(277) وعن زاذان، قال:كنا مع عائش الغفاري، فمر بنا ناس ينحلون من الطاعون فقال: خذني يا طاعون. فقال له ابن عمر وكانت صحبة: لم تتمنى الموت وقد سمعت رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: (( لا يتمنين الموت أحدكم فإن ذلك انقطاع عمله ، ولا يرد فيستغيث. فقال عائش: إني أبادر بالموت خصالاً سمعت رسول اله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يتخوفها على أمته: (( إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافاً بالدم، وقطيعة الرحم، ونشؤًا يتخذون القرآن مزامير، ويقدمون رجلاً بين أيديهم ليس أفضلهم ولا بأفقههم في الدين إلا ليغنيهم غناء )).
* سعيد بن جبير: عن ابن عباس: في قوله تعالى: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ?[البقرة:243]، قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا حذر الموت فراراً حتى إذا كانوا بموضع كذا قال اللّه عز وجل: ?مُوتُوا?. فماتوا فمر عليهم نبي من أنبياء اللّه فدعى اللّه فأحياهم قال: وكانوا فروا من الطاعون.
* محمد بن يوسف: عن الحسن، في قوله تعالى: ?وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفَاً ?[الإسراء:59]. قال: هو الموت الذريع.
* وكان أبو شيبة القاضي يقول: أسر ما يكون الإنسان بالدنيا يأتيه الموت.
* وكان أبو شيبة أسر ما كان في الدنيا إذ غافصته علة فأصبح ميتاً.(1/266)
باب في استراحة المؤمن بالموت
* قال اللّه تعالى: ?تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا? [فصلت: 30، 31].
* وقال تعالى: ?فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة?[النحل: 97].
* عن أنس: ما طابت لأحد الحياة إلا في الجنة.
(278) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا محمد بن عبدان، حدَّثنا عبد الله بن أحمد، حدَّثنا هارون بن معروف، حدَّثنا ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، حدَّثنا عمارة بن غزية، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن الزبير، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر )). هذه رواية أبي صالح، عن أبي هريرة، ورواية الزبير بدل: (( كل شر )) إنما هو: (( كل شيء )).
(279) أنس، عن رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ((الموت ريحانة المؤمن )).
(280) أبو قتادة: أن رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مُرَّ عليه بجنازة فقال: (( مستريح أو مستراح منه )). فقالوا : يا نبي الله: ما المستريح؟ وما المستراح منه؟ فقال: (( المستريح: العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا ولأوائها وأذاها إلى راحة اللّه تعالى، والمستراح منه: العبد الفاجر يستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب )).
* مسروق: ما من بيت خير للمؤمن من لحد استراح من هموم الدنيا، وأمن عذاب الآخرة.
* صفوان بن عمرو: أنهم ذكروا النعم فسموا أشياء . فقال لي جابر المنقري: أنعم الناس أجساداً في التراب قد أمنت الحساب، تنتظر الثواب.
(281) عن عائشة: قام بلال إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: (( إنما استراح من غفر له )) .(1/267)
(282) عمرو بن دينار: أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مرَّ بقوم يدفنون ميتاً. فقال: (( أصبح هذا قد خلا من الدنيا وتركها لأهلها فإن كان قد رضي لم يسره أن يرجع إلى الدنيا كما لا يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه )) .
* عبد الواحد بن الخطاب قال: شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء العطاردي، فلما هالوا التراب ونفضوا عنه أيديهم وقف الحسن ملياً ثم قال: أما أنت أبا رجاء فقد استرحت من غموم الدنيا ومكائدها ،فجعل اللّه لك في الموت راحة طويلة، ثم أقبل على الفرزدق فقال: يا أبا فراس كن من مثل هذا على حذر فإنما نحن وأنت بالأثر. فبكى الفرزدق وأنشأ:
فلسنا بأحيا منهم غير أننا بقينا قليلاً بعدهم وتقدموا
* ولبعضهم:
نحن سفر البلى معرّسنا القبر .... فما بالنا نرمَّ المطيا
إنما الفصل بيننا أن بعضاً .... يمشي سريعاً وبعضاً بطيا
* سويد بن علقمة: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في يوم عيد وبين يديه خوان عليه صحفة فيها خطيفة، وخبز من السمراء وملْبَنَةٌ وهو يأكل منها فقال: أدن فكل. فقلت يا أمير المؤمنين: يوم عيد وخطيفة؟ فقال: نأكل ما يحضرنا، وإنما هو عيد من غفر له.
* وفي بعض الأخبار من طريق، عن ابن الأعرابي قال: روي أن أبا عبد الرحمن الجدلي قال له ذلك. فقال: هو عيد من قَبِلَ اللّهُ عمله ورضي سعيه.(1/268)
* مُصَنِّفُه: هل من روح كالنجا من كدر الدنيا؟ وعن خطر التكليف إلى طمأنينة مما يسر وانشراح صدر بما يسر من الوصول إلى ما قد رجاه، والأمن عما كان يحذره ويتوقاه، حطت عنه أثقال الخطرات، إلى مسار الآمال والدرجات، وحفظ الملك والأمان ونعيم الجنان، ?وإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ? [الإنسان:20]. شملته المغفرة، ونالته المكرمة ?قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ?[يس:26، 27]. فطوبى له غداً من مسعودٍ منعم، ومحبوب مكرم، ومغبوط معظم، وقد فاز بالثواب، وأمن من العقاب، رضي اللّه عنه فأرضاه، وفي دار السلام بوَّاه، والملك بالتحية تلقَّاه، عانق الشكلات الأبكار في جنات وأنهار وظلال وأشجار لا يخاف زوال نعيمها ولا انتقال مقيمها، قد توج بتاج الكرامة وسكن دار المقامة قال اللّه تعالى:?وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَْنفُسُ وَتَلَذُّ الأَْعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ?[الزخرف:71-72].
* مُصَنِّفُه: يا ابن آدم أخلص طوع العبودية، ولا تخشى هجوم المنية، ولا تستوحش فراق أعزَّتك، فإن من تقدم عليه أعز ممن تفارق عنه وما تناله أكبر مما تخلفه.(1/269)
باب في عذاب القبر
* قال اللّه تعالى: ?قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ?[غافر:11]. والإماتة مرتين تكون أحداهما على ظاهرها، والأخرى تحتها ولا تكون الإماتة إلا في الأحياء لا الجماد ولو كان ذلك خطأ لرد اللّه تعالى عليهم.
أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا محمد بن حمزة، حدَّثنا علي بن سهل، حدثنا ابن الأصبهاني، حدَّثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن الحجاج، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن أمير المؤمنين عليه السلام: قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى أُنزلت: ?أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ?[التكاثر:1].
(283) أنس بن مالك: أن رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم دخل حائطاً من حوائط بني النجار فسمع صوتاً من قبر، فقال: متى دفن صاحب هذا القبر؟ قالوا: في الجاهلية فَسُرَّ بذلك. فقال: (( لولا أن لا تدافنوا لدعوت اللّه أن يسمعكم عذاب القبر)).
* عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، حدَّثنا أبي، قال: قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ما شأنك جاورت المقبرة؟ قال: إني أجدهم جيران صدق يكفّون السيئة ويذكرون الآخرة.
* ولما مات سليمان بن عبد الملك أدخله قبره عمر بن عبد العزيز وولده فاضطرب على أيديهما فقال له ابنه: عاش أبي والله. فقال عمر: لا والله ولكن عوجل أبوك.(1/270)