* ولبعضهم، رأى في المرآة طارئ شيب فقال: مرحباً بثمرة الحكمة، وجني التجربة، ولباس التقوى.
* وقيل لابن اليزيدي: باد شبابك.
فقال: هذه عادته فيمن عاش، ولانقشاع الشباب أسرع من انقشاع السحاب، ثم أنشأ يقول:
فقدت لداتي فما منهمُ .... سواي على الأرض من عابر
إذا بلغ الغصن أدنى المدى .... فلابد للغصن من كاسر
كأني من بعد هذا الكلام .... صريع على راحة القابر
فما عاش بعد هذا القول إلا دون أسبوع.
* جعفر بن معاوية: قال أسماء بن خارجة لجارية له: أعدي لي خضاباً.
فقالت: حتى متى أدفعك؟
فقال:
عَيّرتِنِي خلَقَا أبليتِ جدَّتهُ وهل رأيت جديداً لم يعد خَلَقَا
* لبعضهم:
فيا أسفى أسفت على شبابي .... حناه الجسم والرأس الخضيب
فياليت الشباب يعود يوماً .... فأخبره بما فعل المشيب
* لابن دريد:
إن الجديدين إذا ما استوليا .... على جديد أدنياه للبلى
إذا ذوى الغصن الرطيب فاعلمن .... أن قصاراه نفاد ونوى
* الأصمعي، قال أبو عمرو بن العلا: ما بكت العرب على شيء ما بكت على الشباب، وما بلغت به ما يستحق.
* وكذلك عن يونس النحوي.
* أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، حدثنا الحسن بن فهيم، قال سمعت أبي يقول: أخذ جدِّي بيد يزيد بن هارون، لينهضه فلما لم ينتهض، قال متمثلاً، وهو قديم:
أصبحت لا يحمل بعضي بعضا .... كأنما كان الشباب قرضاً
فصرت غصناً بالياً مرمضا .... مستيقناً أن لن أعود غضا
حتى أرى في بطن أرض عرضا .... كأنما كان شبابي قرضا
حتى أوافي الحشر ثم العرضا
* الفرزدق:
وَاكَيْفَ يميل مثلك للصبا .... وعليك من عظة الحكيم عذار
والشيب ينهض بالشباب كأنه .... ليل يصيح بجانبيه نهار(1/301)
* وروي أن عبد المطلب بن هاشم أول من سن الدية مائة ناقة، فأجرته قريش والعرب، وسنه الشرع، وأول من حفر زمزم بعد إندراسها مع أبنه الحارث، وليس له ولد غيره، وأنه أول من أختضب، وذلك أنه زار صديقاً له باليمن فزوده جراباً فيه وسمة، فلما رجع إلى منزله خضبته امرأته، فاستحسن عبد المطلب ذلك، فأنشأ يقول:
فلو دام لي هذا الشباب حمدته .... وكان بديلاً من شباب قد انصرم
تمليت منه والحياة لذيذة .... ولا بد من موتٍ نثيلة أو هرم(1/302)
باب في المرض
* قال اللّه تعالى: ?أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ? [التوبة: 126].
(303) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدثنا محمد بن سعيد التستري، حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا أبو صالح، حدثنا رشدين بن سعيد، عن يونس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (( قال موسى بن عمران عليهم السلام: يا رب، لا مرض يضنيني ، ولا صحة تنسيني، ولكن ما بين ذلك )).
* الحسن، قال: قال داود النبي عليه السلام: اللهم، لا مرض يضنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن ما بين ذلك.
* حذيفة، قال: والذي نفسي بيده إن اللّه عز وجل ليتعاهد عبده المؤمن في نفسه وماله بالبلاء كما يتعهد الوالد ولده بالخير، وإن اللّه ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام.
(304) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أيكم يحب أن يصح ولا يسقم ))؟
قالوا: كلنا يا رسول اللّه.
قال: (( أتحبون أن تكونوا كالحمير الضالة؟ ألا تحبون أن تكونوا أصحاب البلاء وأصحاب الكفارات، والذي بعثني بالحق، إن الرجل ليكون له الدرجة في الجنة ما يبلغها بشيء من عمله فيبتليه اللّه ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله )).
(305) عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب اللّه لأهل البلاء )).
* وكان الحسن لا يتمثل من الشعر إلا بقول عمران بن حطان:
أفي كل عام مرضة ثم نهضة ويبقى ولا ينعى متى وإلى متى
* الحسن رحمه الله: امتحن اللّه صبر العباد بالعلة، وشكرهم بالعافية.
