باب في علامات المنافقين
(168) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا مكحول بن الفضل، حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا صالح بن محمد، عن القاسم بن عبد الله، عن زيد بن أسلم، عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن للمنافقين علامة فادعوهم بها تحيتهم لعنة، وطعمتهم نهمة، وغنيمتهم غلول، لا يأتون المساجد إلا هجْراً، ولا يأتون الصلاة إلا دبرْاً مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، جيفة بالليل، بطال بالنهار )).
* مُصَنِّفُه: إلا دبْراً معناه آخر الوقت، يقال: دابر القوم ودبرهم يقال: دبَرَهُم دُبْرا بتسكين الباء وضمة الدال.
(169) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد، أخبرنا محمد بن عيسى المقري، أخبرنا عبد الرحمن بن مقاتل، أخبرنا عبدالملك بن قدامة الحمصي، عن إسحاق بن بكر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( للمنافقين علامات تعرفونهم بها تحيتهم لعنة وطعامهم نهمة، وغنيمتهم غلول، لا يقربون المساجد إلا جهراً، ولا يأتون الصلاة إلا دبراً، مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، سحت بالنهار، المؤمن وقَّافٌ عند الشبهات، والمنافق خواض في الخطيئات )).
(170) وسئل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن علامات المؤمن والمنافق فقال: (( المؤمن نهمته في الصلاة والصيام والعبادة ، والفاسق نهمته في الطعام والشراب كالبهيمة )).(1/141)
* مُصَنِّفُه: المنافق يبدي خلاف ما يخفي، ظاهره مستحسن، وباطنه مستقبح مستهجن، ويحب من قرضه ومدحه بما ليس فيه، ويستأنس به، ويبغض من عرف عيوبه وأخبر بها ويتنافر عنه، نهمته الأخبثان، والحرص والأكل نصب عينيه، والآخرة كالمنساة لديه، قوَّته في بدنه لا في قلبه، وسنته في ثروته، يميل مع كل هاية، يرجو المخلوقين فوق رجائه للخالق، ويخافهم ما لا يخافه. المؤمن يبكي إذا أساء، والمنافق يضحك إذا ما أساء، المؤمن يخاف عند الطاعة فترده، والمنافق عند المعصية يتمنى على اللّه المغفرة، همة المؤمن تطهير سرائره، همة المنافق تحسين علانيته، المؤمن يأكل وينام لأهبة العبادة، والمنافق يأكل وينام للراحة، المؤمن يحب الوحدة، والمنافق يحب الخلطة، والملأ أحب إليه من الخلاء، وإذا أمر ونهى كان لجاه الرئاسة، كثير المقال، قليل الفعال، والمؤمن كثير الفعال قليل المقال، وصباح المؤمن ومساه في فكاك نفسه، وصباح المنافق ومساه في موبقة نفسه، نفس المؤمن منه في تعب، والناس منه في راحة، ونفس المنافق منه في راحة والناس منه في تعب، يتعبد لله بلسانه، ومعاند له بفعله، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، الخنا مع أهل الغنا، آثر لديه من الذكر مع أهل النقا، المؤمن رغيب في المكارم، جنوب عن المحارم، المنافق إذا وصف بما ليس فيه فرح، وإذا ذكر بما فيه عيبه ترح، لسان المؤمن يقفو قلبه، وقلب المنافق يقفو لسانه.
(171) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( المؤمن فطن، حذر، كيس ، وقَّاف، ميسر، كسب طيباً، وأنفق قصداً وقدم فضلاً، والمنافق حطمة، همزة، لا يقف عند شبهة، ولا يرع عند محرم، كحاطب ليل )).(1/142)
(172) أخبرني أبو الحسن الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الوبري، حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، حدثنا القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله، حدثني أبي عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، عن الحسين بن علي، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أربع من علامات المنافق : جمود العين، وقساوة القلب، والإصرار على الذنب، والحرص على الدنيا )).(1/143)
باب في مداناة العلماء من الأمراء ومخالطتهم
(173) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدَّثنا مكحول بن الفضل، حدَّثنا جعفر بن محمد الدامغاني، حدَّثنا أحمد بن يونس، عن زهير أبي خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً: لكعب بن عجرة: (( يا كعب أعاذك اللّه من إمارة السفهاء ، أمراء يؤثرون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني، ولست منه، ولم يرد عليَّ الحوض يوم القيامة )) .
