* واستعمل زياد بن أبيه الدعي ، عمران بن حصين على بعض الثغور قال: فكتب إليه بأمر فيه بعض ما لا يرضي عمران فكتب إليه عمران: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فكتب إليه زياد: خذ حذرك فقد بسطت إليك يميني. فقال عمران: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم كتب إليه: بلغني كتابك ووعيدك وأيم اللّه لو كانت السماء والأرض رتقاً على عبد متقي لجعل اللّه له منه مخرجاً وفرجاً فامض لما تريد. قال: فسلط اللّه على يمين زياد قرحة كانت منها منيته وميتته وشغله اللّه بها عن عمران بن حصين.
* وهيب بن الورد: كنت في أرض الروم فأتاني صاحب لي فقال: سمعت من هذا الجبل صوتاً وهو يقول: يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يستعين بأحد غيرك؟ وعجبت لمن يعرفك كيف يرجو أحداً غيرك؟ وعجبت لمن يعرفك كيف يتعرض لغضبك برضى غيرك.
* وعن الحسن: لا تخافن من ذي ملك فإنه عبد لسيدك. ولا تطمعن في ذي مال فإنه يأكل من رزق سيدك. ولا تحسبن لذي خير فإنه عامل لسيدك.
* إبراهيم بن أدهم: اتخذ اللّه صاحباً ودع الناس جانباً.
* وحبس زياد ابن أخي صفوان بن محرز فلم يدع صفوان أحد من الوجوه إلا حمله إليه فلم يرَ لحاجته نجاحاً وانفتاحاً. فأتاه آتٍ في منامه على مصلاه فقال: يا صفوان أطلب حاجتك من قبل وجهها [فانتبه فدعا الله ونام فدعا الحاجب] . فقام فزعاً فقال: انتبه الأمير في جوف الليل فدعا بالنيران والشرط ونودي في السجن أين ابن أخي صفوان أخرجوه فإن الأمير قد منع النوم.
* لمُصَنِّفِه:
إذا خسرت يداك لعسر أمر .... ففوض منه فاتحة العسور
إذا أكديت في طلب توكل .... فنعم العون ذلك في الوعور
* وحبس ابن أخ لمطرف، فلبس خلقان ثيابه، وأخذ عصاه بيده، وانطلق. فقالوا: إلى أين يا أبا عبد الله؟ فقال: أذهب إلى ربي عسى أن يشفعني في ابن أخي.(1/191)
* وبلغني: عن بعض الفاطميين، أظنه أحمد بن عيسى الزيدي، وقد كان تزوج في تواريه عن المسودة بامرأة فولدت له ابنة فلما بلغت الإبنة كانت امرأته تلح عليه في أن يزوجها من ابن أخيها. ولم يكن يسمح بذلك، ولا يجسر على إظهار نفسه عليها. فلما صعب عليه الأمر قام ليلاً يكابده إلى صباحه بالقرب من فراش ابنته ليسأل اللّه الكفاية في أمرها فلما أصبحوا وكشفوا الغطاء عنها فكانت قد جادت وماتت.
* الفضيل: أحب الناس إلى الناس: من استغنى عن الناس، وأبغض الناس إلى الناس: من احتاج إلى الناس، وسأل الناس، وأحب الناس إلى الله: من احتاج إلى الله. وسأل اللّه شيئاً. وأبغض الناس إلى الله: من استغنى عن اللّه ولم يشكر اللّه شيئاً.
(191) وقد روي أظنه - عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ارغب فيما عند اللّه يحبك الله . وارغب عما عند الناس يحبك الناس )) .
* ابن المبارك: إن الرجل لينقطع إلى ملوك الدنيا فيرى أثره عليه فكيف بمن انقطع إلى اللّه تعالى.
* عياض بن عبد الله: فوَّض أمرك إلى اللّه تستريح.
* سليمان الخواص: الجأ إلى من شئت أن تلجأ إليه، فلو أَلجأت الأمر إلى اللّه لكفاك.
