* ولبعضهم:
إذا لم يعنك اللّه فيما تريده .... فليس لمخلوق إليه سبيل
وإن هو لم ينصرك لم تلق ناصراً .... وإن جلَّ أنصار وعزَّ قبيل
وإن هو لم يدللك في كل مسلك .... ضللت ولو أن السماك دليل
(187) أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن موسى، حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا المعتمر بن سليمان، حدَّثنا كهمس بن الحسن، عن أبي السليل، عن أبي ذر رحمه اللّه قال: قال نبي اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني لأ علم آية لو أخذتها الناس كلهم كفتهم )). قالوا: يانبي اللّه أي آية؟ قال: (( ?وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا?[الطلاق:2] )) .(1/186)
باب الفزع إلى اللّه عند النوائب والاستعانة به والإفراج عنها
(188) أخبرنا أبو علي عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل، أخبرنا مكحول بن الفضل، حدَّثنا عبد الصمد بن الفضل، أخبرنا ابن بكير، عن الليث، عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس، قال: كنت رديف رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( يا غلام إني معلمك كلمات : احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فلو أن الأمة اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه اللّه لك لم يقدروا، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا، طويت الصحف، وجفت الأقلام )) .
معنى قوله: لم يقدروا: أي لم يفعلوا. ولم يقع خلاف معلومه فلذلك قال: جفت الأقلام. لأن دلائل العقول دلت على أنه يقدر أحدنا على الإضرار بغيره مع أن المعلوم أنه لا يفعله لأن صحة فعله يجدها أحدنا من نفسه: وهي دلالة كونه قادراً عليه. ولو لم يقدر على الضرر بالغير لم يستحق بتركه الثواب فكيف وهو من أخبار الآحاد.
* وكتب الحجاج إلى محمد بن الحنيفة يوعده سطوته فكتب إليه ابن الحنفية: إن لله تعالى في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح، يعز ويذل، ويبتلي ويفرج، ويفعل ما يشاء، فلعل في نظرة منها ما يبتليك بنفسك فتشغل ولا تتفرغ إليَّ.
(189) ابن سمكة: بسنده إلى الربيع: أن أبا جعفر الدوانيقي غضب على جعفر بن محمد الصادق عليه السلام غضباً ارتبت أن يعطب على يديه. فاستدعاه فلما حصل عنده قال جعفر عليه السلام: مدَّ إلي يدك. وهو يحرك شفتيه يناجي اللّه تعالى. فقال: وما تعمل بيدي؟ قال: سمعت آبائي، عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا ما مست الأجساد الأجساد هاجت الأرحام )).
فتركه وخلى عنه. فسأله الربيع عن تحريك شفته؟ فقال: دعوت اللّه تعالى مستغيثاً به منه بكلمات.(1/187)
* وحكى التنوخي: أن هارون الملقب بالرشيد كان حبس واحداً عصياً من أولاد الحسين عليه السلام فأمر بعض خدمه بقتله ليلاً في موضع كذا. فحمله إلى ذلك الموضع ليقتله. فسأله الحسيني أن يمهله ليصلي ركعتين. فأمهله. فأحرم لصلاته فلم يفرغ منها إلا وقد أظلتهما سحابة مظلمة لا يرى أحدهما صاحبه، وأرسلت مطراً شديداً. فلما انجلت السحابة فكان الحسيني قد غاب ونجا.
* قال أنس بن مالك: كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فجاءت امرأة من بني سليم ومعها ابن لها تريد الإسلام فأسلمت وبايعت فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض نسائه وصير الغلام مع أصحاب الصفة.فمرض الغلام ثم أنه حدث عليه حدث الموت. فأعلمنا أمه. فجاءت فجلست عند رأسه فحمدت اللّه جل ثناءه وأثنت عليه ثم قالت: اللهم إنك تعلم أني دخلت في الإسلام رغبة، وتركت الأوثان رهبة، وهاجرت إلى نبيك طاعة، وقد أصبت بابنين فلا صبر لي عن مصيبتي هذه. فلا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من مصيبتي إلا ما طاقة لي به. ودعت ورددت هذا الكلام قال: فحرك الغلام رجله واستوى جالساً وعاش حتى دفن أمه.