* وبلغني أن الزهري لما اختلط بالسلطان كتب إليه بعض إخوانه: عافانا اللّه وإياك أبا بكر من الفتن فإنك قد أصبحت شيخاً كبيراً، وقد أثقلتك نعم اللّه كما فهمك في كتابه، وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ اللّه الميثاق على العلماء فقال: ?لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ ?[آل عمران:187]. واعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت، أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدنوك ممن لم يرد حقاً ولا يرد باطلاً حين أدناك، أتخذوك قطباً تدور به رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليه إلى بلاءهم، وسلماً لضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء، وينقادون بك قلوب الجهال، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا عنك فيما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله: ?فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ?..الآية[مريم:59]. وإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، داوِ دينك فقد دخله سقم، وهيء زادك، وقد حضر سفر بعيد،?وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ?[إبراهيم:38]. والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.
* ميمون بن ميمون: صحبة السلطان خطر، إن أطعته خاطرت بدينك، وإن عصيته خاطرت بنفسك، فالسلامة أن لا يعرفك.(1/144)
* مُصَنِّفُه: المختلط بهم بين أمرين: إما فوات الآجلة لإيثار رضاهم، وإما فوات العاجلة لرفض إرضاءهم، فإن خالفتهم فضحوك، وإن ساعدتهم فضحك اللّه عزَّ وجلَّ، فالإجتزاء باليسير مع الطمأنينة والهدوء وسلامة الدين خير من الكثير مع الوجل والخطر في الأولى والعقبى، وكم من مخدوم منهم أحقُّ بأن يكون خادماً، وخادم لهم أحقُّ بأن يكون مخدوماً، لاحصائه قلائد غبطة الخصال، وفضيلة الخلال، وفنون الآداب، وتخصيصه بالإطلاع على موارد العقبى في الدُّنيا والآخرة.
* ولبعضهم:
خدمت من لو ساعدت أيامي .... وأنصفت لكان من خدامي
أستغفر اللّه من عبادتهم .... فإنها من عظيم آثامي
وأين صيانة علمك ودينك مستهان بذلة الأطماع وضعة التواضع لمن لا يعرف حقَّهما؟ ويرى فضيلة ما فيه، فاشتر الطمع بعزة القناعة، وجميل الكفاف، فإنما الحياة وحي لحاظ عن سريع تختطف، ولمعان برق عن قريب يفتقد.
* وعن الفضيل: لو أنَّ رجلاً لا يخالط هؤلاء، ولا يزيد على الفرائض، لكان أفضل من رجل مخالط لهؤلاء، ويصوم النهار، ويقوم الليل، ويجاهد ويحجُّ. يعني: السلطان.
* وعنه أيضاً: ما عمل أرجى مني من بغض هؤلاء، ولأن يدنو الرجل إلى جيفة منتنة خير له من أن يدنوا من هؤلاء.
* مُصَنِّفُه: هذا والزمان ذلك الزمان، وهم يتموَّهون بالخلفاء، وأهل التأويل، فكيف أنت بالفجرة الجهرة، والسفهاء الذين أتخذوا دين اللّه لعباً، ومال اللّه دُولاً، وعباد اللّه خَوَلاً، أطبقت بالذم ألسنة الملحدة والموحدة على مخازيهم وسوء آثارهم.
* وروي، عن الضّحاك بن مزاحم: إنّي أتقلَّب الليل كلهَّ على فراشي ألتمس كلمة أرضي بها سلطاني، ولا أسخط بها خالقي فما أقدر عليها.
* فضيل بن عياض: ما أقبح بالعالم أن يقال: أين هو؟ فيقال: عند الأمير.
* وروى خالد بن صبيح [الخراساني]، قال: دخلت على أبي يوسف، وهو يبكي.
فقلت: لِمَ تبكي؟ عسى ندمت على ما صنعت؟(1/145)