* لبعضهم: العمر قصير، والسفر بعيد، فاشغل بعض أيامك بصلاح سفرك، وتمتع أيها الهمام بالمكاسب، بما جمعت قبل صيحة الإزعاج فما أقرب ما تنظر، وأقل المكث.
* مُصَنِّفُه: حياتك وقاية آخرتك، ورأس مالك، فانظر لنفسك قبل وقوع الخسران، وضياع الوقاية.
* وقد كان في البصرة جماعة يتجالسون في مجامعها بالعدوان، ويتذاكرون ويتحدثون إلى انتصاف النهار، ثم ينصرفون إلى منزل واحد منهم، وقد كانت لكل واحد منهم نوبة يومه، فعلى هذا مرت بهم برهة من الزمان، فأصبحوا يوماً وقد فقدوا أخاً لهم من جملتهم، فكتبوا إليه يسألونه عما صدَّه عن عادته، وخلفه عنهم، فكتب إليهم على ظهر مكتوبهم إليه: يا إخوتاه، إني نظرت البارحة في سني فوجدتها وقد اقتحمت الأربعين، وإني جعلت لله عليَّ أن لا أعاود شيئاً مما كنت فيه، وكتب في أسفله:
ياربة الخدر إني عنك في شغل .... فحاولي للصبا غيري وللغزل
في الأربعين إذا ما عاشها رجل .... ما أوضح العذر والمنهاج للرجل
* عن ابن الأعرابي، عن المفضل:
إذا ما الأربعون أتت ومرَّت .... على رجل وناهزه القتير
ولم تحدث له الأيام عقلاً .... وتحكمه التجارب والدهور
فلا والله لا يأتي بخير .... طوال الدهر ما سمر السمير(1/296)


باب في ذم الشباب
(301) عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( الشباب شعبة من الجنون )).
* وعن عمر، إن شرخ الشباب والشعر الأسود مالم يعاص كان جنوناً.
* قبيصة بن جابر الأسدي: تكلم بين يدي عمر بن الخطاب. قال له عمر بن الخطاب: إنك فتيق اللسان، فسيح الصدر، فأتق عثرات الشباب، وفلتان الغضب، وبوادر الكلام.
* عطاء :لما رأى إبراهيم عليه السلام الشيب قال: مرحباً بالعلم والحلم، الحمد لله الذي أخرجني من الشباب سالماً.
* لبعضهم:
كفى بالشيب من داع مطاع .... على كره ومن داع مجاب
فقلت مسلماً للشيب أهلاً .... بهادي المخطئين إلى الصواب
* لعلي بن العباس الرومي:
من كان يبكي الشباب من أسف .... فلست أبكي عليه من أسف
لأن شرخ الشباب عرضني .... في حال جهلي لموقف التلف
* لبعض العلويين:
وما المرؤ قبل الشيب إلا مهند صدي وشيب العارضين صقال
* ابن عائشة، عن أبيه، قال: ما منهم من أحد يبكي على الشباب للدين، إنما يبكون عليه للدنيا واللذة والشهوة.
* لبعضهم: طوبى لمن وقى شر شبابه، طوبى لمن وعظ فاتعظ.
* يونس بن عبيد: ما كدنا نسلم عن غرة الشباب.
* لابن مناذر:
بان مني الشباب غير حميد .... فعليه العفا من مفقود
ظاعن لا يئوب ما أختلف ال .... عصران عنا لازال في تبعيد
قد لبست الجديد من كلِّ شيء .... فوجدت الشباب شرَّ جديد
ولنعم البديل والواعظ ال .... شيبة والمستفاد لا المستفيد
ذاك يغوي وذا يذود عن ال .... غي وبالذايدان حاز المذود
* مُصَنِّفُه: حليف يهديك خير من حليف يرديك، الشباب في الأغلب فاضح، والشيب ناصح، الشباب مطية الجهل، والشيب مطية العقل، الشيب راع، والشباب غاو، ولو لم يكن في الشيب إلا أنه يوهن ويضعف الشهوات، وهوى النفس، ومنه خسارة بني آدم، والشباب بخلافه، وكفاك لمنفعة الشيب أنك لا تهم بمعصية إلا وترى شيبك واعظاً، ولا تهم بمعصية إلا وترى شبابك يجريك ويمنيك تطاول العمر، وتدارك الفائت، وتهذيب الفارط.(1/297)


باب في الشيب
قال اللّه تعالى: ?وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ? [فاطر: 37].
* سفيان بن عيينة: الشيب. وروي ذلك عن أمير المؤمنين علي عليه السلام.
* وعن الحسن: هو أربعون سنة.
(302) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدثنا أحمد بن الحسن، حدثنا الحسن بن رضوان، حدثنا أبو سلمة الأنصاري، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( قال الله: وعزتي، وجلالي، وفاقة خلقي إليَّ ، إني لأستحيي من عبدي وأمَتَي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما )). ثم بكى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.
فقلنا: ما يبكيك يا رسول الله؟
فقال: (( أبكي ممن يستحيي اللّه منه ولا يستحيي من الله )).
* لبعضهم: الشيب إحدى الميتتين تقدمت إحداهما وتأخرت أخراهما.
* ولبعضهم: الشيب للجاهل نذير، وللعاقل بشير.
* ولآخر: الشيب سمة الوقار، وشعار الأخيار.
* وروي أن إبراهيم عليه السلام لما رأى الشيب في لحيته قال لجبرائيل عليه السلام: ما هذا؟ قال: هذا وقار. قال: اللهم زدني وقاراً.
* لبعضهم: الشيب مركب الحمام، والشباب حلم النيام، والشيب باغ على مهل، فكن منه على وجل، والشيب يؤم الموت، ومزعج المرؤ عن البيت.
* مُصَنِّفُه: الشيب آخر مراحل العمر. الشيب رسول المنية، وأول مراحل الآخرة.
* قيس بن عاصم: الشيب خطام المنيّة.
* لآخر: الشيب قرين الموت.
* لآخر: الشيب لباس المؤمن.
* لآخر: الشيب مقدمة الموت.
* لآخر: الشيب مطية الأجل، وطريدة الأمل.
* العتابي: الشيب تاريخ الكتاب، وبريد الفناء.
* قال الأحنف: الشيب مطية الأجل.
* الحجاج: الشيب نذير الآخرة.
* المعتمر بن سليمان: الشيب أول مراحل الموت.
* مُصَنِّفُه: الشيب ناع فصيح، وداع يصيح.
* مُصَنِّفُه: يشيب السواد دلالة الحصاد، كالينع في الأرطاب وقت الجذاذ.
* قال أعرابي: للموت تقحم على المشيب، كتقحم المشيب على الشباب.(1/298)


