بقَّيت مالك ميراث لوارثه .... فليت شعري ما أبقى لك المال
القوم بعدك في حال تسرهم .... فكيف بعدهم حالت بك الحال
ملُّوا البكاء فما يبكيك من أحد .... واستحكم القيل في الميراث والقال
أنستهم العهد دنيا أقبلت لهم .... وأدبرت عنك والأيام أحوال
* ونظر الحسن إلى قوم يزدحمون على جنازة فقال: علوج يتنافسون في حمله ولا يتنافسون في عمله.
* وسمع الحسن صارخة في أثر جنازة: وا أبتاه؛ مثل يومي هذا لم أره. فناداها: وأبوك أيضاً لم يره.
* أبو هريرة، إذا رأى جنازة قال: امض وأنا على الأثر.
* ثابت البناني، كنا نحضر الجنائز فما نرى إلا متقنعاً باكياً، أو متقنعاً متفكراً.
* مكحول، إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنّا راجعون موعظة بليغة سريعة فذهب الأول والآخر لا عقل له.
* نظر إبراهيم الزَّيَّات: إلى أناس يترحمون على ميت خلف جنازة، قال: لو ترحمون على أنفسكم، لكان خيراً لكم، إنه نجى من ثلاثة أهوال: وجه ملك الموت قد رأى، ومرارة الموت قد ذاق، وخوف الخاتمة قد أمن.(1/251)
باب في زيارة القبور والمقابر
(255) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا عبد الرحمن بن جعفر، والحسن بن أحمد، قالا: أخبرنا محمد بن يونس، أخبرنا مكي بن قمير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، عن أنس، قال: جاء رجل إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فشكى إليه قسوة قلبه فقال: (( اطّلع في القبور، واعتبر بالنشور )).
(256) وعن عائشة: عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( زوروا قبور موتاكم ، وسلِّموا عليهم فإنَّ لكم فيهم عبرة )) .
(257) وعن أمير المؤمنين عليه السلام، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنَّها تذكر بالموت )).
(258) وعن عبدالحكيم، عن أنس، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( فإنها تعظكم وتذكركم بالآخرة )).
(259) وعن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( إنَّما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما تصير إلى أربعة أذرع وشبرا، وإنّما يرجع الأمر إلى الآخرة )).
(260) قال رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه )) .
(261) وقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( ما من يوم إلا وينادي منادٍ: يا أهل القبور، من تغبطون اليوم؟ قالوا: نغبط أهل المساجد لأنّهم يصومون ولا نصوم، ويصلُّون ولا نصلِّي، ويذكرون اللّه ولا نذكر )).
(262) وقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( لولا أن لا تدافنوا لدعوت اللّه أن يسمعكم عذاب القبر )) .(1/252)
(263)و أخبرني عبد الرحمن بن فضالة، عن مكحول، أخبرنا عمران الفاراماني، أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل، عن هشام بن يوسف، عن عبد الله بن بجير، أنه سمع هانئ مولى عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته. فقيل له: تُذْكَّرُ الجنّة والنّار فلا تبكي؛ وتبكي من هذا؟ قال: إنَّ رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: (( إنّ القبور أول منازل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينجُ فما بعده أشدَّ منه )).
(264) قال رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه )).
(265) عن أبي الحجاج الثمالي قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( إن القبر ليقول للميت إذا وضع فيه: ويحك يا ابن آدم ما غرَّك بي ألم تعلم أني بيت الوحدة، وبيت الدود، وبيت الآكلة؟ ما كان غرَّك بي إذا كنت تمشي فداداً - أو قال: تجوزني فداداً - )) .
وقيل في الفداد: الذي يُقَدِّمُ رِجْلاً، ويؤخر أخرى. والفديد: صوت الرِّجْل على الأرض. والفداد: الذي يسمع صوت رِجْله لإخفافها.
* لبعضهم:
لاخفافها فوق الفلاة فديد.
* وفي حديث: الفدادون أهل الوبر، يعني : أصحاب الجمل.
(266) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا علي بن إسحاق المادراني، حدَّثنا علي بن حرب، حدَّثنا خالد بن يزيد العدوي، حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة الأشهلي، عن مسلم، عن أبي مريم، عن عروة، عن عائشة، قالت: بينما النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على المنبر وأنا في حجرتي، يقول: (( أيُّها النّاس استحيوا من اللّه حق الحياء )). حتى ردد ذلك مراراً. فقال رجل: أنا أستحي من اللّه يا رسول الله، قال: (( فإن كنتم تستحيون من اللّه حق الحياء فليثبت أحدكم أجله بين عينيه، وليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر الموت والبلى )). فما زال يردد ذلك حتى سمعتهم يبكون حول المنبر.(1/253)
* وفي بعض الأخبار: (( وليذكر المقابر والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة
الدُّنيا )).
