* عمر بن ذر. دخل على ابنه وهو يجود بنفسه ، فقال: يا بني ما علينا من موتك غضاضة، ولا بنا إلى أحد سوى اللّه حاجة، فلما قضي وصلى عليه وواراه وقف على قبره وقال: يا ذر، قد شغلنا الحزن لك، عن الحزن عليك، لأنا لا ندري ما قلت؟ وما قيل لك؟ اللهم، إني قد وهبت له ما قصر فيه مما افترضت عليه من حقي : فهب له ما قصر فيه من حقك،واجعل ثوابي عليه وزدني من فضلك، إني إليك من الراغبين،قال اللّه تعالى:?أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا?[ نوح:25 ].(1/271)


مرور عيسى عليه السلام بقرية خاوية
* في بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: بينا عيسى عليه السلام يسيح مع الحواريين إذ مر بقرية مات أهلها ودوابها، فقال عيسى عليه السلام: أما إنهم لا يموتون إلا عن سخطة ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا قال الحواريون: يا روح اللّه سل ربك أن يبعثهم لنا فيحييهم فسأل عليه السلام ربه فأوحى اللّه إليه أن نادهم فلما كان في جوف الليل ارتفع إلى شرف من الأرض فنادى: يا أهل التربة، يا أهل الغربة، فأجابه مجيب: لبيك يا روح اللّه وكلمته، فقال له: ويحكم ما أنتم؟ وما كانت حالكم؟ قال: كنا أهل قرية أمسينا في عافية وأصبحنا في الهاوية. فقال: ويحكم وما كانت أعمالكم؟ قال: حب الدنيا، وعبادة الطواغيت. قال: فكيف كان حبكم للدنيا؟ قال: كنا إذا أقبلت فرحنا وسررنا، وإن أدبرت اغتممنا وحزنا. قال: فكيف كان عبادتكم الطواغيت؟ قال: كانوا إذا أمرونا بالمعاصي أطعناهم. قال: فماذا قيل لكم؟ وماذا قلتم؟ قال: قلنا: ردونا ولنستأنف العمل فقيل لنا: كذبتم. قال: فما بال القوم لم يجيبني منهم غيرك؟ قال: لأني كنت فيهم ولم أكن منهم قال: ما حالهم؟ قال: هم على جبال من جمر ملجمون بلجم من نار يعذبون إلى يوم القيامة. قال: فما حالك من بينهم؟ قال: معلق على شفير جهنم بشعرة إلى يوم القيامة لا أدري أكبل فيها أم أنجو؟ قال: المسيح: إنكم يا معشر الصالحين اليوم على المزابل، وأكل خبز الشعير بالملح الجريش مع عافية اللّه خير مما هم فيه.
* محمد بن عيينه: أخو سفيان بن عيينه قال: شهدنا ميتاً يدفن ومعنا بعض الحكماء فلما سُوي عليه قال: يا فلان خلوت وخلي بك فانصرفنا وتركناك، ولو أقمنا معك ما نفعناك، ثم التفت إلى القبور فقال: يا أهل القبور أصبحتم نادمين على ما خلفتم في البيوت، وأصبحنا نقتتل على ما أنتم عليه نادمون فما أعجبنا وأعجبكم!!(1/272)


* محمد بن الحسن، قال: قال أبو إسحاق: شهدت رجلاً من إخواني منذ خمسين سنة فلما دفن، وهيل التراب عليه، وتفرق الناس قعدت إلى بعض تلك القبور أتفكر فيما كانوا فيه في الدنيا وفوات ذلك عنهم وانقطاعه فأنشأت أقول:
سلام على أهل القبور الدوارس .... كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة .... ولم يأكلوا من كل رطب ويابس
قال: وغالبتني عيناي فما زلت أبكي ثم قمت وأنا كئيب محزون.
* أبو إسحاق: وكان عبد الله بن عبدالعزيز، لا يرى إلا في المقابر، ولا يخلوا من كتاب حكيم فقيل له في ذلك؟ فقال: لا شيء أوعظ من قبر، ولا صاحب آنس به من كتاب حكيم.
* ابن جعفر قال: سمعت صالح المري يقول: دخلت المقابر نصف النهار فنظرت إلى القبور كأنهم قوم صموت فقلت: سبحان من ينشركم من بعد طول بلى. فهتف بي هاتف: ? وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ والأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ?[الروم:25]. قال: فبقيت والله مغشياً عليَّ فأفقت وأنا في حفرة من تلك الحفر.
* أبو السمح الطائي:
إذا ما أهل قبري ودعوني .... وراحوا والأكف بها غبار
وغودر أعظمي رهناً لقبر .... تهاديه الجنائب والقطار
مقيم لا يجاورني صديق .... بأرض لا أَزُور ولا أُزَار
فذاك النأي لا الهجران حولا .... وحولا ثم تجتمع الديار
* وكان المسيح عليه السلام إذا مر بدار قد مات أهلها قال: ويح لأصحابك الذين يورثونك كيف لا يعتبرون بإخوانهم الماضين!!!(1/273)


