قال: خرجت إلى الدنيا وأنا راغم، وعشت بها وأنا ظالم، وأخرج منها وأنا نادم.
فقال يحيى: إني لا أقول ما قلت، ولكني أقول: دخلت الدنيا بقضاء وقدر، وعشت فيها بغرور وخطر، وأخرج منها إلى جنان أو سقر.
* قيل لشعيب بن حرب في مرضه: كيف تجد نفسك؟ قال: أما ما أنا فيه من الشِّدَِة قليل عندما أخاف على نفسي في الآخرة، وأما ما فاتني من راحة الدنيا قليل عندما أرجو من راحة الآخرة، ولا خير في لذة بعدها النار، والحرب.
* ودخل بعضهم على رجل وهو مريض، فقيل له: كيف تجدك في مرضك؟
فقال: ما أوشك أن يأتيني من يوم أنا إلى هذا المرض فقير محتاج.
* أبو حرة: أتينا بكر بن عبد الله نعوده فوافقناه وقد قام إلى مخرج له. فانتظرناه فأقبل إلينا يتهادى بين رجلين فسلم علينا.
فقال: رحم اللّه عبداً أُعْطى قوة فعمل بها في طاعة الله، أو قصر به في ضعف، فكف عن محارم الله.
* ودخل بقار لطلحة، والي بلخ وخراسان؛ وهو مريض، فقال له: من أنت؟
قال: أنا بقارك.
فقال له طلحة: ليتني كنت بقار بقارك.
* أبو إسحاق السبيعي: مرض رجل من عبد قيس، فقال له عواده: أوصِنَا. فقال: أنذركم سوف.
* ودخل الحسن على عطاء السلمي؛ وهو مريض قد علاه الغبار، فقال له: يا عطاء لو خرجت إلى صحن الدار كان يضربك برد الهواء.
فقال: يا أبا سعيد أبهذا تأمرني؟ والله إني لأستحي من اللّه أن أخطو خطوة في راحة بدني.(1/306)


باب الموت وسكراته
* قال اللّه تعالى: ?نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ?.. الآية[الواقعة:60].
* ضحاك: أي سوينا بين أهل السماء والأرض والشريف والوضيع.
* وقال تعالى: ?وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ?[إبراهيم: 17].
* النخعي: أي من أطراف كل شعره.
* وقال تعالى: ?كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ?[الرحمن: 26].
* وقال تعالى: ?وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ?[ق:19].
(310) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد، أخبرنا مكحول، حدثنا أبو صالح، أخبرنا أحمد بن حرب، عن القاسم بن الحكم، عن عبيد الله الوصافي، عن أبي سعيد الخدري قال: رأى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قوماً يتكثرون.
فقال: (( أما إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى أكثروا ذكر هادم اللذات، الموت )).
ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنَّما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار )).
* وحكي: أنه لما أتى يعقوب عليه السلام البشير، قال له: ما أدري ما أجزيك إلاَّ أنه هوَّن اللّه عليك سكرات الموت.
* وقال، رجل لعامر بن عبد قيس: أوصني.
قال: احذر سقطتك بين يدي أهلك للموت، لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً.
* سلمان الفارسي: ارقبوا الميت عند ثلاث: إذا رشح جبينه، وذرفت عيناه وانتشر، فهو من رحمة اللّه قد نزلت به، وإذا غط غطيط المخنوق، وخمد لونه، وأزبد شفتاه، فهو من عذاب اللّه قد نزل به.
* داود الطائي: ذهب الموت بكل حزن وفرح، ومن استشعر بذكر الموت في ليله ونهاره، بغض إليه كل فانٍ، وحبب إليه كل باقٍ.
* شقيق: وافقني الناس في أربعة، قولاً لا فعلاً.
قالوا: إنا عبيد لرب واحد، ويعملون عمل الأحرار.
وقالوا: إن اللّه تكفل بأرزاقنا، ولا تطمئن قلوبهم إلا بالمشي.(1/307)


وقالوا: إن الآخرة خير من الأولى، وهم يجمعون المال للدنيا والذنوب للآخرة.
وقالوا: لا بد من الموت، ويعملون أعمال قوم لا يموتون.
* لبعض الحكماء: كم من إنسان يرحم غيره، وهو أحق بالرحمة منه، وكم من ميت يبكي عليه الحي، والحيى أحق بالبكاء منه.
* حاتم الأصم: أربعة لا يعرف قدرها إلا أربعة: قدر الشباب؛ لا يعرفه إلاَّ الشيوخ، ولا قدر العافية؛ إلاَّ أهل البلاء، ولا قدر الصحة؛ إلاَّ المرضى، ولا قدر الحياة؛ إلاَّ الموتى.
* المدائني: أذكر مع كل نعمة زوالها، ومع كل بلية كشفها، فإن ذلك أبقى للنعمة، وأسلم من البطر، وأقرب إلى الفرج.
* بزرجمهر: ثلاثة ليس للعاقل أن ينساهنَّ: فناء الدنيا، وتصريف أحوالها، والآفات التي لا أمان منها.
* مُصَنِّفُه: بل زاده الذي لمعاده عتاده.
* سمع يحيى بن معاذ نائحة في دار رجل من الأغنياء، فقال: يا ويح المغترين بالدنيا، إلى متى يسمعون صيحة الآخرة في ديارهم فلا ينتهون.
* لبعض الحكماء: من لم يكن للصمت مغتنماً، فإذا نطق بلهو وغفلة، ولم يكن عن الخالية من الذنوب، نادماً لا يقدر على أن يخلع من الباقية، ومن لم يرَ ملك الموت خلف فنائه، لا يقدر على الإستعداد للموت، ومن لم ير اللّه مطلع السرائر، لا يقدر على أن يرضيه.
* يحيى بن الحسين: لكل شيء أصل وفرع، و[إن] أصل الطاعات ذكر الموت، والطاعات فروعها، وإن أصل المعاصي نسيان الموت، والمعاصي فروعها، وهذان أصلان أصليا من مضى من الجنة والنار، ويصليان من بقي، ومن قصر أمله تفصل له كل شيء.
* وقال عبد الرحمن بن يزيد لصديق له: يا فلان، هل أنت على حال ترضاها للموت؟ قال: لا. قال: فهل عزمت على التحول من حالك هذا إلى حال ترضاها للموت؟ قال: لا. قال: فهل تدري متى الموت نازل بك؟ قال: لا. قال: فهل بعد الموت دار مستعتب؟ قال: لا. قال: ما رأيت مثل هذه الخصال رضي بها عاقل.(1/308)