* وأتى عبيدالله بن زياد خارجي، فأمر بقتله فقال :إن رأيت أن تؤخر قتلي إلى غد فافعل. قال عبيد الله بن زياد(لعنهما الله ) وما ينتفع بها وإنما هو بياض نهار وسواد ليل فأخَّره فلما ولَّى الخارجي أنشأ يقول:
عسى فرج يأت به اللّه إنه له كل يوم في خليقته أمر
فسمعه عبيدالله فقال له: أعد. فأعاد فخلى سبيله.(1/192)
* وعن المرزباني: أن يزيد بن معاوية قدم عليه شاب خارجي فأمر بضرب رقبته فولى عنه وهو يحرك شفتيه. فقال يزيد للحرس: ماذا يقول هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين يقول: عسى فرج يأت به اللّه إنه.. البيت فقال: أمثلي يستخدع بالشعر؟ والله لأضربن رقبته فكان الهيثم ورد عليه رسولاً من العراق من عبيدالله بن زياد فسأل عن الشاب فإذا به ابن عمه فتقدم إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين هب مجرم قوم لوافدهم. فوهبه منه. فخلى عن الخارجي. فالتفت إلى يزيد وقال: تأليت أن لا تفعل الخير وأبى اللّه إلا ذلك.
* لمُصَنِّفِه:
لا تحزنن لشر سوف يأتيكا إن العواقب قد تولي أمانيكا
* لبعضهم:
إذا ضَيَّقْتَ أمراً زاد ضيقاً .... وإن هَوَّنْتَ ما قد ضاق هانا
فلا تجزع لأمر ضاق باسا .... فكم صعب تشدد ثم لانا
* لمُصَنِّفِه:
إذا لجت عليك بكل وجه .... عواصف كربة حرج الصدور
تيقن ما خصصت بريب دهر .... كذاك الدهر في كل الدهور
فحزن أو سرور ليس يبقى .... لطبع كالسحابة بالمرور(1/193)
* ولما لبث يوسف عليه السلام في السجن سبع سنين جاءه جبريل بالبشارة. فقال له جبريل: تعرفني أيُّها الصِّديق؟ فقال له يوسف عليه السلام: إني أرى صورة طاهرة، وروحاً طيبة، لا تشبه أرواح المذنبين. وأنت سيد المرسلين ورأس المقدسين جبريل. فقال عليه السلام: أولم تعلم أيُّها الصديق أنَّ اللّه يطهر البيوت تطهيره النبيين؟ قال يوسف عليه السلام: كيف تشبهني بالصالحين، وتسميني بأسماء الصديقين، وتعدني مع آبائي المخلصين، وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين؟ فقال جبريل عليه السلام: لم يكلم قلبك الجزع، ولم يغير خلقك البلاء، ولم يتعاظمك السجن، ولم تطأ فراش سيدك، ولم ينسك بلاء الدنيا بلاء الآخرة، ولم تنسك نفسك أباك ولا أبويك ربك، وهذا الزمان الذي يفك اللّه به عسرك، ويعتق به رقك، ويبين للناس حكمك، ويصدق رؤياك وينصفك ممن ظلمك، ويهب لك مصر تُذلُّ لك جبابرتها.
* مُصَنِّفُه: فأعز نفسك بالإفتقار إليه، ولا تفقرها بالإستغناء عنه. وأعزها بالإذلال لله، ولا تغرها بالإباء عليه. فإن النواصي بيديه ولا مرتجى ولا ملجأ إلا إليه.
* عبد العزيز بن العمير الكندي: جاء جبريل عليه السلام إلى يوسف عليه السلام فقال: لتلبثن في السجن بضع سنين فقال: هو عني راض ؟ قال: نعم. قال: لا أُبَالي.(1/194)
باب في التخويف
* قال اللّه تعالى: ?وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ?[الإسراء:59].
* وقال تعالى: ? أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ? [الأعراف:97-99].
* وقال تعالى: ?لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ?[الكهف:58].
* وقال تعالى: ?وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ?[فاطر:45].
* وقال تعالى: ?وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ?[الإسراء:60 ].
* وقال تعالى: ?بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ?[القمر:46].
* وقال تعالى: ?أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ?[الملك:16،17].
وسائر آيات الوعيد ذكر منه تعالى للمكلف.
(192)أخبرني أبوالحسن علي بن أحمد،أخبرنا أبوأحمد،حدَّثناالحسن بن خلف، حدَّثنا بشر بن خالد، حدَّثنا غندر، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، عن ابن عباس: أنه كان عند الحجر ومعه محجن يضرب به الحجر ويقبله فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أيُّهَا النَّاسُ ?اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ? [آل عمران:102]، ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرَّت على أهل الأرض معيشتهم فكيف من هو طعامه وشرابه ليس له طعام غيره )) .(1/195)