فقال له أويس: قد وصلتك بما هو أنفع لك منها وهو عن ظهر الغيب الدعاء، لأن الزيارة واللقاء يعرض فيه التزين والرياء.
* وقال وهيب بن الورد: كان يقال: العافية على عشرة أجزاء فتسعة منها في الصمت والعاشر في الهروب من الناس.
* وقال أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل المسلم بيته، يكف فرجه وبصره ونفسه، وإياكم ومجالسة السوق فإنها تلغي وتلهي.
* وقال الداراني: قرة أعينكم في البيوت.
* وعن بعض الحكماء: الناس سرادق الغفول.
* ولبعضهم: الناس مثل النار فلا تدنوا إلا عند الحاجة، وإذا دنوت مقتبساً فعلى حذر من بعيد.
* وعن أبي الدرداء: أتقوا اللّه، وأحذروا الناس، فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا دبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا أخربوه.
* وعن بعضهم: إذا رأيت الرجل كثير الأخوان فاعلم بأنه مِخلط.
* فضيل: من سخافة عقل الرجل كثرة معاريفه.
* ولبعضهم: من لم ينقص كل يوم صديقاً لم يفلح أبداً.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا عبدالعزيز بن يحيى، أخبرنا المغيرة بن محمد، أخبرنا عبدالعزيز بن الحطاب، أخبرنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: ما صليت معهم منذ عشرين سنة. يعني السلطان.
(53) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن اللّه يحب الخفي التقي )).
* طاووس: خير الناس في آخر الزمان رجل معتزل يؤدي حق اللّه تعالى.
* ومر رجُلٌ بطيرٍ قد صيد على عبد الله بن مسعود، فقال: من أين صيد هذا الطير؟ قيل: مسيرة ثلاثة أيام. قال: لوددت أني حيث صيد هذا الطير، لا يكلمني بشرٌ؛ ولا أكلمهُ.
* حذيفة بن اليمان، قال: وددت أني أغلقت عليَّ بابي، فلم يدخل عليَّ بشر وأخرج عليه؛ حتى ألحق بالله.
(54) ورُئِيَ معاذ بن جبل على باب داره يقول: بيده كأنه يخاصم نفسه.
فقيل له: ما شأنك يا أبا عبد الرحمن؟(1/76)


قال: نفسي تريدني الجلوس على الطريق، وقد سمعت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن خمسة كلهم ضامن على الله : الحاج إلى بيت الله، والغازي في سبيل الله، والماشي إلى بيت من بيوت الله، وعائد المريض لوجه الله، والجالس في بيته ليسلم الناس منه ويسلم منهم )). ثم انقمع فدخل داره.
(55) وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: (( إنك تعيش وحدك، وتموت وحدك )).
* ولبعضهم: كان يقال: الناس دواء يستشفى بهم، فهم اليوم داء لا دواء له، فاجعل اللّه مؤنساً، وكتابه محدثاً.
* وحكي أن رجلاً وقع إلى بعض الجزائر فرأى عابداً فقال له: ما أوحش موضعك؟ فقال العابد: الوحشة في غير هذا الموضع.
* وعن بعضهم: خالطت الناس سبعين سنة، ما وجدت رجلاً إلا ركب هوى، وإذا أخطأ أحب أن يخطيء الناس كلهم.
* وقال الهيثم بن جميل: شاورت الفزاري: أين ترى لي أن أنزل؟
فقال: أخفى المواضع لشخصك، وأخفضها لصوتك.
* وفي بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: إن اللّه سبحانه أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: إن أحببت أن تلقاني غداً في حظيرة القدس، فكن في الدنيا: وحيداً، مهموماً، محزوناً، مستوحشاً، بمنزلة الطائر الواحد الذي يطير في أرض القفار، ويأكل من رؤوس الأشجار، ويشرب من ماء العيون، وإذا كان الليل آوى وحده، ولم يأوِ مع الطيور، واستأنس بربه، واستوحش من الطيور.
* وروى وهب بن منبه: إن اللّه تعالى أوحى إلى داوُد: مالي أراك وحدانياً؟
قال: هجرت الناس فيك، وهجروني فيك. قال: فما لي أراك ساكتاً؟ فقال: خشيتك أسكتتني. قال: فمالي أراك نضوا؟ فقال: حبك أضناني. فقال: مالي أراك متذللاً؟ قال: عظيم جلالك الذي لا يوصف ذللني. وخوفاً منك يا سيدي. قال: فأبشر بالفضل فيما تحب يوم تلقاني.
وقال: خالط الناس بأخلاقهم، وباينهم بأعمالهم لدينك، تنل مني ما تريد في يوم القيامة.(1/77)


