(180) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من طلب القضاء وكل إليه ، ومن لم يطلب أنزل اللّه عليه ملكاً يسدده )) .
* ودخل أبو حنيفة على أبي جعفر، فقال له: يا أبا حنيفة، أعِنَّا على أمرنا. فقال: لا أصلح لهذا الأمر يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا سبحان اللّه أعنا. فقال: يا أمير المؤمنين لئن كنت عندك رجلاً صادقاً، فقد أخبرتك أني لا أصلح لهذا الأمر، ولئن كنت كاذباً فلا يحل لك أن توليني أمر المؤمنين.
* وروى، مكي بن إبراهيم: كان ابن هبيرة: يخرج أبا حنيفة فيضربه لكي يدخل في أمره، فحلف أن لا يدخل، وأراده ابن هبيرة منصوباً على القضاء.
فقال: ما كنت لأَلِي ذلك بعد أن حدثني إبراهيم، وعلقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا كان يوم القيامة.قيل: أين الظلمة وأعوانهم؟ حتى من لاق لهم دواة أو برأ لهم قلماً، فيجمعون في تابوت واحد، فيلقون في جهنم.
قال اللّه تعالى: ?احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ?[الصافات:22].. الآية. فقال ابن هبيرة: أما إن كنت أفسدتُ نفسي فلا أفسدك.
* وروى، عبدالحميد الحماني: كان أبو حنيفة يخرج أياماً فيضرب ليدخل في أمرهم، ويأتي حتى يكافئ في بعض تلك الأيام!!(1/151)


* مُصَنِّفُه: فانظر وفقك اللّه في شأنهم وسبرهم أعقبهم محمدة الدنيا، فكيف أنت بهم في محمدة الآخرة تعلموا لله تعالى، وأخلصوا له، فشاعت بركاتهم، ومنافع علومهم مشارق الأرض ومغاربها، ودان بها أهلها، وعظم بذلك محلها، فصاروا نقاد الدين وجهابذته، وصيارفة الشرع، سرج الحق يستضاء بهم، وأئمة فكانوا، كما قال اللّه تعالى:?وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ? [الأنبياء:73]. وأنت إن جعلت علمك مرقاة إلى نيل الحطام، وسلماً لخلاف سنة الكرام، أصبحت والعلم وبال عليك، خاسر الصفقة، مغبون الحظين، لا للدنيا ولا للآخرة، فأنصف نفسك قبل أن ينتصف منها، ولأن تكون ذليل الدنيا، خير من أن تكون ذليل الآخرة، ولأن يصلح بك خير من أن يفسد بك، وما يفسد بك أكثر مما يصلح بهم.
* وبلغني، عن سعيد بن المسيب: كان يتجر في الزيت، ويقول: إن في هذا لغنى عن هذا - يعني: السلطان -.
* وروى، أبو سعيد التنوخي: سمعت مكحولاً، يقول: لو خُيِّرت بين القضاء، وبين ضرب عنقي، لاخترت ضرب عنقي على القضاء.
* وكان الثوري يقول: لا يكون في هذا الزمان إماماً ولا مؤذناً، وإذا دُفع إليك مال لتقسمه فلا تقسمه.
* محمد بن واسع: أول من يدعى إلى الحساب يوم القيامة القضاة. ودخل على شقيق بن ثور وهو محتضر. فقال: ياليتني لم أكن سيد قومي، كم من باطل قد حققناه، وكم من حق قد أبطلناه!!
* وقال ابن عيينة: سمعت منادياً ينادي على قبيس: الأمان للأسود والأبيض، وما خلا اثنين: فلان الزنديق، وشقيق الثوري، هذا لامتناعه عن تقليد أمرهم.
* وعن الثوري: إن المنصور بن المعتمر أخذه داود بن علي فأقامه حتى ورمت قدماه، فدفع إليه العهد فوضعه في كوة بيته، فلم يخرج حتى مات.(1/152)


