قال: إني لأرجو بذلك الفردوس الأعلى، ولكن أبكي لمخالطتي مع هؤلاء السلاطين.
* وبلغني عن عطاء، ومكحول: وقد خرجا يريدان هشاماً بالرصافة، فلماَّ بلغا دخلا المسجد، فإذا الحصيف جالس في المسجد فلما رآهما. قال: كان العلماء إذا علموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، وإذا شغلوا فقدوا، وإذا فقدوا طُلبوا، وإذا طلبوا هربوا.
قال: فرجعا إلى رواحلهما فركباها ورجعا.
* مُصَنِّفُه: وما شيء أعظم من حب المال، وبسطة الجاه، وتعطف الألسنة عليه بالثناء، وإتيان سدد الملوك، وغشيان أبوابهم، ولأن يغشى بالحاجة باب ملك الملوك الذي لا يجده مغلقاً بل رخياً رحباً، إن دعي أجاب، وإن سئل أعطى، لا يشغله سمع عن سمع، ولا يضجره إلحاح ملح، ولا يغالطه سؤال عن سؤال، ولا يبرمه نوال النوال، أفضل لك من كل شيء.
* وعن سعيد بن المسيب: إذا رأيتم العالم يغشى باب الأمراء، فهو: لصُّ.
* ورأى بحر السقاء فقيهاً على باب السلطان، فتقدَّم إليه، ونشر لوحاً له.
فقال: حدِّثني بحديث كذا وكذا؟
فقال له: وهذا موضع حديث؟
فقال له: وهذا موضع فقيه؟
* حذيفة بن اليمان: إياك ومواقف الفتن يا أبا عبد الله.
قال: ما مواقف الفتن؟
قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه على الكذب.
* قال سلمة بن نبيط: قلت لأبي: يا أبة - وكانت له صحبة - لو غشيت هذا السلطان؟
فقال: إنِّي أخشى أنْ أشهد مشهداً يدخلني النَّار.
* عبد الله بن عمر: ما أعلم بعد أهل الجحود وطبقة، أخبث من هذه الطبقة. يعني: من يطلب الحديث، ويأتي السلطان.
* ونظر أبو هشام العابد، إلى شريك، يخرج من دار يحيى بن خالد فبكى، ثم قال: أعوذ بالله من علم لا ينفع.
* وكتب أبو بكر بن عياش إلى عبد الله بن المبارك: إن كان الفضل بن موسى لا يدخل على السلطان فاقرئه مني السلام.
* علي بن بكَّار [البصري]: تركت الاختلاف إلى حميد الطويل، لأنّه كان يجالس السلطان.(1/146)


* وعن ابن مسعود: إنَّ الرجل ليدخل على السلطان، فيدخل ومعه دينه، ويخرج وليس معه دينه.
* ولما عقد لابن زياد ولاية البصرة والكوفة، قال: لأبي وائل اتبعني إذا انطلقت إلى البصرة.
* قال أبو وائل: أتيت علقمة فسألته عن ذلك؟
فقال علقمة: أما إنك لا تصيب منهم شيئاً، إلاَّ أصابوا منك أفضل منه. يعني: دينه.
* وكتب الثوري إلى عباد بن عباد [الرملي]: هذا زمان خمول، عليك بالعزلة، وقلة المخالطة، وإياك والأمراء والقضاة أن تدنو منهم، وإياك أن تخدع، ويقال لك: تشفع عندهم فتردّ مظلمة، أو تعين مظلوماً، فإنّ ذلك خديعة إبليس، وسلم الشيطان، وإنّما اتخذتها فجَّار القراّء سلماً، وإياك وحبُّ الرئاسة، فإنّ الرئاسة أحب إليه من الذهب والفضة، والزهد فيه أشدّ، واعلم أنّك في زمان لا تقرُّ فيه عين حكيم فاشتغل بنفسك، واستأنس بكتاب اللّه، فإنّ فيه علم الأولين والآخرين. والسلام.
* مُصَنِّفُه: خيار الملوك أقربهم إلى القراّء والعلماء، وشرارهم أبعدهم عنهم، وأشرار العلماء أقربهم إليهم، وخيارهم أبعدهم عنهم، فقربهم تعريض حظ الدارين للخطر وبعدهم صيانته.
* وبلغني، عن بعض عباد بني إسرائيل: أنه كان يحب سلطان عصره أن يدانيه، ويختلط به، فيتأبى العابد فخرج يوماً للصيد، فإذا العابد عند جبل فقصده السلطان، فتهارب عنه، فلم يلحقه السلطان، فأوحى اللّه إلى بعض أنبيائه أن يقول لهما: إني صدقت رجاكما فيما رجوتما، لأن العابد تهارب عنه لله، والسلطان طلبه لله.(1/147)