* فضيل: قيل له: إن ابنه محمداً قال: وددت أن أرى الناس ولا يروني. فقال: أخطأ محمد هلا قال: لا يروني ولا أراهم.
* مُصَنِّفُه قال: حب الخلوة يثير طلب الإخلاص والصدق والجد في الأقوال والأفعال، ويورث راحة النفس من هموم الدنيا ومعاملات الناس، ويزيل عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومداهنة الناس، والزهد في الدنيا، والأنس بالله، والفرار عن مجالسة غير أهل الذكر، والسلامة عن مجالسة قرين السوء.
* ولبعضهم: مجالسة الكلب خير من مجالسة قرين السوء، يورث طول السكوت وهو أول عبادة المرء، ومغالبة الهوى، والصبر، والحلم، ويورث اشتغال المرء بنفسه، وقلة اشتغاله بعيوب الناس، وطلب السلامة، وتجديد الأحزان في أمر الآخرة، وهي أفضل العبادة، وتجديد قلة المراء والرياء، ورفض الرئاسة، وإماتة الطمع، وحب الإيمان، وخلف المواعيد.
* وفي حب الإِخْلاء ضياء القلب، وكمال العقل في استنهاضه لأمر الآخرة، وقلة رؤية الناس من حساده وأقرانه الذين رؤيتهم عسى أن تجذبه إلى منافستهم في منابذتهم الذي يقول اللّه تعالى: ?وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا? [الفرقان:20].
* مُصَنِّفُه: ويكشف لك استمرار الخلوة الإطلاع على الهمة الباذخة، والعقل الراسخ، والصبر الوافر، والكمال التام، واستغنائه بالاستئناس بنفسه عن غيره.(1/78)


باب في إيثار البلاء على الرخاء والشدة على النعمة
* قال تعالى: ? وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا? [آل عمران:146].
* وقال تعالى: ? أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ? [البقرة: 214]. وقيل في قوله: ? مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا ?( أي: صفتهم. و?الْبَأْسَاءُ ?: الجهاد. و?وَالضَّرَّاءُ?: المرض والجوع
والفقر.و?وَزُلْزِلُوا? أي: تسلط عليهم عدوهم. وقوله:? مَتَى نَصْرُ اللَّهِ? أي: متى ينصر اللّه من الجهد والبلاء.
(56) وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل: (( إياك والتنعم فإن عباد اللّه ليسوا بالمتنعمين )).
(57) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( عظم الجزاء على عظم البلاء ، إذا أحب اللّه قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط )).
(58) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( المؤمن بيته قصب ، وطعامه كسر، ورأسه أشعث، وثيابه خلق، وقلبه خاشع، ولا يعدل بالسلامة شيئاً )).
* وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: شتان ما بين عمل تذهب مؤنته ويبقى ذخره، وعمل تذهب لذته وتبقى تبعته الأبد.
* وعن أمير المؤمنين عليه السلام: لم تزل الدنيا والدين قائمين ما دام العلماء يستعملون ما علموا، والجهال لا يتكبرون عما لم يعلموا، والأغنياء لا يبخلون ما خولوا، والفقراء لا يبيعون آخرتهم بدنياهم.(1/79)


* وعن الباقر عليه السلام: في التوراة: عجباً لمن أيقن بالموت كيف يضحك! ولمن أيقن بالحساب كيف يذنب! ولمن أيقن بالنار كيف يفرح! ولمن أيقن بالثواب كيف يجزع من الأسقام! ولمن أيقن بالخلف كيف يبخل! ولمن أيقن بلقاء اللّه كيف لا يستحي منه! ولمن أيقن بالله كيف يجحد رسله! ولمن أيقن برسله كيف يضل سعيه! ولمن تولى أولياء اللّه كيف لا يشنأ أعداء الله!
* عن أمير المؤمنين: عجبت لمن أيقن بالثواب كيف يجزع.
(59) وعن أبي الدرداء: ((من لم يعرف نعمة اللّه عليه إلا في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه ))
* وعن بعض الحكماء: لا يدرك النعيم إلا بترك النعيم.
* وعن زين العابدين: هما ككفتي الميزان كلما رجحت ذهبت بصاحبتها.
* ولبعضهم:
إنا لنفرح بالأيام ندفعها .... وكل يوم مضى نقص من الأجل
فإن مضت شدة بالأمس أو سعة .... فما بقي اليوم من بؤس ومن جزل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً .... فإنما الربح والخسران في العمل
* وعن الحسن: لقد أدركت أقواماً تعترض لهم الدنيا حلالاً وهم في جهد فيدفعونها مخافة العاقبة.
* وعن ابن مسعود: لا يصيب الرجل حقيقة الإيمان حتى يحل بذورته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والتواضع من الشرف، وحتى يكون حامده وذامه سواء.
* وعن أبي الدرداء: تكرهون السقم وأنا أحبه، وتكرهون الفقر وأنا أحبه، وتكرهون الموت وأنا أحبه. أحب السقم تكفيراً لخطاياي، وأحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي.
* ولبعضهم: لولا ثلاثة ما طأطأ ابن آدم رأسه: الفقر، والموت، والمرض، وهو مع ذلك وثاب.
(60) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن أهل العافية إذا رأوا أهل البلاء يوم القيامة يودون أن كانت لحومهم تقرض بالمقاريض )).
* مُصَنِّفُه: ولأن يكون لك على الوفاء خير من أن يكون للوفاء عليك فمهما ابتلاك فالعوض عليه، ومهما خولك فالشكر عليك.(1/80)

16 / 101
ع
En
A+
A-