* أمير المؤمنين عليه السلام: ابن آدم إذا سقم قنط، وإذا صح بطر.
* أبو العتاهية:
بينا الفتى مرح الخُطا فرحا بما .... يسعى له إذ قيل قد مرضى الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها .... إذ قيل أصبح مثخناً ما يرتجى
إذ قيل أصبح شاخصاً وموجهاً .... ومعللاً. إذ قيل: أصبح قد قضى(1/303)
أخبرني أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا سلم بن جنادة، حدثنا حفص بن غياث، عن الحجاج [بن أرطأة]، عن محمد بن علي، عن الحسين بن علي عليه السلام، أنَّه كان يقول: الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد إذا أشر.
(306) أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن فضالة، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل الفقيه ببخارى، أخبرنا مكحول بن الفضل، حدثنا محمد بن رزيق، حدثنا عبد الله بن أبي زياد، عن سيار، عن جعفر، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: دخل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على شاب وهو مريض، فقال له: (( كيف تجدك ))؟ قال: أرجو اللّه، وأخاف ذنوبي. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه اللّه ما يرجو وأمَّنَه مما يخاف )).
* قال منصور بن عامر: دخلت على أبي هاشم أعوده. فقلت: يا أبا هاشم كيف تجدك ؟ قال: أجدني والذي ضربني من البلاء دون ما يليه من لذة الهوى، ولو ضربني من البلاء بمثل ما نلت من لذة الهوى، لضعف على أنواع البلاء.
* عمرو بن العلاء قال: مر أعرابي بقوم يعجبون من صحة رجل مات....
* [مرض نبي الله أيوب وابتلي ] فقالت له امرأته: لو دعوت اللّه عز وجل أن يشفيك.
فقال: ويحك كنا في النعماء سبعين عاماً فهلمي نصير في الضراء مثلها.
قال: فلم يمكث بعد ذلك إلا يسيراً. وقال اللّه تعالى: ?إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ? [ص: 44].
* دخل عثمان على عبد الله بن مسعود، وهو شَاكٍ. فقال: ما تشكو؟ قال: ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: المغفرة.
* مرض أبو الدرداء، فعاده أصحابه. فقالوا له: أيُّ شيء تشكي؟ قال: ذنبي. قالوا: فأيُّ شيء تشتهي؟(1/304)
قال: الجنة. قالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: هو الذي أمرضني، قال اللّه تعالى حاكياً عن إبراهيم: ?وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ?[الشعراء: 80].
* محمد بن أبي العتاهية:
إن الطبيب بطبه ودوائه .... لا يستطيع دفاع أمر قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي .... قد كان يبري مثله فيما مضى
إلا لأنَّ الخلق يحكم بينهم .... من لم يرد ولا يعقب ما قضى
* هاشم بن محمد، عن أبيه، قال: دخل الفرزدق على مريض قد بلغه أنه يستطب، فما كلمه إلا بهذين البيتين:
يا طالب الطب من داء يخوفه .... إنَّ الطبيب الذي أبلاك بالداء
هو الطبيب الذي يرجى لعافية .... لامن يدوف له الترياق في الماء
* لأبي دلف:
غدا المتطببون على المنايا .... وأصبح جمع أمرهم شتيتا
بجالينوس قد لحقوا جميعاً .... ضحىً وإليه قد جعلوا المبيتا
إذا مات المُعَالِجُ من سقام .... فأجدر بالمُعَالجَ أن يموتا
(307) عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحمُى رائد الموت )). في خبر طويل.
(308) عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( الجرأة مع عظم البلاء ، والصبر عند الصدمة الأولى، فإن اللّه إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط )).
(309) وعن بن مسعود، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: (( عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ، ولو يعلم ما في السقم أحب أن يكون سقيماً حتى يلقى اللّه عز وجل )).
* مُصَنِّفُه: في الأسقام حث على التوبة، وتذكار بالنعمة في حال الصحة، وتنبيهٌ على موقع السلامة والعافية، وتعريض لثواب الصبر، ولعوض الألم، وحض على الصدقة، واستنهاض لاستعداد الآخرة من الإغترار بالعاجلة، فانظر عظم موقعها، وبليغ محلها، وجلالة نعيمها، فمن حق المرء عندها أن يزيد على شكره، ويربط على جأشه صبره لينال مأدبة نعم اللّه بها.
* وعاد يحيى بن معاذ مريضاً. فقال: كيف ترى نفسك؟(1/305)