفضيل يوماً، وأنا أضحك ضحكاً شديداً. فقال: يا إبراهيم أحدثك حديثاً حسنا؟ فقلت: بلى رضي اللّه عنك. قال: لا تفرح. ?إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ?[القصص: 76].
* عامر بن عبد قيس: أكثر الناس ضحكاً في الدنيا، أكثرهم بكاء في النار، وأكثرهم بكاء في الدنيا، أكثرهم ضحكاً في الجنة.
* أبو مسهر: ما رأيت سعيد بن عبد العزيز ضحك في الدنيا قط.
* أنس بن مالك: مع كل ضحاك في المجلس شيطان.
* مُصَنِّفُه: المسرة والضحك لا يتكامل في الدنيا إلا لغافل عن الموت والآخرة، وأما من استقر في قلبه خوف الموت والآخرة، تكدرت الدنيا عليه فلا يبقى له سرور، ولا ضحك لشيء في الدنيا.
* يحيى بن معاذ: أطلب فرحاً لا حزن فيه، بحزن لا فرح فيه.
* وكان عبد الله بن ثعلبة الحنفي، يقول: يضحك ولعل أكفانه قد خرجت من عند القصار.
* الفضيل: ليس في النفس التي لا يميتها حر النهار، وقرَّ الليل خير، وإن البدن الصحيح، والقلب الفارح، من حقه أن يشد في أخيه الحمار.
* ومرَّ الحسن بشاب يضحك. فقال له: يافتى، هل مررت بالصراط؟ قال: لا. قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا. قال: ففيم الضحك؟ فما رؤي الفتى بعدها ضاحكاً.
* الأوزاعي: في قوله تعالى: ?لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ?[الكهف: 49].
قال: الصغيرة: التبسم. والكبيرة: القهقهة.
* عون بن أبي رزين: لم يضحك عطاء السلمي أربعين سنة.
*وحكي أن زين العابدين علي بن الحسين ما رُئي ضاحكاً بعد الوقعة-يعني كربلاء-.(1/349)
* يحيى بن معاذ: دنياك دار الشدة والحزن، قد صرخت في أول يوم سقطت من بطن أمك، وبكيت ولم تضحك إلا بعد أيام.
* مُصَنِّفُه: من عاقبته الموت، وغايته قصة الفوت حق له ترك الضحك والمسرة، فإن الأمور بخواتيمها، وانحسار عواقبها، لا عند ابتدائها، وذلك حين الميزان وامتياز أهل الجنان من أهل النيران، فإن سعدت عنده فأنت من المسرورين، وإلاَّ فأنَّى لا أبا لك السرور.
* وقيل لبعض الحكماء: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والدنيا غمي، والآخرة همي.
* وحكى ابن أبي رواد: أن المزاح ظهر في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل اللّه تعالى: ?أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ?[الحديد:16].
* قال تعالى: ?أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ، وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ?[النجم:5961]. قيل: لآهون.
ومدح آخرين بالبكاء. فقال: ?وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا?[الإسراء:109].(1/350)