باب في كراهية الفتوى والحديث
* قال تعالى: ?أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ? [البقرة:44]. أي: تأمرونهم بالطاعة.
* وقوله تعالى: ?لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا? . أي: من الكلام ولم تستقم فعالهم.?وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ?[آل عمران:188].
(123) وعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أجرأكم على النار أجرأكم على الفُتيا )).
(124) و أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا مكحول بن الفضل، حدثنا عبدالصمد بن الفضل، أخبرنا عيسى بن زياد، عن سفيان بن عيينه، عن محمد بن المنكدر، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( المفتي يدخل فيما بين اللّه وبين عباده )).
* وعن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه دخل مسجد الكوفة فرأى قاصاً اجتمع عليه الناس [يحدث]، فقال: من هذا؟
فقالوا: محدث يحدث.
فقال: هذا يقول: اعرفوني أنا فلان بن فلان.
* وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إني أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فما كان منهم واحد محدث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مُفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا.
* وعن الحسين : أدركت أقواماً تعرض لأحدهم الحكمة لو نطق بها نفعته ونفع أصحابه فما يمنعه منها إلا مخافة الشهرة.
* وعن ابن عباس: أما علمتم أن لله عباداً أسكتتهم خشيته من غير عيٍ ولا خرس، وإنهم الأولياء، الأصفياء، النطقاء.
* ولبعضهم: سئل عن شيء فألح عليه؟ فقال: أين تراني جالساً؟ فقال: على اللبد. فقال: لا. بل على شفير النار.
* وعن ابن مسعود: من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون.
* ولبعضهم أمير المؤمنين: خفق النعال خلف الرجال، مفسدة قلوب الحمقى.(1/116)
* وعن الربيع بن خثيم: نظر إلى شباب من الحي يتبعونه يوم الجمعة فقال: أعوذ بالله من شركم.
* وعن أمير المؤمنين: نظر إلى قوم يتبعونه وهو راكب فقال: مشي الماشي مع الراكب مفسدة لقلوب النوكا.
* ولبعضهم: مشيهم خلف الرجل فتنة المتبوع، ومذلة التابع.
* وعن ابن عمر: يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسوراً في جهنم، أن يقولوا: أفتانا ابن عمر بهذا.
* وقيل لبعضهم: إن فلاناً من فضله كذا. فقال: إنه يتكلم بكلام شهرين في ساعة واحدة.
* ورأى بعضهم: أن أُناساً يتبعونه، فقال: أما هذه خير لكم، وشر لي.
* ودخل عيسى بن يونس مكة فاحتوشه الناس في المسجد الحرام، فمر به الفضيل فرأى كثرة الزحام فسلم عليه، وعيسى لا يسمع كلامه.
قال: يا أبا عمر، انظر أن لا يغيروا قلبك فإنهم ما أحاطوا واحتوشوا بأحد إلا غيروا قلبه إلا أن يعين اللّه.
* أنس بن مالك: همة السفهاء الرواية، وهمة العلماء الرعاية.
* وقيل لعلقمة: ألا تجلس لنا فتؤجر؟ قال: ما يرضي المتكلم أن ينجو منه كفافاً ؟
* وسئل ابن عيينه، أن يجلس لهم فيحدث. فقال: والله ما أراكم أهلاً أن أحدثكم، ولا أرى نفسي أهلاً أن تسمعوا عني، وما مثلي ومثلكم؛ إلا كما قال القائل: افتضحوا فاصطلحوا.
* مُصَنِّفُه: ولو لم يكن فيه إلا أنه يضل فيضل فضرره من وجهين لنفسه ولغيره، وإذا لم يفت، ولم يحدث، وأخطأ في علمه اختص ضرره به.
* وقد روي عن بعض الصحابة رحمه الله، كان إذا سئل عن مسألة قال: أحادثة؟
فإن قيل: لا. لم يجب.
* مُصَنِّفُه: لأنها عند الحادثة تصير من فروض الكفاية، وقد تكون من فروض الأعيان، إذا لم يكن في تلك الناحية سواه.(1/117)
باب في رياء القرائين وصفات المنافقين
(125) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، حدَّثنا أبو منيع، حدَّثنا أبو نصر التمار، حدَّثنا حماد بن سلمة، حدَّثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم، من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان )).
(126) وعنه عليه السلام قال: (( أربع من كن فيه كان منافقاً، أو كانت فيه خصلة من الأربعة، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )).
(127) و أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدَّثنا مكحول بن الفضل، حدَّثنا إسماعيل بن بشر، أخبرنا مكي بن إبراهيم، عن ابن لهيعة، عن مشرح بن عاهان، عن عقبة بن عامر الجهني قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أكثر منافقي أمتي قراءها )).
أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا محمد بن عبدان، أخبرنا يعقوب بن إسحاق القلوسي، أخبرنا بشر بن عمر، عن ابن لهيعة عن مشرح بن عاهان، عن عقبة بن عامر بهذا الخبر.