* لمحمود الوراق: وقف على قبر حميد الطوسي وهو مزوق وبُني بالآجر والجص:
أبا عامر أما ذراك فواسع .... وقبرك معمور الجوانب محكم
وما ينفع المدفون عمران قبره .... إذا كان فيه جسمه يتهدم
* وروي أنه قتل في ليلة واحدة عدداً من فضلاء الفاطميين تقرباً إلى بعض العباسيين فما أجداه، إذ قبره واراه، ومن تقرب إليه به فما أغناه، ففني وأفناه.
* وحكي: أن المسيح عليه السلام قال: مثلكم مثل القبور المجصصه يزوق ظاهرها وباطنها فيها ما فيها.
* إسحاق الموصلي: أملى عليَّ في مرضه أبو العتاهية:
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها .... وقد حذرتناها لعمري خطوبها
وما نحسب الأيام تعجل سيرها .... بلى إنها فينا سريع دبيبها
كأني برهطي يحملون جنازتي .... إلى حفرة يجثى علي كثيبها
فكم ثم من مسترجع متوجع .... ونائحة يعلو عليَّ نحيبها
وباكية تبكي عليَّ وإنني .... لفي غفلة عن صوتها فأجيبها
* وله أيضاً:
إني رأيت عواقب الدنيا .... فتركت ما أهوى لما أخشى
فكرت في الدنيا وجدّتها .... فإذا جميع جديدها يبلى
ولقد طلبت فلم أجد عملاً .... أعلى بصاحبه من التقوى
ولقد مررت على القبور فما .... ميزت بين العبد والمولى
ويقال: أنه أخذه من كلام الحسن، ويجوز أن يكون قد أخذه عما صدرته في أول هذا الكتاب ( من زهد ابن ملك قد كان في قديم الزمان وأيام ذي القرنين).(1/274)


* محمد بن سلامة، قال: قال الحسن: قدم علينا بشر بن مروان وهو أبيض بض، أخو خليفة وابن خليفة، ومتولي على العراق فأتيت بابه زائراً مُسَلِّمَاً، فسأل عني الحاجب؟ فقلت: أنا الحسن البصري. فقال: الفقيه؟ فقلت: نعم. قال: أدخل إلى الأمير، وإياك في إدمان النظر إليه، وإن سألك عن شيء فاحذفه حذفاً في الجواب، ولا يكونن كلامك إلا جواباً وتحوز في المجلس إلا أن يحبسك. فقلت: جزاك اللّه خيراً ، فدخلت على بشر وهو على سرير عليه فرش قد كاد يغوص فيها؛ فسلمت فقال: من أنت أعرفك؟ فقلت: الحسن البصري. فقال: أفقيه هذه المدرة؟ فقلت: نعم أيها الأمير. قال: ما تقول في زكاة أموالنا ندفعها إلى الفقراء أم إلى السلطان؟ قلت: أي ذلك فعلت أجزى عنك، فرفع رأسه إلى الذي على رأسه فقال: لشيء ما يسود من يسود ،ثم أومأ بيده أن اجلس فجلست إلى الذي على رأسه فجعل يخالسني النظر ويختطفه إذا رميته بطرفي أمال بصره عني وإذا خفضت عيني أبدى بصره فتحوزت في المجلس وقمت، ثم عدت فإذا هو في صحن مجلسه، والأطباء حوله فقلت: ما للأمير؟ قالوا: محموم. ثم عدت وإذا بنائحة تنعي وإذا الدواب قد جزت نواصيها وقد توفي ومات فدفن في جانب الصحراء فجاء الفرزدق فوقف على قبره فقال:
أعيني ألا تسعداني بالبكاء .... فما بعد بشر من عزاء ولا صبر
ألم تر أن الأرض دكت جبالها .... وأن نجوم الليل بعدك لا تسري
سيأتي أمير المؤمنين مصابه .... وينمى إلى عبدالعزيز إلى مصر
وقد كان حيّات البلاد يخفنه .... وحيّات ما بين المدينة والقهر
فما بقي أحد على القبر إلا شهق باكياً، وانصرفت عن قبره وصليت في جانب الصحراء ما قدر لي، ورجعت إلى قبره وقد أوتي بعبد أسود يحمله أربعة فدفن إلى جانب قبره، فوالله ما فصلت بين القبرين حتى قلت: أيهما قبر بشر بن مروان؟(1/275)

55 / 101
ع
En
A+
A-