* وقد أخذه آخر فقال:
إلى منزل سوَّى البلى بين أهله فلم يستبن فيه الملوك من السوق
* وقال أبو العتاهية:
ألا أخبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتشاوس
* مُصَنِّفُه: يا ابن آدم : انظر لحين وحدتك، وغربتك، واسرتك، وحسرتك، وسؤال خلق لم تشاهدهم قط، وقد كنت فرقاً هائباً بسؤالهم يسألونك عما قدمت، ويخبرونك بما استقدمت، فتحيرت فيما إليه دفعت واضطررت، وطارت من الهول مكيدتك، زادك، زادك، زادك، فإنه في القبر عمادك، وللقاء المنكر والنكير عتادك.(1/276)


باب فيما قرئ على القبور ووجد
أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو بكر بن عبدان، حدَّثنا البراء، حدَّثنا عبد الله بن عمر، عن محمد بن المنكدر اليشكري، قال: كانت بناحية طرابلس ثلاثة قبور مسنمة مكتوب على أحدها:
وكيف يلذ العيش من كان موقناً .... بأنّ إله العرش لابد سائله
فيأخذ منه ظلمهُ لعباده .... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
* وعلى القبر الثاني:
وكيف يلذ العيش من كان موقناً .... بأن المنايا بغتة ستعاجله
فتسلبه ملكاً عظيماً ونخوةً .... وتسكنه البيت الذي هو آهله
* وعلى القبر الثالث:
وكيف يلذ العيش من كان صائراً .... إلى جدث يبلى الشباب منازله
ويذهب ماء الوجه من بعد حسنه .... سريعاً ويبلى جسمه ومفاصله
* أبو رويق البصري، قال: قرأت على قبر محمد بن أبي عمر بن يزيد المعروف بابن الرواسي في تلغدويه سنة خمس ومائتين:
قبر عزيز علينا .... لو أن من فيه يُفدى
أسكنت قرة عيني .... ومنية النفس لحدا
ما جار خلق علينا .... ولا القضاء تعدى
والصبر أحسن شيء .... به الكريم تردى
* وقرئ على قبر بعسكر مكرم:
أما ورب السكون والحرك .... أن المنايا كثيرة الدرك
ما اختلف الليل والنهار ولا .... دارت نجوم السماء في فلك
إلا لنقل النعيم من ملك .... قد غاب تحت الثرى إلى ملك
وملك ذي العرش دائمٌ أبداً .... ليس بفان ولا بمشترك
* ضمرة عن أبن شوذب، قال: اطلعت امرأة على قبر فرأت اللحد فقالت: لامرأة معها: ما هذا؟ تعني: اللحد. فقالت: كندوح العمل عنت به خزينة العمل.(1/277)


* عن عمر بن ميمون قال: افتتحنا بفارس مدينة ،فهدينا إلى غار ذكر لنا أن فيه أموالاً فدخلناه، ومعنا من يقرأ بالفارسية فصرنا إلى بيت شبيه بالأترج عليه صخرة عظيمة ،ففتحناها، فإذا فيه سرير من ذهب عليه رجل وعند رأسه لوح فيه كتاب فقرئ لنا فإذا هو: يا أيُّها العزيز المملوك لا تتجبر على خالقك، ولا تتعدى قدرتك الذي جعل لك، إن الموت غايتك وإن طال عمرك، وإن الحساب أمامك، وإنك إلى مدة معلومة، متروك ثم تؤخذ بغتة، أحب ما كانت الدنيا إليك، فقدم لنفسك خيراً تجده محضراً، وتزود من متاع الغرور ليوم فاقتك، أيها العبد المملوك اعتبر بي فإن فيَّ معتبراً، وعليك من اللّه فيَّ حجة، أنا بهرام بن بهرام ملك فارس، كنت أعظمهم بطشاً، وأقساهم قلباً، وأطولهم أملاً، وأرغبهم في الدنيا لذة، وأحرصهم على جمع الدنيا، جبيت البلاد، ودرت فيها فدوخت البلاد وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش، وذللت المقاود، وجمعت من الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم استطع أن أفتدي به من الموت إذ نزل بي.
* وقرئ على قبر ببغداد:
الموت أخرجني عن دار مملكتي .... فالترب مضطجعي من بعد تتريف
لله عبد رأى قبري فأعبره .... وخاف من دهره ريب التصاريف
هذا مصير بني الدنيا وإن عُمِّروا .... فيها وغرَّهم طول التساويف
استغفر اللّه من ذنبي ومن حمقي .... واسأل اللّه عفواً يوم توقيفي
* أبو الحسن الإزدي، قال: قرأت على قبر:
تفكر كيف أفنى الموت قِدْمًا .... ثمود وقوم قارون وعادا
وسل دار البلى كم قد أبادت .... ملوكاً طالما ركبوا الجيادا
وسل بيت الفنى كم من ملوك .... عظيم شأنهم صاروا رمادا
* مهدي بن سابق، قال: قرئ على قبر:
هذا منازل أقوام عرفتهم .... في ظل عيش عجيب ماله خطر
صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا .... إلى القبور فلا عين ولا أثر
* عبد الله بن مصعب، قال: قرأت على قبر بالحجاز:
كيف يصفو سرور من ليس يدري .... أي وقت يفجاه ريب المنون(1/278)


