باب في الغموم والأحزان للقيامة
(201) أخبرني أبو علي عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل، أخبرنا مكحول بن الفضل، حدَّثنا عمران الفارماني، حدَّثنا حميد بن زنجويه، عن عبد الله بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن اللّه يحب كل قلب حزين )) .
(202) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((المؤمن حزين )).
* وعن زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام: يا ابن آدم ما تزال بخير ما دام الحزن لك دثاراً.
* بكر بن عبد الله: قد حالت النار بين المؤمن وبين لذة العيش يصبح حزيناً ويمسي كئيباً.
* داود الطائي: كيف يتسلى من الحزن من تجدد عليه المصائب في كل وقت؟
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: آه من قلة الزاد وبعد السفر.
* وقال تعالى: ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيب ?[هود:75]، قيل: لكثرة ما كان يتأوه من أمر القيامة.
* ويقال: سمي نوح نوحاً عليه السلام لكثرة ما كان ينوح على نفسه. وأن يحيى بن زكريا عليه السلام لما اعتقل بالصومعة فكان يبكي حتى أكلت دموعه لحوم مجاريها من خديه.
* وقيل ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب وهو ابن أربع سنين. فقال: ما لللعب خلقت فذلك قوله تعالى: ?وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّا ?[مريم:12].
* مروان بن أبي بكر: شقي قوم فهم مسرورون مغتبطون، وسعد قوم آخرون فهم مغمومون محزونون.
* الأنطاكي: نعم الصاحبان: الغم والحزن.
* بكر العابد: كل حزن يبلى في الدنيا إلاَّ حزن الذنوب.
* وعن داود النبي صلَّى الله عليه: إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت عليَّ الأرض مع رحبها .
* مالك بن دينار: إن القلب إذا لم يكن فيه حزن كالبيت إذا لم يسكن فيه خرب.
* وعن موسى بن سعيد الراسي: إن لكل شيء لقاحاً وإن لقاح الصالحين الحزن.(1/206)


* إبراهيم التميمي: ينبغي لمن لم يحزن ولم يخف يشفق، أن يخاف إلاَّ أن يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ?[فاطر:34]. وقالوا: ?إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ?[الطور:26].
* وقال تعالى: ?وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامَاً،إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَراً وَمُقَامَاً?[الفرقان:65،66]. فأخبر تعالى: أنهم لا يأمنون العذاب (يقولون) فيكونون من ذلك وجلين خائفين.
* مُصَنِّفُه: فمن تصور موقف الحساب، وموبقة العذاب، ولا يأمن إلى أي الدارين مصيره. كان وجلاً، والحزن مقترناً باعتقاده، والخوف مستولياً على فؤاده، لا يهنا عيشه، ولا يجد للذته موقعاً، ولا لما يفيده من أسباب الحياة مهنأً ومرتعاً. إذا أصبح لم يأمن فتك المنية، ولم يثق بمحل العيشة، وإذا أمسى لم يركن إلى طوع الحليله ليله ونهاره يطحنانه بأحزان ما اللّه قاض فيه. فمَن هذه حالته ومنقلبه كيف لا يحزن ولا يغتم؟ فإن رضي عنه فاز وسعد. وإن اعتلق بسخطه بار بواراً لا إنحياز له. فحزنه منع طعامه، وحزنه منع عن الذنوب إقدامه، وذكر الموت قطع عن الدنيا اهتمامه، والرجاء ثبت على العبادة إقدامه.
* لبعضهم: حقيق من كان الموت موعده، والقبر مورده، والقبر والحساب عند اللّه مشهده، أن يطول بكاؤه وحزنه.
* وعن عبدالواحد بن زيد: لو رأيت الحسن لقلت: قد صُبَّتْ عليه أحزان الخلائق كلهم من طول تلك الدمعة وكثرة النشيج.
* وحكي: أن رابعة سمعت رجلاً يقول: وا حزناه. قالت: لا تقل هكذا. قل: وا قلة حزناه لو كنت حزيناً لم تنتفع بعيش.
* ابن عيينه: لو أن حزيناً بكى في أمة لرحم اللّه تلك الأمة من بكائه.
* أبو ثور بن يزيد: المؤمن ليحزن حتى ينكسر الحزن في قلبه.
* عن مجاهد: ما رأيت الحسن قط إلا فكأنَّه قد أصابته مصيبة.(1/207)