* لمُصَنِّفِه:
فما لك خائباً قرح الجنان .... جريح الصدر تشكو عن زمان
فكل معسر يرجوه يسرا .... فلا تبقى الكروب على امتحان
فكم من خائب أمسى كئيباً .... فأسفر صبحه يسري العنان
ألم تسمع إجابة من دعاه .... ستطرق عند منقطع الأمان
* وما تمثل به سهم بن طريف للأسود بن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرق .... تركوا منازلهم وبعد إياد
أرض الخورنق والسدير وبارق .... والقصر ذي الشرفات من شداد
تركوا بأنقرة يسيل عليهم .... ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض تخيرها لطيب مقيلها .... كعب بن مامة وابن أم دواد
أين الذين بنوا فطال بناؤهم .... وتمتعوا بالأهل والأولاد
جرت الرياح على محل ديارهم .... فكأنَّهم كانوا على ميعاد
فأرى النعيم وكل ما يلهي به .... يوماً يصير إلى بلى ونفاد(1/188)
* ابن سمكة: أن يعقوب بن داود حبسه محمد بن جعفر في مطمورة بضعة عشرة سنة فرأى أمير المؤمنين علياً عليه السلام في منامه فشكى إليه ما به. فقال: أدع اللّه تعالى بدعاء الفرج. قال: وما دعاء الفرج؟ قال: قل: يا محسن، يا متفضل، ياذا النوافل والنعمة العظيمة، ياذا العرش العظيم... وانتبه وقد تحفظه، فاغتسل وأحرم لصلاته ودعا اللّه تعالى به. فناداه السجان: يا يعقوب الفرج فأخرجه هارون في خلافته.
* وروي أن القاسم بن إبراهيم عليه السلام لما اشتد به الطلب من المسودة أوى البادية يطوف فيها، وكانوا يطلبونه فيها، فهرب عنهم في بعض مواضعه والخيل تطلبه. فإذا امرأته قد ولدت وماتت فلا يجد معيناً، والولد بين يديه وقد تحير ودهش فدعا اللّه تعالى بأن يكفيه ويفرج عنه فمات الولد ونجا هو منهم.
* عمر بن عبد العزيز بن عمير:صفة الأولياء ثلاث خصال:الثقة بالله في كل شيء، والفقر إلى اللّه تعالى في كل شيء، والرجوع إلى اللّه تعالى من كل شيء. وأفقر الناس المفتقر إلى تزكية العميان يقول الناس:هذا حسن، وهذا قبيح.
* وأتى رجل الحجاج يطلب منه حاجة فوجده ساجداً يدعو اللّه تعالى. فقال: هذا يحتاج إلى غيره فكيف أحتاج إليه؟ لقد رفعت حاجتي إلى من لا يحتاج الحوائج دونه فسمع الحجاج. فلما رفع رأسه قال: عليَّ بالرجل فأتى فقال: اعطوه عشرة آلاف. وقال: أعطاك من كنت أدعو له وأنا ساجد.
* سليمان التيمي: لما رمي إبراهيم عليه السلام من المنجنيق استقبله جبريل عليه السلام فقال: ألك حاجة؟ قال: أمَّا إليك فلا.
* وروي أن جبريل عليه السلام قال له: سل حاجتك. قال: لا أسأله. قال: فما تريد؟ قال إبراهيم: ما يريد اللّه إن أحب النجاة النجاة، وإن أحب الإحراق الإحراق، أحب الأمرين إليَّ أحبهما إليه جل جلاله. فقال: جبريل عليه السلام: يحق أن يتخذ مثلك خليلاً. وقال اللّه تعالى: يا إبراهيم لقد أقمت لي مقاماً وجبت لك الخلة.(1/189)
وروي أن إبراهيم عليه السلام قال له جبريل عليه السلام:ألك حاجة قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي.
* وروي أن زليخا كانت تعبد الصنم وتسأله أن يعطف قلب يوسف عليها. فلما كانت في بعض لياليها تسأله ما سألت فقامت ورفضته وقالت: إنك لا تضر ولا تنفع لذت إلى اللّه تعالى الذي لاذ إليه يوسف عليه السلام، واغتسلت، وأخذت تصلي وتسأل اللّه ذلك. فلما أصبحت سمعت أن يوسف عليه السلام يركب، فأمرت بملحفة فاقعدت فيها وترصدته الطريق. فلما دنى يوسف منها نادته فأعرض عنها يوسف عليه السلام، فأوحى اللّه تعالى: أن امشِ إليها راجلاً فإنها لاذت إليَّ منذ الليلة، واستغاثت بي، فلما رأته قالت: من ندبك إلى الإنعطاف عليَّ؟ قال: من لذت إليه واستغثت به. فأعرضت عنه فقالت: إني ظللت طريق المحبة. فقال: ما الحب إلا حب اللّه تعالى، وما الإستعانة إلا به، لا حاجة لي فيك فاذهب حيث شئت.
* وحكي: أن داود النبي عليه السلام كان يدور في الجبال بالليل قال اللّه تعالى: يا داود اقعد في أول الليل فإن لي خلقاً يسيرون في أول الليل، ويمشون عليك، ولا يشعرون، فقال: إلهي مع ذكرك لا أبالي أن أسير في وادي الموت.
(190) وعن النبي صلى الله عليه وآله: يقول اللّه تبارك وتعالى: ما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بي دون خلقي إلا أعطيته قبل أن يسألني. واستجبت له قبل أن يدعوني. وما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السموات من يديه، وأرسحت الهوى من تحت قدميه، ووكلته إلى نفسه.(1/190)