(128) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( استعيذوا بالله من جَب الحزن )).
قيل: وما جبُّ الحزن؟
قال: (( وادٍ في جهنم أعدت للقُرَّاء المرائين )).
* وعن ابن مسعود في قوله تعالى: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ?[النساء: 145]. إنه تابوت من حديد لا منفذ له بوجه.
(129) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( رأيت ليلة أُسريَ بي أقواماً في النار تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟
فقال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم )).(1/118)
(130) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [أنه قال] لأبي هريرة: (( يا أبا هريرة يأتي على الناس زمان لو سمعت باسم الرجل خير من أن تلقاه ، ولو لقيته خير من أن تحدثه، وإن حدثته أبغضته وأبغضت عمله )).
* وفي مواعظ أهل البيت عليهم السلام: ما زاد من خشوع البدن على خشوع القلب فهو خشوع نفاق.
* وعن مالك بن دينار القراء ثلاثة: قراء للدنيا، وقراء للملوك، وقراء للرحمن.
* فضيل لابنه: اشتر لي داراً بعيدة من القراء، مالي ولقوم إن ظهروا مني على نعمة حسدوني، وإن ظهروا مني على زلة هتكوني.
* وعن وهب بن منبه: كان في بني إسرائيل قراء فسقة، وسيكون فيكم أيتها الأمة قراء فسقة.
* ولبعضهم: استعيذوا بالله من أمور تحدث من القراء بعد مائتي سنة.
* ولبعضهم: دخول النار فسوقاً أحسن من دخولها تقرباً.
* وللحسن: لا تزال هذه الأمة في كنف اللّه وجناحه ما لم يرفع خيارهم شرارهم، وما لم يعظم أبرارهم فجارهم، وما لم تمل قرائهم على أمرائهم، فإذا فعلوا ذلك رفعت يد اللّه عنهم، فسلط عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب، وقذف في قلوبهم الرعب.
* وللفضيل بن عياض: وا سوأتاه؛ من أن يقال: فلان القارئ قدم حاجاً في نفقة فلان التاجر، وفلان القاريء قد حملته فلانة الفاجرة، وفلان القاريء ساكن في دار فلان الفاجر، إنا لله وإنا إليه راجعون.
* وعن إبراهيم النخعي: ما أخاف على ديني إلا القراء والعلماء.
* الشعبي: مثل قرائنا مثل الدراهم المشبوهة متى ما دلكته يتبين لك.
* يزيد الرقاشي: خمسة قبيحة في أصناف: البائس الشح في الأغنياء، والحدة في السلطان، وقلة الحياء في ذوي الأحساب، والحرص في القراء، والفُتُوَّةِ في الشيوخ.
* ولبعضهم: قال لآخر: أوصني؟ قال: لا يرى اللّه اسمك مع القرَّاء في صحيفة.(1/119)
* وفي مواعظ أهل البيت عليهم السلام: في صفة المؤمن والمنافق : المؤمن يخلط عمله، والحكيم يجلس ليتعلم وينطق ليفهم، ويصحب ليسلم، لا يبذل شهادته إلا صدقاً، ولا يكتم شهادته إلا عدلاً، ولا يغفل شيئاً من الحق، إن زكَّى خاف مما يقول، ويستغفر مما لا يعلم، لا يغره قول من جهله، ولا يخشى إحصاء ما قد عمله. والمنافق: يَنْهَى ولا ينتهي، ويَأْمُرُ بما لا يأتي، إذا قام إلى الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإن سجد نقر، وإن جلس شغر، يمشي وهمه الطعام وهو مفطر، وهمه النوم ولم يسهر، إن حدثك كذبك، وإن وعدك أخلفك، وإن ائتمنته خانك، وإن خالفك اغتابك.
* وللفرزدق:
أما النبيذ فلا يذعرك شاربه .... واحفظ ثيابك ممن يشرب الماء
قوم يوارون عما في صدورهم .... حتى إذا استمكنوا كانوا هم الداء
مشمرين على أنصاف سوقهم .... هم اللصوص وقد يدعون قرَّاء
* أيوب السجستاني: لا خبيث أخبث من القاريء الفاجر.
* وفي مواعظ أهل البيت عليهم السلام: يؤتى بالعبد يوم القيامة قد صلى فيقال: لِمَ صليت؟
فيقول: ابتغاء وجهك.
فيقال: صلّيتَ ليقال: ما أحسن صلاتك، اذهبوا به إلى النار.
ويُؤتى بعبد قَاتَل، فيقال: قاتلت ليقال: ما أشجعك. اذهبوا به إلى النار.
ويُؤْتى بمن قد تعلم القرآن فيقال له: تعلمت القرآن ليقال: ما أحسن صوتك اذهبوا به إلى النار.(1/120)