قل للخليفة ذي الصنا .... ئع والعطايا الفاشيه
وابن الخلائف من قريـ .... ـش والملوك الهاديه
إن البرامكة الذ .... ين رموا لديك بداهيه
عمّتهم لك سخطة .... لم تبق منهم باقيه
فكأنهم مما بهم .... أعجاز نخل خاويه
صفر الوجوه عليهمُ .... خلع المذلة باديه
بعد الإمارة والوزا .... ـرة والأمور الساميه
ومنازل كانوا بها .... فوق المنازل عاليه
أضحوا وجل مناهمُ .... منك الرضا والعافيه
فانظر إلى الشيخ الكبير .... فنفسه لك راجيه
لا تشمتن بي العدا .... نفسي لنفسك واقيه
قد كنت أرجوا غير ذا .... فاليوم خاب رجائيه
اليوم قد سلب الزما .... ن كرامتي وبهائيه
واليوم قد ألقى الزما .... ن جداته بفنائيه
يا من يريد بي الردى .... يكفيك ويحك ما بيه
يكفيك ما أبصرت من .... ذلي وذل مقاميه
يكفيك أني مستبا .... ح حرمتي ونسائيه
وذهاب مالي كله .... وفدا الخليفة ماليه
إن كان لا يرضيك إلا .... أن أذوق حماميه
فلقد رأيت الموت من .... قبل الممات علانيه
وفجعت أعظم فجعة .... وفنيت قبل فنائيه
ولبست أثواب الذليـ .... ـل ولم تكن بلباسيه
اضرب بطرفك هل ترى .... إلا قصوراً خاويه
ومصارعاً وفجائعاً .... ومصائباً متواليه
ونوادباً يندبنني .... وينحن قبل مماتيه
يا با علي البرمكي .... فلا أجيب الداعيه
أخليفة الرحمن لا .... لاتشمتن أعاديه
اذكر مقاساة الأمور .... وخدمتي وعنائيه
وارحم أخاك الفضل والـ .... ساقين من أولاديه
أخليفة الرحمن إنـ .... ـك لو رأيت بناتيه
وبكاء فاطمة الصغي .... ـرة والمدامع جاريه
ومقالها بتوجع .... يا شقوتي وشقائيه
من لي وقد غضب الإما .... م على جميع رجاليه
وعدمت طيبة عيشة .... وتغيرت حالاتيه
من لي وقد غدر الزما .... ن بسادتي وحماتيه
يا عطفة الملك الرضـ .... ـي عودي عليا ثانيه
يا آل برمك إنما .... كنتم كنوز أعاديه
وبحور جود جمة .... وجبال عز راسيه(1/176)
فلما قرأ هارون هذه الأبيات، رق لها، وبكى.ثم قال: يا مسرور مزق الكتاب، فإنها نعمة زالت.فلما أيس يحيى بن خالد عن هارون. كان يناجي اللّه تعالى في حبسه.فيقول: أغفلنا دولة المظلومين، وأهملنا الشكر لله، فصرنا عظة للحاسدين، ورحمة للعدو، ولو كانت النعمة تريد البقاء لما وصلت إلينا.
* مُصَنِّفُه: وأعلم وفقك اللّه لطاعته، أن هؤلاء القوم آثروا طاعة المخلوق على طاعة الخالق، فأسخطوه لإرضاء المخلوق، فوكلهم إلى أنفسهم، فكان مصيرهم إلى ما صاروا إليه، فهذا سخط المخلوق على المخلوق، فكيف بسخط الخالق على المخلوق!!
* ولما سخط كسرى على بزرجمهر أمر بحبسه وقتله، فإذا عليه منطقة فيها رقعة مكتوب فيها: إذا كان القدر حقاً فالحرص باطل، وإذا كان الموت راصداً لكل أحد فالطمأنينة إلى دنيا حمق، وإذا كان الغدر طباعاً في الناس، فالثقة في كل أحد عجز.