* وأصيب الثوري بمصيبة، فأتاه جار له يعزيه، فقال سفيان: أيسرك أن تحشر مع كل من ولي بالكوفة، وكان يجلس إلى ولاة الكوفة؟
فقال: يا أبا عبد الله إن لي عيالاً، وإن لي ..... فقال سفيان: يزعم هذا أنه إن أطاع اللّه أجاع عياله.
* وأُدْخِل الثوري على المهدي، ولما رآه سلَّ خاتمه فرمى إليه. وقال: يا أبا عبد الله، اعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة. قال: فأخذ الخاتم، وقال: يأذن لي بالكلام أمير المؤمنين؟ قال: نعم تكلم. قال: على أني آمن؟ قال: نعم. قال: لا تبعث إِلَيَّ حتى آتيك، ولا تعطيني حتى أسألك. قال: ثم رمى بالخاتم وخرج، فأحدق به أصحابه، وقالوا: ما يمنعك أن تعمل، وقد أمرك أن تعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة؟ قال: فأستضعف عقولهم، وخرج هارباً.
(181) أبو ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا تولينَّ أمانة ، ولا تقضينَّ بين اثنين )) .
* واستعمل والي البصرة ابناً لمحمد بن واسع، فغدا إلى الأمير، وقال الناس: جاء يتشكر، فاستأذن، فأُذن له، فرحب به الأمير.
فقال محمد: استرنا يسترك الله؟ فقال الأمير: حاجتك؟ فقال: استرنا يسترك الله؟ قال: فلعلك تريد أن أعفو؟ فقال: قد فعلت.
* أبو أسامة: قال لي مسعر [بن كدام]: إن أردت أن لا يستعبدك هؤلاء، فاصبر على الخل والبقل.
قال أبو أسامة: والله لقد نصحتني
* وروي، عن عبدان، سمعت أبا حمزة السكري بعدما عزل عن القضاء ينادي: ما قضيت بقضية إلاَّ وهي مثبتة عندي فمن ادعى عليَّ قضاء بغير حق فالحق بيني وبينه، فإن لم يكن عندي من الحجة ما أدرء عن نفسي فغرم ذلك من مالي، فليبلغ الشاهد الغائب.
* مُصَنِّفُه: وأنت موقر بما كُلّفتَ، متثاقل عن أداء حقوقه، وحدوده مخل، وللتقصير شامل، متسلط عليك، فكيف تستخطى نفسك أثقال تكاليف إليها منوطة بالكافة، فما مثلك إلاَّ كما قيل: مثقل استعان بدفنه.(1/153)


* مُصَنِّفُه: فمتى ما نهض بعناء القضاء غيرك، وكفاك خطر الحكم، وهوى النفس، فالتعرض له غفلة العبادة،[ وفي نسخة الغباوة ] ورق الهوى، فإن السعيد من كفي بغيره، ولأن لا يوقف لسؤاله خير من مخافته. هذا ابن شبرمة القاضي يقول:
تمنوني الأجر الجزيل وليتني نجوت كفافاً لا عليَّ ولا ليا
* لبعضهم:
وإذا وليت أمور قوم ليلة فاعلم بأنك عنهم مسئول
* مُصَنِّفُه: ولأن تستعمل الصبر مدة لراحة الأبد، وتنزه الابتذال خير من الاقتحام فيما لا يؤمن وبال غيه.
* وبلغني عن الفضيل، أنه قال: والله لو كان عند علمائنا صبر، ما تبذل بهم هؤلاء - يعني: السلاطين -.
* مُصَنِّفُه:
تذلل نفساً كي تعز لديهم فإنك باقٍ والتعزز زائل
* مُصَنِّفُه: فمتى امتحن واحد بالولاية فليجتهد في إقامة [العرشات] على الناس: الخصب، والأمن، والعدل، ولا يكون كما قيل:
ونستعدي الأمير إذا ظلمنا فما نعدي إذا ظلم الأمير
وليتذكر بمقام المتظلم لديه مقاماً لا يشغل اللّه عنه: كثرة من تخاصم من الخلائق، يوم يلقاه بلا ثقة من عمل، ولا براءة من ذنب.
(182) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا أبو يزيد القرشي، أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا أبي، عن هشام الدستوائي، عن عباد بن علي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويل للأمراء، ويل للأمناء ، ليتمنين أقوام لو أن ذوائبهم معلقة في الثريا يتذبذبون بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملاً )) .(1/154)


باب في سرعة زوال النعم
* قال اللّه تعالى: ?وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ? [القصص:58].
* وقال تعالى: ?أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ?[إبراهيم:44، 45].
* وقال: ?كَمْ تَرَكُوا مِنْ ْجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنِعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين? [الدخان:25-28].
* وقال تعالى: ?وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا ? [الحج:48]..الآية.
* وقال: ?فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيد?[الحج:45].
* وقال: ?لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ?[آل عمران:196197]. إلى ما شاكلها.
* وعن مطرف بن عبد الله: لا تنظرن إلى خفض عيش الملوك، ولين رياشهم، ولكن انظر إلى سرعة ضعنهم، وسوء منقلبهم.
* ولمُصَنِّفِه:
لا يعجبنك ملك من ذوي عدد فاعجب لسرعة ما ينبوا بهم عدد
* وعن بعض حكماء العرب، وعظَ ملكاً. فقال: أيها الملك، مع كل شربة شَرَق، ومع كل أكلة غصص، ولا تنال نعمة إلاَّ بفراق أخرى، ولن يستقبل امرؤ يوماً من عمره إلاَّ بنفاد ما قبله، ولا يحيى له أثر إلاَّ مات له أثر.
* ولبعضهم:
فسل دار البلى كم قد أبادت .... ملوكاً طال ما ركبوا الجيادا
فسل بيت الفنا كم من ملوك .... عظيم شأنهم صاروا رمادا
* إبراهيم بن عبد الله:
عجبت لأرض على ظهرها .... قصور وفي البطن منها قبور
أمير على منبر فاخر .... وكأس المنايا عليه يدور(1/155)

31 / 101
ع
En
A+
A-