(292) أبو سعيد الخدري، قال: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر؟! إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده ما طرفت عيني فظننت أن تقر حتى يقبض اللّه روحي، ولا رفعت صلباً لي فظننت أني واضعه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة فظننت أن أسيغها حتى أغص بها من الموت )). ثم قال: (( يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم في القبور أو في الموتى فوالذي نفسي بيده أن ما توعدون حق وما أنتم بمعجزين )).
(293) ورأى نبي اللّه عليه السلام في نعل رجل شسعاً من حديد فقال: (( لقد أطلت الأمل، وزهدت في الآخرة )).
* عن أبي عثمان النهدي، قال: بلغت نحواً من ثلاثين ومائة سنة ما بقي شيء إلا وقد عرفت النقص فيه غير أملي فكأنه كما هو.
* أبو الأشهب، قال: دخل رجل على أبي رجاء، فقال: كيف تجدك؟
فقال: قد جف جلدي على عظمي، وهذا أملي جديد بين عيني.
قال: فما خرجنا من الدار حتى مات، وأبو رجاء العطاردي كان ينيف على مائة سنة.
في مواعظ أهل البيت عليهم السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل.
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: أخوف ما أخاف عليكم أثنتان طول الأمل، واتباع الهوى، وإن طول الأمل ينسي الآخره، واتباع الهوى يصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: اتقوا اللّه عباد اللّه فكم من مؤمل ما لا يبلغه، وجامع ما لا يأكله، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراماً، وورثه عدواً، واحتمل إصره، وباء بوزره، وورد على ربه أسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
* جعفر بن محمد: الزهد قصر الأمل.
* ولبعضهم:(1/286)


ويمسي المرء ذا أجل قريب .... وفي الدنيا له أمل طويل
ويعجل بالرحيل وليس يدري .... إلى ماذا يقربه الرحيل
* قال سليمان: لولا ثلاث لخربت الدنيا وباد أهلها. لولا أن الحرص في[أبنية] بن آدم لخربت الدنيا، ولولا أن الميت ينتن لما دفن أحد ولده، ولولا أن الطعام يسوس لاستأثر الملوك دون السوقة.
* ولبعضهم :من لم يرض إلا بالكل فبالحري أن لا يصل إلى شيء، ومن رضي بالشيء دون الشيء فبالحري أن يصل إلى الكل.
* محمد بن الجهم: منع الجميع إرضاء للجميع.
* أبو المعتمر: الناس ثلاثة أصناف: فقراء، أغنياء، وأوساط، فالفقراء موتى إلا من أحياه اللّه بغنى القناعة، والأغنياء سكارى إلا من عصمه الله، وأكثر الخير مع الأوساط، وأكثر الشر مع الأغنياء والفقراء.
* عون بن عبد الله: ما أنزل الموت كنه منزلته من عدَّ غداً من أجله، كم من مستقبل يوماً لم يستكمله، ومنتظر غداً لم يدركه، لو رأيتم الأجل ومصيره لأبغضتم الأمل وغروره.
* داود بن أبي هند: بينا عيسى بن مريم عليه السلام جالس، إذ هو بشيخ قد أخذ مسحاة يثير الأرض. فقال له المسيح عليه السلام: اللهم انزع عنه الأمل. فوضع المسحاة فلبث ساعة.
فقال: اللهم رد إليه الأمل. فعاد فأخذ المسحاة.
فقال له المسيح عليه السلام: ما شأنك؟
قال: بينما أنا أعمل إذ قالت نفسي لي: إنك شيخ كبير تموت غداً فما تعمل؟ فألقيت المسحاة فأتكيت.
فقالت لي نفسي: لابد من المعيشة ما دمت حياً، ولعلك تبقى فعدت إلى المسحاة.
* لأبي العتاهية:
لكل نفس وإن كانت على وجل .... من المنية آمال تقويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضها .... والنفس تنشرها والموت يطويها(1/287)


* وساير أبو العتاهية يحيى بن خالد فانتهيا إلى مقبرة، فقال له يحيى: أنشدنا في هذا شيئاً، فقال:
أما تعجبون لأهل القبور .... كأنَّهمُ لم يكونوا بشر
تؤمل في الأرض طول الخلود .... وعمرك يزداد فيه قصر
ومن كان بالدهر ذا غرة .... فعندي من الدهر كلُّ الخبر
أيا من يؤمل طول الحياة .... وطول الحياة عليه ضرر
أما قد كبرت وبان الشباب .... فلا خير في العيش بعد الكبر
* للبحتري:
وما أهل المنازل غير ركب .... مناياهم رواح وابتكار
لنا في الدهر آمال طوال .... نرجيها وأعمار قصار
* أنشد عبد الرحمن بن مندويه:
ويمسي المرؤ ذا أجل قريب .... وفي الدنيا له أمل طويل
ويعجل بالرحيل وليس يدري .... إلى ماذا يقربه الرحيل
وكان عمر بن الخطاب، يقول: ما أعجب ما قسم هذا الشاعر.
* لأبي العتاهية:
والمرؤ ساع إلى ماليس يدركه .... والعيش شح واشفاق وتأميل
أرى علل الدنيا عليَّ كثيرة .... وصاحبها حتى الممات عليل
وإني وإن أصبحت بالموت موقناً .... فلي أمل دون اليقين طويل
* الوليد بن مسلم قال: أمر الوليد بن عبدالملك ببناء مسجد دمشق، وكان سليمان أخوه القيم عليه، فوجدوا في حائط المسجد القبلي لوحاً من حجر، فأتوا به الوليد، فبعث به إلى الروم فلم يستخرجوه، ثم بعث به إلى من كان بدمشق فلم يستخرجوه، فدل على وهب بن منبه فأعلمه ذلك فلما نظر إليه وهب قرأهُ، فإذا فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم. ابن آدم، لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك لو قد زَلَّتْ قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وأنصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، ثم تُدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد، فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة، وقبل الحسرة والندامة، وقبل أن يحل بك أجلك، وينتزع ملك الموت روحك، فلا ينفعك مال جمعته، ولا ولد ولدته، ولا أخ اتخذته، ثم تصير إلى برزخ الثرى ومجاورة الموتى، فاغتنم الحياة قبل الممات، والصحة قبل السقم، والقوة قبل الضعف، قبل أن تؤخذ بالكظم فيحال بينك وبين العمل.
* صالح المري: سمعت الحسن، يقول: ابن آدم، إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك.(1/288)


