باب في الخوف مِن الله وعذابه
* قال تعالى: ?وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ?[البقرة :281].
(198) وروي عن ابن عباس أنها آخر آية نزل بها جبريل عليه السلام قال: ضعها يا محمد في رأس الثمانين والمأتين من البقرة، وتأمل رحمك الله بأي وعيد للمكلفين ختم الله سبحانه كلامه.
* وقال تعالى: ?وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ?[البقرة :281].
* وقال تعالى: ?إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ? [هود :102].
* وقال تعالى: ?وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ?[الحجر :50]. إلى ما شاكل من الآيات.
(199) أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل، أخبرنا مكحول بن الفضل، أخبرنا الحسن بن الأشرف، أخبرنا أحمد بن عبد الله، عن عبدالحكيم بن ميسرة، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( العبد المؤمن بين مخافتين : أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه، وبين آجل قد بقي لا يدري ما اللّه قاض فيه فليتزود العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته. فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار )).
(200) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( يقول اللّه تعالى: لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين من خافني في الدنيا أمَّنته يوم القيامة، ومن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة )).
*عن حبة العرني، عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن طال بكاؤك في الليل مخافة من اللّه تعالى قرت عينك غداً بين يدي اللّه، إنه ليس كقطرة قطرت من عيني رجل بكى من خشية الله.(1/201)


*عن سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام: يا ابن آدم إنك لا تزال بخير ما دام واعظ لنفسك وما كان المحاسبة من همتك وما كان الخوف لك شعاراً، والحزن لك دثاراً، يا ابن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي اللّه فأعد جواباً.
* وهب بن منبه: خُلِقَ ابن آدم أحمق ولولا حمقه ما هنأ عيشه.
* أبو بكر بن أبي قحافة: وددت أني حصر تأكلني الدواب مخافة العذاب.
* أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كنت كبشاً لأهلي فيُتعرَّق لحمي ويُتحَسى مرقي ولم أخلق.
* الحسن: المؤمن لا يزداد إحساناً إلا إزداد من اللّه خوفاً.
* وسئل المغيرة عن مجالسي الحسن، قال: يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى كادت قلوبنا تطير؟ قال: يا شيخ إنك والله أن تصاحب قوماً يخوفونك حتى يدركك أمن، خير من أن تصحب قوماً يؤمنونك حتى تلحقك المخافة.
* سعدون والداراني: إذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب.
* ثابت البناني: لو وزن خوف المؤمن ورجاه لاستويا.
* عمر بن عبدالعزيز: إنما جعلت هذه الغفلة في قلوب العباد رحمة لهم لئلا يموتوا من خشيته.
* وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام فيما ناجى اللّه به موسى عليه السلام: ما تعبد إليَّ المتعبدون بمثل البكاء خشية من عقابي. قال: بما تجازيه؟ قال: افتش الناس كلهم ولا أفتشهم استحياء منهم.
* وعن بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: إن ناراً وقعت في داره وهو في صلاته. فاشتعلت وأحرقت وطفئت وهو لا يشعر. فقيل له: في ذلك. فقال: شغلتني نار الآخرة عن نار الدنيا.
أخبرني إجازة: الشريف أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني، عن مشائخه، عن أبي عبد الله الفارسي، قال: حججنا مع القاسم بن إبراهيم الحسني رحمه الله. فاستيقظت في بعض الليل وفقدته فأتيت المسجد الحرام وإذا أنا به وراء المقام لاطياً بالأرض ساجداً وقد بَلَّ الثرى بدموعه وهو يقول: إلهي من أنا فتعذبني فوالله ما يشينن ملكك معصيتي، ولا يزين ملكك طاعتي.(1/202)