* ولقد نحَّت البرامكة عن العباسية جسام الخطوب، وحضنت أم هارون يحيى، وحمله خالد أو يحيى البرمكي إلى غزوة ملك الروم، فحاصر استبراق في قسطنطينية حتى هادن، وأخذ سبعين ألف دينار خراجاً.
* ولما ضاق على هارون ظهور إدريس بن عبد الله الحسني بأرض المغرب بعد وقعة (فخ) واجتماع الناس إليه دخل يحيى بن خالد فرآه كئيباً حزيناً أستغرقه القلق.
فقال: يا أمير المؤمنين إن كان حادث ندفع بأموالنا وأرواحنا فهي لك؟
فقال: وردت علي ملطفة عامل أفريقية بظهور إدريس بالمغرب واجتماع الناس عليه، وأنت تعلم ما بيننا وبين الفاطمية.
فقال: أنا أكفيكه فَنُدْلِي بغالية مسمومة على يدي بعض شيعهم، حتى شمها فكانت نفسه فيها. لهذا جاء هارون من غائلته.
* وكذلك جعفر أهْدَى إليه رأس عبد الله الأفطس الحسني، إلى ما شاكله من الوقائع في السلالة الزكية مما لا يعد حتى يذكره به، فيقول:
أذكر مقاساة الأمور وخدمتي وعنائيه
* وبلغني: أنه كان إذا أرجفت الخطوب ينتابه بعدهم فيقوم ويقعد لها حرج الوضين، ويقول شعراً:(1/177)
عتبت على بِشْرٍ فلما فقدته وجربت أقواماً بكيت على بِشْرِ
* وروي أن خادماً كان يخدم يحيى بن خالد في حبسه.فقال له: لم لا تدبر الحيلة لتتخلص من هذا البلاء وشماتة الأعداء؟
فقال: يا فلان إذا جاء الإدبار كان عطب الرجل في تدبيره.
* مُصَنِّفُه: فراحة الدنيا والآخرة فاز بها الزهاد ، دون هؤلاء الذين طلبوها من الدنيا، فاشتبكوا في بلائها وبلاء الآخرة، وإن الدنيا دار إبتلاء وإمتحان، فكيف تطلب من المحنة والبلاء ، الرخاء ؟
* لبعضهم:
ففي دار البلاء طلبت صفواً لقد حدثت نفسك في المحال
* وعن يحيى بن علي المنجم، قال: قال له المنتصر يوماً: نريد غداً أن نفرح ولا نتشاغل بشيء، فأغد علينا.
قال: فغدونا عليه، وله بساط يبسطونه، فيه جامات في كل جام ذكر ملك من ملوك الفرس، وكم ملك، وكم بقي في مملكته.قال: فنصبت له كرسي ونحن بين يديه فرمى بطرفه إلى جام من تلك الجامات فساءه، وتبينا فيه الكراهية، ثم وثب وقام، ولم ندر ما سببه فنظرنا فإذا هو قد وقعت عينه على جام فيه مكتوب: شيرويه بن كسرى، قاتل أبيه، ملك بعده ستة أشهر.
قال: فكان ملك المنتصر بستة أشهر.
* ولما قتل المنتصر أباه، كان يطوف على الخزائن ويراها. فكان في خزانة دَخَلها كتاب، فأخذ ينظر فيه فإذا أوله: المقادير تريك ما لم يخطر على بال.قال: فقتل والله بالسم بعد ستة أشهر.
* وروى، المبرد: أن يزيد بن عبدالملك، قال لندمائه يوماً: تزعم العامة أن ما تم صبوح قط. وإنما يتكدر على العامة للحوادث عليهم الشواغل لهم، فأما الملوك فإن ذلك يتم لهم. ثم أمر بأن يحجب الناس عنه وخلى ب(حبابة) ، فأصطبح يومه حتى أمسى.(1/178)
فقال: قد تم يومنا والحمدلله، لا كما يقول العامة، وسنصلها بليلتنا. فشرب ليله كله. فلما تنفس السحر وأنشق، شربت حبابة قدحاً. وتناولت بعده حبات رمان، فشرقت فماتت، وكان يزيد مولعاً بها، شديد المحبة لها، فمنع من دفنها حتى أنتنت، ثم أمر أن تدفن بعد أن لآمه أولياءه وتبع جنازتها، وهو يقول:
فإن تسل عنك النفس أو ترد الضنا .... فبالياس تسلو عنك لا بالتجلد
وكل خليل راءني فهو قائل .... من أجلك هذا هامةُ اليومِ أو غدِ
ثم انصرف ودخل قصره، فأخرج بعد ثمانية عشر يوماً على جنازته.