(267) وعن رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( القبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر جهنّم )).
* كان الحسن يقول: إن رجلاً من هذه الأمة كان يقول: إذا ذكرت الموت طار نومي، وأسهر ليلي، وأطال حزني، وكأن الموت صبحني أو مسَّاني، وكان إذا دخل المقابر نادى: يا أهل القبور بعد الرفاهية والنعيم ، معالجة الأغلال في النار، وبعد القطن والكتان لباس القطران، ومُقَطِّعَات النيران، وبعد تلطف الخدم ومعانقة الأزواج مقارنة الشيطان في نار جهنم مقرنين في الأصفاد.
* عمر بن ذر يقول: محلة الأموات أبلغ العظات.
(268) عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( كيف أنت يا عمر، إذا كنت من الأرض لأربعة أذرع في ذراعين، ثم إذا رأيت منكراً ونكيرا؟ قال: يا نبي اللّه، ما منكر ونكير؟ قال: فَتَّانَا القبر )).
* عن أبي بكر الهذلي، قال: كانت عجوز في عبد قيس متعبدة، وكانت إذا جاء الليل تحزمت ثم قامت إلى المحراب، فإذا جاء النهار خرجت إلى القبور، فبلغني أنها عوتبت في ذلك فقالت: إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى، وإني لآتي القبور وكأني أنظر وقد خرجوا من بين أطباق الثرى، فكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة، وإلى تلك الأجسام المتغيرة، وإلى تلك الأكفاف البالية، فياله من منظر لو أشربته العباد قلوبهم ما أشكل مرارته للأنفس، وما أشد تلفه للأبدان.
* مالك بن دينار: نحن رهائن الأموات وهم عليها محتبسون حتى نردّ إليهم الرهائن فيحشرون جميعا.(1/254)
* ميمون بن مهران: خرجت مع عمر بن عبدالعزيز إلى المقبرة، فلما نظر إلى القبور بكى ثم أقبل عليَّ فقال: يا ميمون، هذه قبور آبائي بنو أمية ،كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم، أما تراهم صرعى قد حلت فيهم المثلات، واستحكم فيهم البلاء وأصابت الهوام من أبدانهم مقيلاً. ثم بكى. وقال: والله ما أعلم أحداً أنعم ممن صار إلى هذه القبور، وقد أمن عذاب الله.
* ولما مات سليمان بن عبدالملك أدخله قبره عمر بن عبدالعزيز وابنه فاضطرب على أيديهما، فقال ابنه: عاش أبي والله، فقال عمر: لا والله ، ولكن عُوجِلَ أبوك.
* يزيد الرقاشي يقول في كلامه: أيّها المقبور في حفرته، المستخلي في القبر بوحدته، والمستأنس بطن الأرض بأعماله. ليت شعري!! بأي أعمالك استبشرت؟ وبأي إخوانك اغتبطت؟ ثم بكى حتى بل عمامته، ويقول: استبشر والله بأعماله الصالحة، واغتبط والله بإخوانه المتعاونين على طاعة الله. قال: فكان إذا نظر إلى المقبرة صرخ كما يصرخ الثور.
أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا أبو علي محمد بن مهران الأيدجي، حدَّثنا الغلابي، قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت هشام بن سليمان المخزومي، يقول: أجمع أهل الحجاز وأهل البصرة أنهم لم يسمعوا أحسن من بيتين كتبا على قبر عبد الله بن جعفر:
مقيم إلى أن يبعث اللّه خلقه .... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلىً في كل يوم وليلة .... وتُنسى كما تُبلى وأنت حبيب
* ولما نعي أبو يوسف في مجلس الفضيل فقال: اغبطوه الآن إن كنتم تغبطونه لما كان فيه من شرف الدنيا.
* وعاتبت أم بكر، بكر العابد فيما كان يحمل على نفسه من كد العبادة فأقبل عليها باكياً. ويقول: ليتك كنت بي عقيماً، إن لابنك في القبر حبساً طويلاً، ومن بعد ذلك ترحيلا.
* وكان هشام الدستوائي لا يطفي بالليل سراجه. فقالت امرأته: إن هذا يضر بنا إلى الصباح. فقال: ويحك إن أطفأته ذكرت ظلمة القبر فلم أًتَقَارَّ.(1/255)