* وروي، عن خيار العترة كالحسين بن علي، وكزيد، ومحمد بن عبد الله، وإبراهيم بن عبد الله، وأبنائهما، والحسين بن علي الفخي، وإدريس، ويحيى بن زيد، ويحيى بن الحسين، وغيرهم عليهم السلام تهجين مخالطتهم وإيثار منابذتهم.
* هذا القاسم بن إبراهيم عليه السلام وسَّط المأمون بعض أولاد موسى بن جعفر عليهم السلام ليكاتبه ويبذل له مالاً مرموقاً، ونعمة جسيمة فأبى.
فقال المأمون: أنا أفاتحة وأباديه بالمكاتبة.
فقال: لا يراني اللّه أكاتب ظالماً.
وإلى يومنا هذا وجدنا أبرار أهل البيت عليهم السلام على مناواتهم وقمعهم، مع ما كان ينالهم من الشدة والبأساء.
* وزيد بن علي عليه السلام: أوصى ابنه يحيى عليه السلام: أن يستن بسنته في منابذتهم.
* وقال عمر [بن عبد العزيز] لميمون بن مهران: أحفظ عني ثلاث خصال: لا تأت باب سلطان، وإن أمرته بمعروف أو نهيته عن منكر، ولا تخلون بامرأة لا تحل لك؛ وإن قرأت عليك القرآن، ولا تصحبن عاقاً؛ فإنه لا يبرك وقد عق أبويه.(1/148)


باب في كراهية القضاء وفضله
* قال اللّه تعالى: ?إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ?[المائدة:44].
* وقال أيضاً: ?فَأُولئكَ هُمُ الظَّالِمُون?[المائدة:45].
* وقال أيضاً: ?فَأُولئكَ هُمُ الْفَاسِقُون?[المائدة:47].
* وقال:?يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه? [ص:26].
* وقال تعالى: ?َوإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ? [النساء:58].
* وقال: ?كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله ? [النساء:135].
(174) أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا ابن أبي داود، حدَّثنا أيوب بن محمد الوزان، حدَّثنا يعلي بن الأشرف، عن عبد الله بن جراد، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضياه فلم يقل بينهما بالحق فعليه لعنة اللّه )) .
(175) حدثنا الحسن بن علي، حدَّثنا محمد بن صدقه، حدَّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إني أخاف عليكم: استخفافاً بالدم، وبيع الحكم )).(1/149)


(176) أخبرني عبد الرحمن بن فضالة، حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدثني مكحول بن الفضل، حدَّثنا جعفر بن محمد الدامغاني، حدَّثنا يحيى الحماني، عن داود العطار، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين )).
(177) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويل للأمراء ، ويل للعرفاء، ويل للأمناء )) .
* عمر بن الخطاب: من لم ينل من أمور الدنيا شيئاً، فكأنه لم يخط خطية قط.
* وبلغني، عن الحسن أنه كان يقول: إني لأرجو للقضاة المسلمين خيراً، ما لم يمالئوا، أو يحابوا، أو يرتشوا إذا أدوا الحق.
(178) عطاء عن بن عباس: قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا كن خمساً: كن خمساً : إذا أُكل الربا؛ كان الخسف، وإذا جار الحكام، منع القطر، وإذا منعت الزكاة، هلكت الماشية، وإذا فشا الزنا، كثر الموت )) .
(179) أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، حدَّثنا ابن أبي داود، حدَّثنا محمد بن عاصم بن إبراهيم، حدَّثنا أبي، عن نهشل، عن الضحاك، عن الحرث، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فذكر نحوه إلا أنه قال (( إذا جار الحكام؛ هلكت البهائم في الصحارى )).
* ومن طريق ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر نحوه إلا أنه قال: (( وما جار قوم إلاَّ كثر القتل فيهم )).
* وقال تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا? [النساء:10].
* وقال: ?وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ?..الآية[الأنعام:152].
* وروي أن غلامين تخابرا إلى الحسن بن علي عليه السلام في خط كتباه على لوح، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: تثبت يا بني، فإنه حكمٌ، اللّه سائلك عنه يوم القيامة.(1/150)

30 / 101
ع
En
A+
A-