باب في اتباع الجنازة وحملها وغسل الميت وزيارة الميت
(247) أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن الحسن، حدَّثنا أحمد بن محمد بن بحر، حدَّثنا عبده بن عبد الله، حدَّثنا عمرو بن أبي رزين، حدَّثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أبي عيسى الأسواري، عن أبي سعيد، أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: (( عودوا المريض ، وامشوا مع الجنائز تذكركم بالآخرة )).
(248) نافع عن ابن عمر، قال: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا تبع الجنازة أطال الصمت وأكثر حديث النفس.
(249) عبد العزيز بن أبي رواد قال: كان رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا تبع جنازة أكثر الصمات ، وأكثر حديث النفس، وكانوا يرون أنه إنما يحدث نفسه بأمر الميت، وما يرد عليه وما هو مسئول عنه.
(250) وعن أبي ذر، قال: قال لي رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( زر القبور تذكر بها الآخرة ، واغسل الموتى فإن في معالجة جسد خاو موعظة بليغة، وصلّ على الجنائز لعلّ ذلك أن يحزنك، فإنّ الحزين في ظل الله، وتعرض للآخرة )) .
(251) وعن أبي ذرّ رحمه الله، قال: قال لي رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( أوصيك فاحفظ لعلّ اللّه ينفعك به : جاور القبور تذكر بها الآخرة، وزرها أحياناً بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الميت يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي موعظة بالغة، وصلّ على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإنّ الحزن في أمر اللّه يعوض خيراً، وجالس المساكين وعدهم إذا مرضوا، وصلّ عليهم إذا ماتوا، واجعل ذلك مخلصاً، وكُلْ مع خادمك الطعام، ومع صاحب البلاء تواضعاً لله عزّ وجلّ عسى أن يرفعك اللّه يوم القيامة، والبس الخشن من الثياب والضيّق منها تذللاً لله عزّ وجلّ عسى العزِّ والفخرِ لا يجدان فيك مساغاً فتتزيّن أحياناً في عباد اللّه بالثياب الحسنة تعففاً وتكرُّماً وتحمُّلاً فإن ذلك لا يضرُّك، وعسى أن يحدث لك ذكراً )) .(1/246)


(252) ابن عبَّاس، قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( إذا مات لأحدكم ميت فأحسنوا كفنه ، وعجِّلوا إنجاز وصيته، واعمقوا له في قبره، وجنِّبوه جار السوء، قيل: يا رسول اللّه، وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: هل ينفع في الدنيا؟ قال: نعم. قال: وكذلك في الآخرة )) .
(253) وعن رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( عودوا المريض واتّبعوا الجنائز تذكركم الآخرة )) .
* عمَّار بن عطيَّة، قال: كنا في جنازة النَّوَّار بنت أعين بن ضبعة، وكانت تحت الفرزدق والحسن معنا فقال الفرزدق: تقولون فيها خير الناس وشر الناس؟ فقال الحسن: لست أنا بخير الناس ولا أنت بشر الناس فلما صلَّى عليها، قال الحسن: يا أبا فراس، ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ سبعين سنة. فقال: خذوها عن غير فقيه، فلما جلس الحسن، اجتمع الناس إليه، جاء الفرزدق فأنشده:
أخاف وراء القبر إن لم تعافني .... أشد من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد .... عنيف وسوَّاق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى .... إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلا .... سرابيل قطران لباساً محرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم .... يذوبون من حر الصديد تحرقا
قال: فرأيت الحسن قد ثنى كُمَّ قميصه ينتحب حتى بل كُمَّ قميصه.
* محمد بن سليمان الطفاوي: عن أبيه، عن جده، قال: شهدت جنازة النَّوَّار، فلما قال الحسن للفرزدق: ما أعددت لهذا المضجع يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ ثمانين سنة. فقال الحسن: فهذا العمود فأين الطنب؟ فقال الفرزدق: أخاف وراء القبر إن لم تعافني.. الأبيات. قال الراوي: فرأيت الحسن قد انساق بعضه في بعض وتداخل. وقال: حسبك يا أبا فراس.(1/247)


أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا ابن دريد، حدَّثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال: بعث معاوية إلى عبد بن مارية الجرهمي، وكان من المعمرين، فقال له: ما أدركت؟ قال: يوماً شبيهاً بيوم قبله، وليلة شبيهة بأختها، ومولوداً يولد، وحياً يموت. فقال: خبِّرْني بأعجب شيء رأيت؟ فقال: كنت في جنازة رجل فذكرت الموت والبلى فخنقتني العبرة فتمثلت:
يا قلب ، إنك في أسماء مغرورُ .... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير
استقدر اللّه خيراً وارضين بِهِ .... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطاً .... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
حتى كأن لم تكن إلا بذاكرة .... والدهر أيتما دهر دهارير
يبكي عليه غريب ليس يعرفه .... وذو قرابته في الحي مسرور
وقال لي رجل من أهل الجنازة ومشيعيها: أتعرف لمن الشعر؟ فقلت: لا. قال: هو لهذا المدفون، وأنت الغريب تبكي عليه، وأقاربه الذين يرثونه مسرورون.
* وقد كان في بعض الأخبار رجل متنسك صالح مات فلما دفن كان في ذلك الحي مجنون فجاء، حتى وقف على شفير القبر فحرك رأسه، ثم أنشأ يقول:
وصف الطبيب دواءه .... فهم بذاك يعالجونه
يرجون صحة جسمه .... هيهات مما يرتجونه
قال الراوي: فأبكى من هناك فلما فرغنا من دفنه دخلت الجبان أطلع في ألواح القبور فإذا في لوح مكتوب:
أيها الغافل عني اتعظ .... وارفض الدنيا لربي واحتفظ
من حدود اللّه ما عنه نهى .... وازجر النفس عن الدنيا وعظ
إنما الدنيا بلاغ ذاهب .... ولدى اللّه رغيبات وحظ
ثم سمعت دبيباً خلفي وحركة فإذا شيخ فقلت: يا شيخ، عظني، وأوجز فقال:
أرى الدنيا تجهز بانطلاق .... مشمرة على قدم وساق
فما الدنيا بباقية لحي .... ولا حي على الدنيا بباقي
فقلت له: زدني فقبض على عضدي وأشار إلى قبر وأنشأ يقول:(1/248)