* الربيع بن خثيم: ما أجد أحداً في الدنيا أشدَّ هماً من المؤمن شارك أهل الدنيا في هم المعاش وتفرد بهمّ أحزانه.
* حاتم الأصم: ?ألاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِِ ?[فصلت:30]. قال: إنما يقول ذلك: لمن يحزن ويخاف. فأما الآمن المسرور فلا يقال له: لا تخف ولا تحزن.
* وقيل لهرم بن حيان: ما أكثر همك؟ شهرك ودهرك همّ. قال: استحياء من ربي بما أفضيت إليه من المعاصي.
* وعن بعض من تخلف عن زيد بن علي عليه السلام وقعد عنه: أنه بقي زماناً مدبراً لا يمد ببصره إلى السماء. فقيل له: في ذلك. فقال: استحياء من الله.
* معاذ بن جبل: إن المؤمن لا يطمئن قلبه ولا تسكن روعته حتى يخلف جسر جهنم.
* وقيل لبشر بن الحرث: مالي أراك مهموماً؟ قال: إني مغلوب.
* عن أبي صفوان العابد: من طال حزنه وخوفه يوشك أن يبلغ مأمنه.
* سفيان: ما أطاق رجل العبادة إلا بالخوف والحزن.
* أنس بن مالك: أول من يرد الحوض على رسول اللّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: الذابلون، الناحلون، السائحون، الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن.
(203) وعن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ((إذا اقشعر جلد المؤمن خشية اللّه تحاتت عنه خطاياه كما تحاتت الورق عن الشجر)) . أي تناثرت.(1/208)


باب في كلمات النَّبيّ (ص) لأمير المؤمنين علي (ع)
(204) قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (( يا علي لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العُجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكر )) .
(205) (( آفة العلم النسيان، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة السماحة المن، وآفة الشجاعة البغي، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفجور )) .
(206) (( يا علي أربع خصال من الشقاء : جمود العين، وقساوة القلب، وبُعد الأمل، وحب النفاق )) .
(207) (( يا علي، أنهاك عن ثلاث خصال عظام : الحسد، والحرص، والكبر )).
(208) (( يا علي، سيد الأعمال ثلاث خصال : إنصافك للناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر اللّه تعالى على كل حال )) .
(209) (( يا علي، إن من أبواب البر: سخاء النفس ، وطيب الكلام، والصبر على الأذى )).
(210) (( يا علي، ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا : لقاء الإخوان، والإفطار من الصوم، والتهجد في آخر الليل )).
(211) (( يا علي، ثلاث من لم تكن فيه لم ينفعه عمله : ورع يحجزه عن معاصي الله، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل )) .
(212) (( يا علي، ثلاث موبقات : نكث الصفقة، وترك السنة، وفراق الجماعة )).
(213) (( يا علي، ثلاث منجيات : تكف لسانك، وتبكي على خطيئتك، ويسعك بيتك )).
(214) (( يا علي، ثلاث من حقائق الإيمان : الإنفاق في الإقتار، وإنصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم )) .(1/209)


(215) (( يا علي، أوصيك بخصال فاحفظهن، اللهم أعنه: أما الأولى: فالصدق لا يخرج من فيك كذبة أبداً، والثانية: الورع لا تجترين على جناية أبداً، والثالثة: الخوف من اللّه تعالى كأنك تراه فإن تك لا تراه فإنه يراك، والرابعة: كثرة البكاء يبنى لك بكل دمعة بيتاً في الجنة، والخامسة: بذل مالك.والسادسة: الأخذ بسنتي في صلواتي وصدقتي. أما الصلاة فخمسون، وأما الصيام فثلاثة أيام في كل شهر الخميس في أوله، والأربعاء في وسطه، والخميس في آخره، وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت، ولم تسرف عليك بصلاة الليل، عليك برفع يديك في الصلاة وتقليبهما، عليك بتلاوة القرآن على كل حال ، عليك بالسواك بكل صلاة، عليك بمحاسن الأخلاق فارتكبها ومساوئها فاجتنبها. فإن لم تفعل فلا تلم إلا نفسك )).
(216) (( يا علي، للمؤمن ثلاث علامات : الصلاة، والزكاة، والصيام، وللمتكلف ثلاث علامات: متخلق إذا حضر، ومغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة، وللظالم ثلاث علامات: يقهر من دونه بالغلبة، ومن فوقه بالمعصية، ويظاهر الظلمة، وللمرائي ثلاث علامات: ينشط عند الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع أموره، وللمنافق ثلاث علامات: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وللكسلان ثلاث علامات: يتواني حتى يفرِّط، ويفرِّط حتى يضيِّع، ويضيِّع حتى يأثم، وليس ينبغي للمؤمن أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمَّة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم )).
(217) (( يا علي: إن من اليقين أن لا ترضي أحداً أسخط الله ، ولا تحمد أحداً على ما أتاك الله، ولا تذم أحداً على ما لم يأتك الله به، فإن الرزق لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهة كاره، فإن اللّه بحكمته وعلمه جعل الهم والحزن في السخط )).(1/210)

42 / 101
ع
En
A+
A-