* ونظر إياس بن قتادة في المرآة فرأى شيبة. فقال: لا أراني اللّه حميرَّاً لحاجات بني تميم، والموت يطلبني، فخرج ونزل الشبكة، وأتخذها مسجداً، فلم يزل يعبد الله حتى توفي.
وقال: لأن ألقى اللّه مؤمناً هزلاً أحب إليَّ من أن ألقى اللّه منافقاً سميناً، وكان الحسن يقول: رحمة اللّه على إياس علم أن النار تأكل اللحم ولا تأكل الإيمان.
* لمُصَنِّفِه:
لغوت فلما أن ألمَّ مفارقي .... نذير مشيب قلت للغو: فابعد
* عن زافن الغافقي: أن رجلاً من أهل أيله كان يقوم بأمرهم فأخذ المرآة ذات يوم فنظر إلى شعرة بيضاء في لحيته.
فقال: ألا إني أرى نذير الموت قد أسرع إليَّ شأنكم بأمركم شأنكم بصنيعكم، فبنى لنفسه حصناً، وأقبل على العبادة إلى أن مات.
* اعتَمَّ شهر بن حوشب، ليأتي السلطان فأخذ المرآة ونظر إليها فرأى شيبة، فأخذها بيده، ونقض عمامته، وجلس؛ وهو يقول: السلطان بعد الشيب.
* محمد بن سلام، عن يونس بن حبيب، قال: قال لي رؤبة بن العجاج: حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأروقها لك، أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك- أي- ظهر.
* لمُصَنِّفِه:
اجعل الشغلين شغلاً واحداً .... إنما الدهر كيوم قد سلف
يامن الهمَّ جميعاً قد صرف .... في اعتلاء وكنوز وصدف
أنهض التقوى مُجداً قد بدا .... شيب رأس وذنوب قد سلف(1/299)


باب في الخضاب
* الخضاب جائز، وقد خضب الصدر الأول رحمهم الله، ومنهم من قال: يقبح لأنه إيهام وخطأ، والأفضل تركه، لأن برؤيته الانزجار، وتذكر قرب الأجل، وضعف الأمل.
* وخضب الحسن بن علي عليه السلام، وعقبة بن عامر الصحابي، كانا يتمثلان بقول القائل:
نُسوَّد أعلاها وتأبى أصولها فليت الذي يسودَّ منها هو الأصل
* أبو حاتم، عن العتبي، قال: قال سيف بن ذي يزن لعبد المطلب بن هاشم حين قدم إليه، وكان حسن الشيبة: لو خضبت شعرك؟ فلما ورد مكة خضب.
فقالت نثيلة امرأته: ما أحسن هذا الخضاب لو دام!! فقال، مجيباً لها:
فلو دام لي هذا الخضاب حمدته .... وكان بديلاً من خليل قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة .... ولابد من موت نثيلة أو هرم
وماذا الذي يغني عن المرء عزه .... وثروته يوماً إذا عرسه انثلم
لموت جهير عاجل لا شوى له .... أحب إلينا من مقالتكم حكم
* لبعضهم لأحمد بن عبيد:
يا خاضب الشيب بالحناء يستره .... سل المليك له ستراً من النار
لا يرحل الشيب عن دار يلم بها .... حتى يُرحَّل منها صاحب الدار
* لمحمود الوراق:
فقلت لها: المشيب نذير ربي .... ولست مسوِّداً وجه النذير
* أبو العتاهية:
من لاح في عارضه القتير .... فقد أتاه بالبلى النذير.
* لبعضهم:
ولا يروعك إيماض القتير غداً .... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب
* لأبي حازم:
أتفرح أن ترى حسن الخضاب .... وقد واريت نفسك في التراب
ألم تعلم وفرط الجهل جهل .... بأن خضابه كفن الشباب
فكنت كمن أناف على عذاب .... ففر من العذاب إلى العذاب
تهيَّ لرحلة لا بد منها .... فقد أثبت رجلك في الركاب
* لمحمود الوراق:
فخذ للسير أهبته وبادر .... وعب أداة رحلك للذهاب
فقد جد الرحيل وأنت ممن .... يسير على مقدمة الركاب
* الحسن، سئل عن الخضاب؟ فقال: جزع قبيح.
* قيل لبعض الحكماء: إن فلاناً في خضاب لحيته في تعب. فقال: إنه ما احتمل ذلك إلا خشية المطالبة بحنكة المشائخ.(1/300)

60 / 101
ع
En
A+
A-