فقال بعض الشعراء في ذلك:
يا راقد الليل مسروراً بأوله .... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
عادت تراباً أكف الملهيات وَقَدْ .... كانت تحرك عيداناً وأوتارا
* لمحمد بن يزيد:
من أحسن الظن بالليالي زلّت به للهلاك نعل
* لأبي العتاهية:
رويدك يا ذا القصر في شرفاته .... فإنك عنه مستحث ومزعج
تذكر ولا تنسى المعاد ولا تكن .... كأنك في الدنيا مخلّى وممرج
* محمد بن عبد الله بن طاهر: في قصره على دجلة وقد مدت دجلة مداً شديداً، فإذا بحشيش على رأس الماء في وسطه قصبة على رأسها رقعة فلما رآها مقبلة.قال: خذوا القصبة. فأتي بها، فإذا في الرقعة مكتوب:
تاه الأعيرج وأستعلى به البطر .... فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت .... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها .... وحين تصفو الليالي تحدث الغير
فما انتفع بيومه ذلك.(1/179)
* لأبي العتاهية:
مالي أراك بغير نفـ .... ـسك لا أبا لك تشتغل
خذ للوفاة من الحيـ .... ـاة لحظها قبل الأجل
واعلم بأن الموت ليـ .... ـس بغافل عمن غفل
فكأن يومك قد أتى .... يعدو إليك على عجل
وكأنني بالموت أغـ .... ـفل ما ترى بك قد نزل
أين البطارقة المرا .... زبة الجحاجحة الأول
وذوو التفضل في المجا .... لس والترفل في الحلل
وذوو المشاهد في الوغى .... وذوو المكائد والحيل
قم فارث نفسك وابكها .... ما دمت ويحك في المهل
لم يبق منهم بعدهم .... إلا حديث أو مثل
لا تحملن على الزما .... ن فما عليه محتمل
* لبعضهم: وقد حكي أنها لوزير المكتفي أبي القاسم بن عبد الله:
تزود من الدنيا فإنك لا تبقى .... وخذ صفوها مما صفت ودع الرنقا
ولا تأمنن الدهر إني أمنته .... فلم يبق لي حالاً ولم يرعَ لي حقاً
قتلت صناديد الرجال فلم أدع .... [عدواً]ولم أمهل على ظنة خلقاً
وأفنيت دار الملك من كل نزل .... فشردتهم غرباً وشردتهم شرقاً
فلما بلغت النجم عزا ورفعة .... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقاً
رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي .... فهائنذا في حفرتي عاجلاً ملقى
وفرق عني ما جمعت فلم أجد .... لدى قابض الأرواح في قبضه رفقاً
فأذهبت دنياي وديني سفاهة .... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى
* وكان رجل من أصحاب عبد الرحمن بن إسحاق القاضي يختلط ببشر الحافي، ويستأنس به بشر.
قال: فرأيت على حائط في بيت بشر:
سائل خراباً في ربوع كنده .... أين الجماعات وأين العده
بادوا وخلوا دورهم منهدَّه .... لم يبق منهم كاتب بمده
وهكذا الناس بكل بلده .... حتى إلى اللّه تكون الردَّه
قال: فقلت: في بيتك شعر مكتوب؟
قال: نعم. هو شعر رقيق لأبي العتاهية.
* وُجِدَت رقعة على مصلى القاسم بن عبد الله فيها:
بغى وللبغي سهام تنتظر .... انفذ في الأحشاء من وخز الإبر
سهام أيدي القانتين في السحر(1/180)