* علي بن محمد الباهلي، قال: مات صالح بن الوجيه بفارس، ومات ابن له معه فدفن إلى جنبه وكتب على قبريهما:
الوجيهي صالح فاعرفوه .... وإلى الناس كلهم فاندبوه
جاء مستعجلاً يسوق بنياً .... كان بالبر دائماً يغذوه
فإذا الموت قد طواه مع الإبن .... فهذا ابنه وهذا أبوه
* وكان عمر بن الخطاب يسير في بعض طرق المدينة إذا بأعرابي قد أقبل، فقال له عمر: من أين أقبلت يا أعرابي؟ قال: من عند وديعة لي في هذا الجبل قال: وما وديعتك؟ قال: ابن لي دفنته منذ سنين فأنا في كل يوم أزوره وأندبه. فقال عمر: اسألك بالله إلا ما اسمعتني بعض ذلك فقال:
يا غائباً لا يؤوب من سفره .... عاجله موته على صغره
يا قرة العين كنت لي أنساً .... في طول ليلي نعم وفي قصره
ما تقع العين أينما وقعت .... في الحي مني إلا على أثره
شربتَ كأساً أبوك شاربُها .... لابد يوماً ولو على كبره
يشربها والأنام كلهم .... من كان في بدوه وفي حضره
فالحمد لله لا شريك له .... في علمه كان ذا وفي قدره
قد قسم الموت في العباد فما .... يقدر خلق يزيد في عمره
فبكى عمر.
* الأصمعي، عن عمه، قال: دخلت بعض المقابر فإذا أنا بجارية ما أحسب أنها جاوزت أكبر من عشر سنين وهي تقول:
عدمت الحياة ولا نلتها .... إذا كنت في القبر قد لحدوكَ
وكيف أذوق لذيذ الكرى .... وأنت بيمناك قد وسدوكَ
* لامرأة من بني أسد بن عبد العزى:
يا صاحب القبر الغريب .... بالشعب في طرف الكثيب
أقبلت أطلب طبه .... والموت يعضل بالطبيب
* أحمد بن عبيد وعن الأصمعي، قال: بينا أدور في البادية إذا أنا بامرأة على قبر تشير بإصبعها وهي تقول:(1/279)


هل خبَّر القبر سائليه .... أم قرّ عينا بزائريه
أم هل تراه أحاط علما .... بالجسد المستكن فيه
لو يعلم القبر ما يواري .... تاه على كل من يليه
يا موت لو تقبل افتداء .... كنت بنفسي سأفتديه
يا جبلاً كان ذا امتناع .... وركن عز لآمليه
ونخلة طلعها هضيم .... يَقْرُب من كف مجتنيه
ويا مريضاً على فراش .... تؤذيه أيدي ممرضيه
ويا صبوراً على بلاء .... كان به اللّه يبتليه
يا موت ماذا أردت منا .... حققت ما كنت اتقيه
دهري رماني بفقد إلفي .... أذم دهري واشتكيه
أَمَّنَكَ اللّه كل روع .... وكلما كنت تتقيه
* الأصمعي: قرأت على قبر:
إن يكن مات صغيراً .... فالأسى غير صغير
كان ريحاني فصار .... اليوم ريحان القبور
* محمد بن يزيد النحوي:
محلَّةٌ سفر كان آخر عهدهم .... إليها متاعاً من حنوط ومن خرق
إلى منزل سوَّى البلى بين أهله .... فلم يستبن فيه الملوك من السوق
* عبد الله بن محمد الأموري: قرأت على ركن قصر مشيد في الكوفة قد خَرُب وباد أهله:
ما بال قوم سهام الموت تخطفهم .... يفاخرون برفع الطين والمدر
لو كنت تعقل يا مغرور ما رقأت .... دموع عينك من خوف ومن حذر
* لبعضهم في الجاهلية:
وتُبَّعاً أهلَكْتَه وذا يزن .... وذا نواس أهَلْكَت وذا جدن
فحظه مما حوى وما خزن .... مسحة كافور وغسل وكفن
* لعديل بن عبد الله بن ثعلبة الحنفي:
لكل أناس مقبر في محلهم .... هم ينقصون والقبور تزيد
فما إن تزال دار حي قد أخربت .... قبر بأفناء القبور جديد
فهم جيرة الأحياء أما محلهم .... فَدَانٍ وأما الملتقى فبعيد
* عبد الله بن محمد القرشي، قال: رأيت قبة على قبر ومكتوب في جوانب القبة: يا من أبطره الغنى، وأسكرته شهوات الدنيا، استعدوا للسفرة العظمى، فقد دنا نزولكم على أهل البلى.
* أبو الطيب الحسن بن عبد الله، قال: خرجت من الجحفة قاصداً مكة فرأيت حائطاً مكتوب عليه:
كأني بأصحابي على حافتي قبري .... يهيلون من فوقي وأعينهم تجري
ستنسون أيامي إذا ما رجعتم .... وغادرتموني تحت ذويه قفر
فلما دخلت مكة أنشدته أبا يحيى بن أبي ميسرة فزادني عليها بيتين:
ألا أيها المذري عليَّ دموعها .... ستقصر في يومين عني وعن ذكري
عفى اللّه عني يوم أصبح ثاوياً .... أُزَار فلا أدري، وأُجفى فلا أدري(1/280)

56 / 101
ع
En
A+
A-