* قال رجل لعبد العزيز بن أبي رواد: كيف أصبحت؟ فبكى، ثم قال له: أصبحت والله في غفلة عظيمة من الموت مع ذنوب قد أحاطت بي، وأجل يسرع كل يوم في عمري، وموئل لست أدري على ما أقتحم منه، ثم بكى.
* الحسن بن هانئ في مرضته التي مات فيها فدخل عليه أبو العتاهية عائداً، فقال: كيف تراك؟ فأجابه شعراً:
دبَّ فيَّ الفناء سفلاً وعلواً .... وأراني أموت عضواً فعضواً
ليس من ساعة مضت بي إلاَّ .... نقصتني بمرها لي جزوا
ذهبت جدّتي بطاعة نفسي .... وتذكرت طاعة اللّه نضوا
قال: فنهض أبو العتاهية ونهضت، فقال: أما سمعت؟ والله لئن سلك هذه الطريقة ليضيقنها عليَّ، ثم أنشدني:
إن مع اليوم فاعلمن غداً فانظر بما ينقضي مجيُ غده
ما ارتد طرف امرئ بلذته إلا وشيء يموت من جسده
* عبد الله بن مسعود: ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، ولا يلهينكم الأمل فكل ما هو أت قريب، وإنما البعيد ما ليس آتياً - في خطبة له -.
* عبد الله بن مسعود: ما من الناس أحد إلا وهو ضيفٌ، وماله عارية، فالضيف مرتحل، والعارية ترد.
(294) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( بعث اللّه نوحاً عليه السلام إلى قومه ، وهو ابن خمسين ومأتي سنة، ولبث في قومه ما أنبأكم اللّه به ألف سنة إلا خمسين عاماً. فلما أرسل اللّه الطوفان، وغرق أهل الأرض جاء نوح عليه السلام فنزل بابل بعد الطوفان خمسين ومأتي سنة فذلك ألف وأربعمائة وخمسون سنة، فلما جاءه ملك الموت، قال: يا نوح يا أطول الأنبياء عمراً ويا أفضلهم تشكراً، كيف رأيت الدنيا والعيش فيها؟
قال: كرجل دخل بيتاً له بابان فجلس في وسط البيت هنية ثم خرج من الباب الآخر )).
* الأصمعي، قال: سمعت أعرابياً، يقول: إن الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب غرَّ من رأه، وأخلف من رجاه، ومن كان الليل والنهار مطيته أسرع السير والبلوغ به، ثم أنشأ يقول:
المرء يفرح بالأيام يدفعها وكل يوم مضى يدني من الأجل(1/289)


* غيره:
أنا محزون ببيتي مشتغل .... أعذل النفس وما يغني العذل
قد مضى أكثر أيامي ولم .... أرض ما قدمت فيها من عمل
كيف تصفو لذة العيش لمن .... صار وقفاً بين ذنب وأجل
كلما أصلح منه جانباً .... خوفه أفسده طول الأمل
* أبو ذر رحمه الله: قتلني همُّ يوم لم أدركه. قيل له: وما ذاك؟ قال: إن أملي جاوز أجلي.
* لمُصَنِّفِه:
خلعت عن المنى بسط العنان .... رجاء الفوز في غرف الجنان
علمت بأنني فانٍ قريباً .... فمالي غافلاً فرح الجنان
* داود الطائي: من خاف الوعيد قرب عليه البعيد.
* ابن السماك: أيُّها المغتر بصحته ونشاطه، أما علمت أن الأرواح تُغْدَا عليها المنايا وتراح؟
* خرج ميمون بن مهران في جنازة، فقال لجلسائه: إن هؤلاء ليسوا أحق بالموت منكم، ولا أنتم بالحياة أحق منهم، ولكنها آجال قريبة بعضها إلى بعض.
* مُصَنِّفُه: الأمل فاضِحُك، والأجل ناصحك، فارفض فاضِحَك بذكر ناصحك، الأمل غرير، والأجل نذير، يجيئ الحرص والأمل أسد، والناس ثلاثة رجال: رجلٌ أسده مطلق وهم أبناء الدنيا، ورجل أسده رابض مربوط بالسلاسل وهم الزهاد، ورجل أسده مذبوح وهم أولياء اللّه والصديقون.(1/290)

58 / 101
ع
En
A+
A-