* جعفر بن محمد الصادق عليه السلام. قال: شكى إليه رجل نفسه، وتفريطها. فقال: أخرج عن ملكه فاعمل ما شئت. قال: لا أقدر. قال: لا تأكل نعمته واعمل ما شئت. قال: لا أقدر، قال: إذا حوسبت فامتنع عليه، قال: لا أقدر. قال: عجباً لمن يعلم ذلك ثم يعصيه!!
* وهيب بن الورد المكي: إن العبد لا يخرج من الدنيا حتى ينظر إلى الملكين الذين كانا يحفظانه، فإذا رأهما لا يرجع إلى الدنيا. فإن كان صحبهما بما لله فيه الرضى.
قالا له: جزاك اللّه من صاحبٍ خيراً لنا ، فنعم الصاحب كنت، رب مجلس خير قد أحضرتنا فنحن لك اليوم على ما تحب.
وإن صحبهما بما لم يكن له فيه رضاً.
قالا: لا جزاك اللّه من صاحبٍ خيراً لنا، فرب مجلس سوء قد أحضرتنا، فنحن لك اليوم على ما تكره.
* مُصَنِّفُه:من استكثر [ذكر] الموت أكرم بتخفيف التكلف عليه واستحقار زهرة الحياة الدنيا، وأوتي تعجيل التوبة، ونشاط العبادة، وقناعة النفس، فإن كان رغد العيش ضيقه عليه، وإن كان ضيق العيش وسعه عليه، ومن غفل عن الموت سوَّف التوبة وتباطأ في العبادة، وترك الرضى بالكفاف.
* ولما طعن عمر بن الخطاب، قال قائل: إني أرجو أن لا تمس جلدك النار.
فنظر إليه عمر، فقال: إنَّ علمك بذلك لقليل، لو أنَّ لي ما في الأرض لافتديت به من هول المطلع.
* الحسن: إن الموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب بها فرحاً.
* ربيع بن راشد: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لخشيت أن يفسد قلبي.
(311) ابن الهاد: لقي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم رجل، يشكوا جاراً له. فقال له: ((اصبر على أذاه واكفف )).
ثم أتاه بعد ذلك يشكو. فقال له: مثل ذلك.
ثم أتاه، فقال: يا رسول اللّه، إن الذي كنت أشكوه [إليك] هلك. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( كفى بالموت واعظاً، وكفى بالموت مفرقا )).
* لبعضهم:
حسب الخليلين أن الأرض بينهما هذا عليها، وهذا تحتها بالي(1/309)


(312) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( وما الموت فيما بعده إلا كعفطفة عنز )).
(313) وقيل: يا رسول اللّه ما أعظم كبر فلان.قال: ((أليس الموت بعده ))؟ .
* عبد الواحد بن زيد: دخلنا على عطاء السلمي فأغمي عليه. ثم أفاق فرفع أصحابه أيديهم يدعون. فنظر إليَّ ثم قال: يا أبا عبيدة مرهم فليمسكوا عني، فوالله لوددت أن روحي تردد بين لهاتي وحنجرتي إلى يوم القيامة، [أحبّ إليَّ] مما أهجم عليه بعد الموت.
* ولما مات موسى بن عمران عليه السلام جالت الملائكة في السموات بعضها إلى بعض واضعي أيديهم على خدودهم ينادون: مات موسى كليم اللّه، فأي الخلق لا يموت.
(314) عائشة قالت: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الموت، وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ويمسح وجهه في الماء، ثم يقول: ((اللهم، أعنِّي على سكرات الموت )).
* قال عيسى بن مريم للحواريين: ادعوا اللّه أن يهون عليَّ سكرات الموت، [فإني قد خفت الله] خوفاً أقامني على الموت.
* الحسن: ما رأيت عاقلاً قط إلاَّ أصبتهُ حذراً من الموت، وعليه حزيناً.
* قيل في قوله تعالى: ?أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ?[الإسراء: 51]. يعني: الموت.
* حسان بن أبي سنان: كن وأنت تجيء وتذهب في حوائجك، كأنَّك في اللحد.
* أبو الدرداء: من أكثر ذكر الموت، قلَّ حسده، وقَلَّ فرحه.
* عن الحسن: انتبه أيها المؤمن من رقدتك، وأفق من سكرتك، واعمل في مهلك، قبل شغلك، وقبل نزول الموت بك ، وخذ مما في يديك لما بين يديك، عقبة كؤوداً لا يجوزها إلا كل مخف قد أحسن الاستعداد لها، وهناك يوجل كل مثقل مفرِّط.
* عمرو بن ميمون: اعملوا في الصحة قبل المرض، وفي الشباب قبل الكبر، وفي الفراغ قبل الشغل، وفي الحياة قبل الموت.
(315) قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( يا طارق، استعد للموت قبل الموت )).(1/310)

62 / 101
ع
En
A+
A-