باب آخر في النفاق والرياء
* قال اللّه تعالى: ?إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ?[البقرة:271].
* ولذلك قال بعضهم: صلاة النفل إذا فعلها في بيته، وكذلك التراويح إذا لم يختل جماعة المسجد وهو من أهل القرآن، لأنه أبعد من الرياء، وأقرب أن يخلص لوجه اللّه تعالى.
* قال تعالى: ?فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ?[الماعون:4-7]. لا يمتنع أن يكون المراد بقوله ساهون، أي يراؤون بها لا ينوي بها وجهه تعالى وقربته فلا تجزيه صلاته.
* وقال تعالى: ?كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا? [البقرة:264].
* وقال تعالى: ?يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ?[آل عمران:167]. وهذه صفة الرياء والنفاق، يبدي جميلاً ويكتم ذميماً.
(131) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، حدَّثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدَّثنا أبو بكر بن عبدان، حدَّثنا محمد بن يونس القرشي، حدَّثنا شداد بن علي الهياني وكان من العابدين، حدَّثنا عبدالواحد بن زيد، عن عبادة بن نسي، قال: دخلت على شداد بن أوس في منزله وهو يبكي.
فقلت: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: دخلت عليه يوماً فرأيت في وجهه ما ساءني. فقلت: ما الذي أرى بك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( أخاف على أمتي من بعدي الشرك )).(1/121)
فقلت: أيشركون من بعدك؟ قال: (( أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكنهم يراؤون بأعمالهم )). قلت: يا رسول اللّه، وهل الشرك إلا من عبد دون الله؟ فقال: (( الرياء هو الشرك والشهوة الخفية، الرجل يصبح صائماً فإذا رأى ما يعجبه واقعه وترك صومه )).
* قال عبدالواحد بن زيد فلما قدمت من الشام أتيت الحسن فحدثته بهذا الحديث، فقال: صدق واقرأ آية عليك من القرآن: ?فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا? [الكهف:110].
(132) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدَّثنا عبد الغافر بن سلامة، حدَّثنا يحيى بن عثمان، حدَّثنا بقية، حدَّثنا سلام بن صدقة الكلبي، عن زيد بن أسلم، عن الحسن، عن أبي الدرداء، عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إن الإتقاء على العمل أشد من العمل ، إن الرجل يعمل العمل فيكتب له عمل صالح السر يضاعف له أجره سبعين ضعفاً، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه ويكتب علانيته، ويمحى أجره، ثم لا يزال الشيطان حتى يذكره للناس الثانية ويحب أن يذكروه ويحمدوه عليه، فيمحى من العلانية، ويكتب رياء، ويمحى تضعيف أجره كله فاتقى اللّه امرءٌ صان دينه، فإن الرياء شرك )).
(133) حدثني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثني عمي، حدثني محمد بن نوح، حدَّثنا يعقوب بن إسحاق الدشتكي الرازي، حدثني إسحاق بن سليمان[الرازي]، عن أخيه طلحة، عن الفياض بن غزوان، عن زيد، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال مر عمر على معاذ بن جبل وهو قاعد عند قبر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يبكي.
فقال: يا معاذ ما بكاؤك؟ لعلك ذكرت أخاك إن ذكرته إنه لذلك أهل؟(1/122)
قال: لا. ولكن أبكاني شيء سمعته منه في مجلسي هذا أو مكاني هذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (( الرياء شرك إن اللّه يحب الأتقياء، الأخفياء، الأبرياء ، الذين إذا غابوا لم يفقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون فيه من كل فتنة سوداء مظلمة )).
(134) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إياكم وشرك السرائر )).
قالوا: يانبي اللّه، وما شرك السرائر؟
قال: (( أن يقوم الرجل فيؤدي صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر )).
(135) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( اتقوا اللّه في السرائر )).(1/123)
فصل لا يدخل الجنة مراءٍ
(136) و أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن الحسن، حدَّثنا علي بن الحسين، حدَّثنا محمد بن زكريا، حدَّثنا عمرو بن الحصين، حدَّثنا ابن علاثة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، في حديث قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( يا معاذ لا أعرفك يوم القيامة يوافي واحد أسعد بما آتاك اللّه منك. يا معاذ احذر أن تُرى عليك آثار المحسنين، وأنت بخلاف ذلك فتحشر مع المرائين )).
(137) عطاء، عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يدخل الجنة مُرَاءٍ )).
* مُصَنِّفُه: وهذا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم لأن المكلف ينبغي أن يؤدي الطاعات لحسنها ووجوبها، فمتى ما قصد به الرياء فلم يأت بما أمر وأخل بما عليه وجب، فيستحق العقاب لإخلاله بالواجب، ولأن ما يفعله رياء قد يكون تركاً لواجب عليه فيكون عقابه من وجهين مع فوات الثواب لإخلاله بالطاعة.(1/124)
فصل فيمن يرفع صوته بالقرآن ويجهر
(138) حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن الحسن، حدَّثنا أبو القاسم بن منيع، حدَّثنا يحيى الحماني، حدَّثنا عبدالوارث بن سعيد، حدَّثنا محمد بن جحادة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كنت أمشي مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فمر برجل يقرأ فرفع صوته.
فقال: (( يا بريدة، أتراه مرائياً ))؟ فقلت: اللّه ورسوله أعلم. فقال: (( هو عبد منيب )).
* وفي بعض الأخبار: قلت يا رسول الله أفلا أبشره؟ فقال: (( بلى )) فبشرته فلم يزل لي أخاً.(1/125)