تذكرت ما قد ضمنته المقابر .... وما بعدها مما أتتنا الأخابر
وموقف يوم للحساب وعرضة .... عليَّ وما يحصي عليَّ الكبائر
فأنكرت حال الناس في غفلاتهم .... وما لهم فيها تدين البصائر
فيا عجباً مني ومن طول غفلتي .... وعلمي بما قد ضمنته الضمائر
فإن أَكُ صديقاً بما جاء مؤمنا .... وأغفلت عنه إنَّ لبي لطائر
وإن كنت ذا شك مريب بعلمه .... مكذب ما قد جاء أني لخاسر
وإن لم يكن نار وبعث وموقف .... لكان نزول الموت فيها المرائر
وكيف بنار ليس يطفي سعيرها .... موارد قوم ليس عنها مصادر
فبادر إلى ترك الذنوب وتوبة .... فذو العرش قوام مليك وقادر
تفز غير شك في الإنابة عنده .... وأنت إذا أنت الحكيم المبادر
(254) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا عبدالعزيز بن يحيى، حدَّثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدَّثنا عبد الله بن محمد بن يحيى الرازي، حدَّثنا أبي عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، عن جابر، قال: سمعت رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: (( إذا كان حين يحمل عدو اللّه إلى قبره ينادي حملته: ألا تسمعون يا أخوتاه ما وقع فيه أخوكم الشقي، إنّ عدو اللّه خدعني فأوردني، ولم يصدرني ويقسم لي أنّه ناصح فغشّني، وأشكو إليكم دنيا غرّتني حتى إذا اطمأننت إليها صرعتني، وأشكوا إليكم أخلاء الهوى سروني ثمّ تبرأوا مني وخذلوني، وأشكوا إليكم أولاداً حاميت عليهم وآثرتهم على نفسي، فأسلموني، وأشكو إليكم ما لا منعت منه حقَّ اللّه فكان وَبَالُهُ عليَّ ونفعه لغيري، وأشكو إليكم طول الثوى في قبر ينادي أنا بيت الدود، وبيت الظلمة، والبعد، والوحشة، والضيق، والغربة، والعذاب، يا أخوتاه، فأجيبوني ما استطعتم، واحذورا مثل ما لقيت فإنِّي قد بشرت بالنّار وغضب الجبَّار، فيا حسرتاه على ما فرطت في جنب اللّه، ويا طول ثبوراه، مالي من شفيع مطاع، ولا صديق حميم، فلو أنّ لي كرة فأكون من المؤمنين ))، قال: كان يبكي أبو جعفر محمد بن علي إذا ذكر هذا.(1/249)


أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا أبو عبد الله المفسر يعرف بغلام رهان، حدَّثنا أبو حاتم السجستاني، حدَّثنا عبد الله بن حرب،حدَّثنا خلاد بن يزيد الباهلي، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه تبع جنازة فلما دفنت وقف في المقابر، فقال: يا أهل الغربة والبلى، وأهل التربة والكربة، أما أموالكم فقد قسمت، وأما نسائكم فقد نكحت، ومساكنكم فقد سكنت، هذا خبر ما عندنا فماذا خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه، فقال: والذي نفسي بيده لو أذن لهم بالنطق لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.
* مُصَنِّفُه: الجنازة مركب الآخرة، وصاحبها محبوس ليلحق به أشياعها، ومرتهن ليشاركه اتباعها، عجباً!! لهم كيف يذهلونه؟ وقد عاينوأُ اسرته، وغربته، وحسرته، وحفرته، ووحدته، ووحشته، وضيق مضجعه، وذلة مرجعه، وظلمة موضعه، وسوء حاله، وسؤاله هيهات هيهات ما أغفل الأحياء عما حل بالأموات، فكأنك يا مطول على سرير المنايا محمول، وإلى دار البلاء عن قريب منقول، وبعد ذلك موقوف مسئول الآن.الآن.أيُّها المفتون بنعيم دار، فصاحبه غدار، ومطالبه عرار، إما بفادح فوت، أو بكادح موت، سرورها غرور، ولذتها شرور، وسلامتها بمرصد الغير والحدثان، وسطوة التقلب وعتو الزمان ، روحها كدر، وأنسها شرر، ومرورها عبر، تؤذن كل وقت بمزاحمة الحمام، ومراجعة الإنتقام، ومغافصة يد البأس، فما أنت فيه بالإيناس، وأنت متماد هائم في غيك، ومتعلق بغيك، الجمك عن غي الهوى وشقاء المنى، تمسي وتصبح لهيَّا غفولاً عما خُلقت، وعما أُمرت، وعما نُهيت، وإلى ما دُعيت، فكأنك مهمل سدى، وممرح لا يرعى، يرضيك بنعمته، وتسخطه بمعصيته، تحبب إليك بإحسانه، وتتبغض إليه بعصيانه، أما تستحي من طول ما لا تستحي والسلام.
* أبو العباس بن مرزوق، قال:حضرت جنازة حضرها محمود الوراق فلما دفن أنشد محمود لنفسه:(1/250)

50 / 101
ع
En
A+
A-