(316) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدثنا أحمد بن إسحاق التمار، حدثنا خداش، حدثني جدي خداش، عن أنس قال: جاء رجل، فقال: يا نبي اللّه، علمني من غرائب العلم؟
قال: (( أعلمك رأس العلم خير لك : تعرف اللّه حق معرفته، وتستعد للموت قبل نزوله )). فقال: زدني. قال: (( حسبك إن عرفت اللّه حق معرفته لم تعصه )).
* محمد بن سعيد: وجدت تحت مضجع حكيم رقعة فيها: بسم اللّه الرحمن الرحيم. وهبتم همومكم للدنيا، وتناسيتم حلول المنايا، لينزلن بكم من الموت يوم مظلم، ينسيكم طول معاش أهل النعمة، وتندمون حيث لا تنفع الندامة، فالجِدّ الجد، والحذر الحذر قبل بغتات المنايا، ومجاورة أهل البلا.
* مرَّ بعضهم بقبر على جانبه مكتوب:
أذن حي تسمعي .... ثم عي ثم عي وعي
أنا رهن بمصرعي .... فاحذري مثل مصرعي
عشت سبعين حجة .... أسلمتني لمضجعي
[كم ترى الحق ثابتاً .... في ديار التزعزع]
ليس زاد سوى التقى .... فخذي منه أو دعي
قال: ثم درت من الجانب الآخر فإذا عليه:
إذا ما كنت متخذاً وصياً .... فكن فيما ملكت وصي نفسك
ستحصد ما زرعت غداً وتجني .... إذا وضع الحساب ثمار غرسك
فسألت عن القبر؟ فقيل: قبر أبي العتاهية.(1/311)


باب في الوصية
(317) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا محمد بن أبي يوسف المكي، حدثنا خالد بن زياد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما حق امرئ مسلم له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )).
(318) أنس، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فجاء رجل فقال: يا نبي اللّه، مات فلان. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أليس كان عندنا آنفاً ))؟ قالوا: نعم. فقال: (( كأنها أخذة على غضب )). أو قال: (( على أسف )). ثم قال: (( المحروم من حرم وصيته )).
* فضيل بن عياض: لا تجعل الرجال أوصيائك. كيف تلومهم ان ضيعوا وصيتك؟ وقد ضيعتها في حياتك، وأنت بعد هذا تصير إلى بيت الوحشة، وبيت الظُّلمَةِ، وبيت الدود، ويكون زائرك فيها منكر ونكير، ثم قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، ثم بكى، وقال: أعاذنا اللّه وإياك من النار.
* مُصَنِّفُه: الوصية آخر ما يتدارك الإنسان بها جريرته، ويخفف عن ظهره موبقته، ويتنظف بها عن دنس الخطايا، ويتخفض!!! له ما بعد المنايا. فحق على العاقل تحصيلها ، وليس ما وراءها إلاَّ الجنة أو النار.
* مُصَنِّفُه: الموصي في مرضه على عقبة مهبطها إلى نار أو جنة، فإن تلافى بوصية فاز وإلا بار.
* لبعضهم:
وقدم ما ملكت وأنت حيٌ أمينٌ فيه متبعٌ مطاعُ
* مُصَنِّفُه: الوصية آخر جبر الكسير، وتيسير العسير.(1/312)


باب التوبة والإستغفار
* قال اللّه تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ?[الشورى:25].
* وقال [تعالى]: ?غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ?..الآية[غافر: 3].
* وقال [تعالى]: ?الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ,يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ?[غافر: 7].
* وقال [تعالى]: ?وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ ?..الآية[طه: 82].
* وقال تعالى: ?فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ?[المائده: 39].
* وقال تعالى: ?إلاَّ لَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ?[البقرة:160].
* وقال تعالى: ?ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا [مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا].. ?[النحل: 119].
* وقال تعالى: ?وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ?[الأعراف: 153].
* وقال تعالى: ?إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا?[النساء:17].(1/313)


(319) أخبرني أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدثنا محمد بن سهل بن حمويه المروزي، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي، حدثنا يوسف بن عدي، حدثنا الوليد بن بكير الكوفي، عن عبد الله بن محمد العدوي، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر، قال: خطبنا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة.
فقال: (( أيها الناس، توبوا إلى اللّه قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصِلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة في السر والعلن تُرزقوا، وتُجبروا، وتُنصروا )).
(320) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا مكحول بن الفضل، حدثنا أبو سعيد المستملي، حدثنا معاذ بن عيسى المصري، عن بقية بن الوليد، عن الربيع بن أبي يحيى، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ألا أنبئكم بدائكم من دواءكم ))؟
قلنا: بلى يا رسول اللّه. قال: (( فإن داءكم الذنوب، ودواءكم الإستغفار )).
(321) ابن عمر: كنا لنعد لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: اغفر لي وتب عليَّ إنَّك أنت التواب الرحيم.
(322) عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( التوبة مقبولة مالم تطلع الشمس من مغربها )).
* مُصَنِّفُه: لأن ذلك من أشراط الساعة، وعندها يزول التكليف، ولا توبة بعد زوال التكليف، وحصول الإلجاء.
* وعن ابن عباس: ?وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ?[سبأ: 52]: التوبة، وليس بحين التوبة.
(323) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( التوبة مبسوطة، مالم ينزل سلطان الموت )).
* أمير المؤمنين علي عليه السلام: العجب ممن يقنط ومعه النجاة.
قيل: وما النجاة؟ قال: الإستغفار.(1/314)


* وسئل بعض الحكماء عن أحلى شيء؟ فقال: النصرة على العدو بعد الهزيمة، والإستغفار بعد الحاجة، والعظة في المجالس للتائب، والغلبة للمتكلم.
(324) عن أنس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أذنبت ذنباً.
قال: (( استغفر ربك )). قال: إني أتوب ثم أعود. قال: (( كلما أذنبت فتب واستغفر اللّه )). قال: إني استغفر ثم أعود. قال: (( فإذا عدت فعد واستغفر، حتى يكون الشيطان هو الحسير )).
(325) عائشة: جاء حبيب بن الحارث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إني رجل مقراف للذنوب. قال: (( فتب إلى اللّه يا حبيب )). قال: يا نبي اللّه، إني أتوب ثم أعود. قال: (( كلما أذنبت فتب )). قال: يا نبي اللّه، إذا تكثر ذنوبي. قال: (( عفو اللّه أكثر من ذنوبك يا حبيب )).
* جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام. فقال: يا أمير المؤمنين، عظني.
قال: يا فلان، لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، وتؤخر التوبة لطول الأمل، تقول في الدنيا قول الزاهدين، وتعمل عمل الراغبين.
* الحسن: يا ابن آدم: لا تتمنى المغفرة بغير التوبة، ولا الثواب بغير العمل، ولا تغتر بالله، فإن الغرة بالله أن تتمادى في سخطه، وتترك العمل فيما يرضيه، وتتمنى عليه مع ذلك مغفرة، فتغرك الأماني حتى يحل بك أمره، أما سمعته يقول: ?وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ?[الحديد: 14].
يا ابن آدم: اعلم أن مغفرة اللّه لمن أطاعه، واجتنب سخطه، وتاب عليه من الخطايا، أما سمعته، يقول: ?وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ?[طه: 82]. اهتدى والله السبيل الأوفق، وأتبع آثار المسلمين، وسلك سبيل الصالحين.
عن ابن عيينه، قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا خير في الدنيا؛ إلاَّ لأحد رجلين: محسن يزداد إحساناً، ومسيء يتداركه بالتوبة.(1/315)

63 / 101
ع
En
A+
A-