* بشر بن الحارث: من خاف اللّه دلَّه الخوف على كل خير.
* حماد بن عبدربه كان إذا جلس جلس مستوفزاً على قدميه. فقيل له: لو اطمأننت؟ قال: تلك جلسة الآمن وأنا غير آمن إذا غضب الله.
* عطاء السلمي: كان إذا سمع صوت الرعد يقوم ويقعد ويأخذ ببطنه كأنه امرأة ماخض ويقول: كنت أرجو أن أموت قبل مجيء الشتاء.
* الشعبي: قال اللّه تعالى:[لعله لنبي من أنبيائه ] أتخاف غيري؟ قال: نعم يا رب ممن لا يخاف منك. قال: حق لك أن تخاف ممن لا يخافني.
* عمر بن الخطاب: من خاف اللّه لم يشف غيظه، ومن اتقى اللّه لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة كان الأمر غير ما ترون.
* عمر بن عبد الغفار: الرجاء كله لأهل الخوف، والخوف كله لأهل الأمن، قال اللّه تعالى: ?أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً?..الآية.[الأعراف:97]
وقال: ?أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ?..الآية [الأعراف:99].
* مالك بن دينار: ما اشتهي في الآخرة إلا أن يقيمني اللّه بين يديه فيقول: أنا عنك راض، ثم يقول: كن [لي] تراباً.
* علي بن بكار: مكث عطاء السلمي أربعين سنة على فراشه من الخوف فكان يصلي مومياً ولا يقوم ولا يخرج، وكان أبو ميسرة إذا آوى إلى فراشه يقول: ياليت أمي لم تلدني. قالت امرأته: يا أبا ميسرة إن اللّه قد أحسن إليك وهداك إلى الإسلام. قال: أجل. ولكن اللّه قد بين لنا أنا واردون النار ولم يبين لنا أنا صادرون عنها.
* الفضيل: إني لا أغبط ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا عبداً صالحاً أليس هؤلاء يعاتبون يوم القيامة؟ أنا أغبط من لم يخلق.
* يحيى بن آدم: مرض الثوري فذهبت ببوله إلى الديراني فلما نظر إلى البول قال: أليس هذا بول حنيفي؟ قال: بلى. فجاء معي فجس عرقه ونخس بطنه فقام ثم قال: ما ظننت في الحنيفية مثل هذا. هذا رجل قد قطع الخوف كبده.(1/203)


* وعن عمر بن الخطاب: أنه سمع رجلاً يقرأ?هَلْ أَتَى عَلَى الإْنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا?[الدهر:1]. فقال: ياليتها تمت.
* عطاء السلمي: لو أن ناراً أوقدت فقيل: من ألقى نفسه فاحترق صار لا شيء لخشيت أن أموت من الفرح قبل أن أصل إلى النار.
* إسحاق بن خلف: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، ولكن الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه.
* الفضيل: إذا قيل لك: تخاف الله؟ فاسكت .لأنك إذا قلت: لا. فقد جئت بأمر عظيم. وإن قلت: نعم. فالخائف لا يكون مثلك. ومن خاف اللّه كلَّ لسانه. وقال: واسوأتاه وإن غفرت.
* وقيل لأويس: ما أوثق ما تثق به من عملك؟ قال: لقد نزلت هيبة من اللّه في قلبي حتى ما أهاب شيئاً غيره.
* أويس: كن في اللّه كأنك قتلت الناس كلهم جميعاً.
* ابن المبارك قال: إني لم أنم البارحة ولم أصل. فقيل: فكيف يكون ذلك؟ فقال: كنت اتفكر في الخلق الليلة كلهم ناموا وهم من شري آمنون.
* وأنشدني أبو الحسن بن فارس: لبعضهم وقيل: إنها لابن المبارك:
إذا ما الليل أظلم كابدوه .... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا .... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
* وعن عائشة: ليتني كنت نسياً منسيا ولم أقاتل علياً عليه السلام.
* عاصم بن عبيدالله: كان زيد بن علي عليه السلام إذا قرأ آية وعيد غشي عليه كأنه شجرة ملقاة.
* مُصَنِّفُه: الخائف من ترك هواه لرضاه.(1/204)


* مُصَنِّفُه: والخوف ثلاثة: أحدها دنيوي وذلك عام في العامة يعلمون أنه يجب أن يخاف اللّه تعالى إذ لا أمان من العقاب، وثانيها: عارض لسماع آية وعيد وموعظة واعظ وتذكير مذكر ومشاهدة عبرة من ابتلى بعلة ومعاينة جنازة وميت ومقبرة إلى ما شاكلها فذلك رقة البشريه كما في النساء وانزجار كانزجار البهائم ليس له أصل ثابت وعماد مستقر، وثالثها خوف صدر عن رسوخ المعرفة بالأدلة المفصلة بما تنهيه، خواتيم الأعمال إليه من الجزاء. إما السعادة الدائمة، وإما الشقاوة الدائمة فدب في القلب فبلغ منه مبلغاً تجنب ما نهاه وامتثل ما إليه هداه همته في فكاك رقبته ونجاة حشاشته، فذلك الهارب الخائف قال اللّه تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ سُجَّدًا، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً، وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعَاً ?[الإسراء:107-109].
* وقال تعالى: ?تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنَ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ?[السجدة:16].وقال تعالى: ?وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ?[الأنبياء:28]
* وقال تعالى: ?إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ?[الأنبياء:90].
* وقال تعالى: ?وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ? ?[الرعد:21].(1/205)

41 / 101
ع
En
A+
A-