* ولما اشتد بأيوب البلاء فقالت له زوجته [رحمة]: يا أيوب، ألا تدعوا اللّه تعالى فيكشف عنك؟
فقال: قد أتى عليَّ في الرخاء سبعون سنة فدعيني حتى يأتي عليَّ البلاء سبعين سنة، ليكون الشكر لله ثم ندعوا اللّه بالعافية. قال تعالى: ?إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ? [ص:44].
* وروي أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام؛ خرج في بعض الغزوات يستقي لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما ملأ قربته انصبَّت مراراً، ثم ملأها وحملها، فقال جبريل عليه السلام: ما رأيت رجلاً آسى رجلاً كمواساة هذا لابن عمه..الخبر.
(61) وروي أن بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وأظنه عمَّار شكى المحنة من المشركين فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنه من كان من قبلكم من الأمم كانوا ينشرون بالمناشير لله تعالى )).
* وعن وهب بن منبه: إنه قرأ في بعض كتب الحواريين: إذا سلك بك سبل البلاء فقر عينك فإنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سلك بك سبيل الرخاء فابك على نفسك قد خولف بك عن سبيلهم.
* مُصَنِّفُه: في التحقيق ما صاحب الشدة في الشدة، ولا صاحب النعمة في النعمة. وإنما البلاء بلاء الآخرة، والرخاء رخاء الآخرة.
* وروي أن داوُد دخل غاراً من غيران بيت المقدس فرأى فيه حزقيل النبي عليه السلام وقد يبس جلده على عظمه فسلَّم فقال: حزقيل: إن هذا صوت رجل شبعان. ثم قال: يا داوُد، أنت الذيلك كذا وكذا امرأة، وكذا وكذا سريَّة؟ فقال: نعم. وأنت لفي هذه الشدة؟ فقال حزقيل: ما أنا في الشدة ولا أنت في الرخاء.
* وعن وهب بن منبه: ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة و الرخاء مصيبة.
* مُصَنِّفُه: وهو كذلك، على البلاء إلاَّ عواض من اللّه تعالى والثواب على الصبر عليها وفي الرخاء التكاليف كالشكر وغيره الذي لا يؤمن من إخلاله العقاب.
* ولبعضهم:
وكيف يلذُّ العيشَ من كان موقناً بأن إله الخلق لا بد سائله(1/81)


(62) و أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى، أخبرنا مكحول بن الفضل، أخبرنا خلاد بن يحيى، عن الثوري، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه ، وأصغى سمعه، وحنى جبهته ينتظر حتى يؤمر فينفخ )).(1/82)


باب ترك التنعم والإجتزاء
قال تعالى: ?كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى?[العلق:6، 7]. أي: شبع. وقيل: قوله: ?طوى?: أي: ذهب. أي: جائعاً.
(63) وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، حدَّثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، حدثنا أبو القاسم بن منيع، حدَّثنا جدي، حدَّثنا الحسن بن موسى، حدَّثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يبيت طاوياً ليالياً ماله ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير.
(64) و أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا مكحول بن الفضل، حدثنا أبو عيسى[الترمذي] الحافظ، حدثنا الحسن بن عرفة، عن إسماعيل بن عياش، عن أبي سلمة الحمصي، عن يحيى بن جابر الطائي، عن المقدام بن معدي كرب، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( ما ملأ ابن آدم وعاءاً شراً من بطنه حسب ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِه )).
(65) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، حدَّثنا أبي، حدثنا علي بن موسى الرضا، حدَّثنا أبي، عن أبيه، عن محمد بن علي، عن الحسين بن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أتاني ملك الموت، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهباً - قال: فرفع رأسه إلى السماء - وقال: لا يارب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فاسألك )).(1/83)


(66) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، حدثنا الجوهري، حدثنا علي بن داوُد، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن ابن المنكدر، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام ثلاثاً؛ لم يطعم شيئاً حتى شق عليه ذلك، فطاف في منازل جميع أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً. فأتى فاطمة عليها السلام، فقال: (( يا بنية، هل عندك شيء آكله فإني جائع ))؟ فقالت: لا.
فلما خرج بعثت جارية لها برغيفين وبضعة من لحم، فأخذتها منها ووضعتها على جفنة لها وغطتها، وقالت: والله لأُوثِرَنَّ بهذا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة من طعام، فبعثت حسيناً وحسنا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت وأمي قد أتانا اللّه بشيء فخبأته لك.
فقال: (( هلمي يابنية )) فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: (( من أين لك هذا ))؟
فقلت: يا أبتي ?هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ? [آل عمران:37].
فقال: (( الحمد لله الذي جعلك يابنية، شبه سيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها اللّه شيئاً فسُئِلَت عنه،قالت: ? هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ?)). فبعث إلى علي عليه السلام، ثم أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين، وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام حتى شبعوا، وجعل اللّه فيها بركة وخيراً كثيرا.
* وعن المسيح عليه السلام: إياكم وكثرة الأكل والشرب، فإن الحكيم يحمل الحكمة، والحمار يحمل الطعام والشراب.
(67) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به ، إنما هِمَّتهم أنواع الطعام وألوان اللباس يتشدقون بالكلام )).(1/84)


(68) وسئل: ما أكثر ما يدخل النار؟ فقال: (( الأجوفان: الفرج، والبطن )).
* ولبعضهم:
إن لم ترد نفسك عن هواها .... وتعطها إن سألت مناها
وأجوفاها قضتا شُهاها .... لن تلج الخلد ولن تراها
* وعن أبي الدرداء: من كان الأجوفان همه خسر ميزانه يوم القيامة.
* وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: إذا شبع البطن طغى، وما من شيء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء.
* وفيها: إن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا [فأناط] عليه مغاليق من كل شيء.
فقال يحيى: ما هذه المغاليق يا أبليس؟ قال: هذه الشهوات التي أصبتها من بني آدم. فقال: فهل لي منها شيئاً؟
فقال: ربما شبعت فتلهيك عن الصلاة والذكر. قال يحيى : لله عليَّ أن لا أملأ بطني من طعام أبداً. فقال أبليس: لله علي أن لا أنصح مسلماً أبداً.
* جعفر بن محمد عليه السلام: يا حفص لله على جعفر وآل جعفر أن لا يملؤا بطونهم من طعام أبدا، ولله على جعفر وآل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبداً.
* الباقر عليه السلام: ما أكلت على خوان قط إلا في موضع رهبة.
* زين العابدين عليه السلام: كان يطبخ له كل يوم شاة فيقول: أغرفوا لآل فلان، ولآل فلان، فإذا انتهى إليه لا يكون قد بقي شيء منها، فأكل جبناً وخبزاً وزيتوناً.
* وعن القاسم بن إبراهيم: أنه كان يجوع حتى يضطر إلى أكل الميتة، هذا مع ما كان يمتحنه المأمون [العباسي] فيأبى عن أخذها، فعاتبته في ذلك امرأته. فروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن عمرو بن شبة، قال: قال القاسم بن إبراهيم عليه السلام:
وعاذلة تعاتبني .... وجنح الليل يعتلج
فقلت رويد معتبة .... لكل مهمة فرج
* وقال يحيى بن معاذ: جوع الراغبين فتنة، وجوع التائبين تجربة، وجوع المجتهدين كرامة، وجوع الصابرين سياسة، وجوع الزاهدين حكمة.
* وعن الحسن: كان فاكهة أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم خبز البر.(1/85)

17 / 101
ع
En
A+
A-