(20) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، قال: أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، قال: حدَّثنا ابن منيع، حدَّثنا أبو نصر التمار، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات )).
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدَّثنا القاسم بن الحسن الزبيدي، أخبرني محمود الوراق، عن عبدالمجيد، عن أبيه، قال: قيل للباقر محمد بن علي عليه السلام: من أعظم الناس قدرا؟ قال: من لم يبل الدنيا في يد من كانت.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدَّثنا محمد بن عمرو التستري، حدَّثنا الحارث بن محمد التميمي، حدَّثنا المدائني، عن سعيد بن أبي سعيد، قال: قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه صغرت الدنيا في عينيه.
* مُصَنِّفُه: ولو لم يكن فيها إلا متابعة الأنذال الأرذال، ومصاحبة المتسفهة، الأدنياء الأغفال لكفى.
كما قيل عن بعضهم: من أراد الدنيا صحب الأدنياء، فإن خالقها ذمها، وإن من رغب عنها رغب فيه الناس وتحابوه، ومن مال إليها مال عنه الناس [وتحاشوه] ، وحبها رأس كل خطيئة، حلوتها مرَّة الآخرة، ومرَّتها حلوة الآخرة، ومن هوانها أنه لا يعصى اللّه إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها، والمطلوب من الأمور خواتمها، وهي لا شيء عند خواتيمها، وعظم مقصودها الأخبثان منوط بهما نهاية المذمة، كما قال أمير المؤمنين متمثلا شعراً:
فإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
* وكما حكي عن بعضهم: وقد سئل عن الدنيا [فأشار] إلى مزبلة براز فقال: هذه الدنيا ونهمتها، فهل تبدل بنعيم الأبد، والروح السرمد؟ والانسلال عن كدرها إلى غاية الأماني والآمال، تبدل ذهباً بخزف، وبدرة بمدرة، لإِيْثَارِكَ العاجل الخسيس، ورفضك الآجل النفيس؟(1/51)


(21) فما عند اللّه سبحانه إلا كما أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل، حدَّثنا مكحول بن الفضل، حدَّثنا عبد الله بن محمود المروزي، حدَّثنا الخلال، عن ابن المبارك، عن مجالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد، قال: كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على السخلة الميتة فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذه هانت على أهلها ))؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول اللّه؟ قال: (( الدنيا أهون على اللّه من هذه على أهلها )).
(22) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لو كانت الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة من ماء )).
(23) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا سيران بن محمد إجازة، حدَّثنا محمد بن مرزوق، حدَّثنا عبيدالله بن حرب، حدَّثنا عدة من أهل الجزيرة، عن محمد بن آدم، عن قنبر مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من في الدنيا ضيف وما في يده عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة )) (مؤدَّاة) .
* وعن بعض الحكماء: الدنيا مزرعة الآخرة، فواحد يزرع الدرجات، وواحد يزرع الدركات.
* لبعضهم:
ياساكن الدنيا وقد أوطئتها .... ولتبرحن وأن كرهت براحها
ما زلت تنقل مذ خلقت إلى البلى .... فانظر لنفسك إن أردت صلاحها
* وعن غيلان: حلوٌ رضاعها، مُرٌ فطامها، الحق فيها مهجور، والباطل متبوع.
* وعن بعضهم: يا ابن آدم، إنك في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، وإنك لتطأ أرضاً عما قليل هي قبرك.
* وعن الحسن: إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بعدك، فانظر إليها بعد موت غيرك. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .(1/52)


* وكان الفضيل يقول: اجعل الشر في بيت، واجعل مفاتحهُ النظر، لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين لباسهم، ولكن انظروا إلى: سرعة ضعنهم، وسوء منقلبهم.
* مُصَنِّفُه: من عجائب حال الدنيا أن الجماهير في ذمها ودرها كما قال بعضهم:
يذمون دنياهم ويحلوندرها فلم أْرَ كالدنيا تُذَمُّ وتُحْلَبُ
* كل إنسان في طلب الدنيا والدنيا عن قليل تصير إلى لا شيء .
* وروي في بعض مواعظ أهل البيت عليهم السلام: أنها تتزين يوم القيامة فتقول: يا رب، هبني من بعض أوليائك. فيقول اللّه تعالى: (( إنك أهون عليَّ من أن أشركك في شيء من أمر أوليائي تلاشي )). وما هي إلا حديث حس، وأحلام نوم، فكأنك عند مقيل القبر لم تكن. كما قال القائل:
كأنك لم تكن في الدهر يوماً إذا ما حان في القبر المقيل
* وكما قال آخر:
وما الدنيا بباقية لحيٍ ولا حي على الدنيا بباقي
* مُصَنِّفُه: فالخبير البازل، والمسترشد المستحظي العاقل، لا يمنح عنان هواه، ولا يساعد داعية مُنَاةُ الغرور، وهي سحاب عارضة عن قريب تتقشع، ومخيلة سراب عن سريع تتقطع، فيؤثرها على الأبدية السرمدية التي ?لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ? [الحجر:48] ?وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ? [فصلت:31، 32].
(24) وقد روي أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان وجَّه شاة إلى بيت عائشة، وأمر أن يتصدق بها فسألها عنها. فقالت: ما بقي إلا العنق. فقال عليه السلام: (( بقي الجميع إلا العنق )). تنبيهاً على أن ما تقرب به إلى اللّه جل جلاله دام وتَأبَّدَ، وما يؤكل يبلى ولا يتخلد، ولذلك قال تعالى: ?وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً? [ الكهف:46 ] .
* وروي أن اللّه تعالى أوحى إلى الدنيا: (( من خدمك فاتعبيه، ومن خدمني فاخدميه )).(1/53)


(25) أخبرنا أبو الحسن علي بن [محمد] بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا بكر بن أحمد ، حدَّثنا ابن الأشعث، حدَّثنا هشيم، حدَّثنا يحيى بن إسحاق، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( كان تحت الجدار الذي ذكر اللّه في القرآن لوح من ذهب فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم عجباً لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجباً لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجباً لمن يوقن بالنار كيف يضحك، وعجباً لمن يرى زوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه )) .
* قال أنس: والذهب لا يصدى ولا يبلى. وقد أسند إلى الصادق هذا الخبر في بعض مواعظه.
* وعنهما، أخبرنا العلكي، حدَّثنا حاتم بن قبيصة المهلبي ، حدَّثنا أبي، قال: كان زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام يدعو في تهجده فكان من دعائه: اللهم، إني اسألك سلُوَّا عن الدنيا، وبغضاً لها ولأهلها، فإن خيرها زهيد، وشرها عتيد، وصفوها يرنق، وجديدها يخلق، وخيرها ينكد، وما فات منها حسرة، وما أصيب منها فتنة، إلا من نالته منك عصمة، فاسألك العصمة منها، وأن لا تجعلني كمن رضي بها واطمأن إليها، فإن من اطمأن إليها خذلته، ومن وثق بها خانته.(1/54)


(26) أخبرنا أبو الحسين [الحسن بن] علي بن محمد بن جعفر الوبري ، أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ، حدَّثنا القاسم بن محمد، حدَّثنا أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين عليهم السلام، قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيباً على أصحابه فقال: (( أيها الناس، كأن الموت فيها على غيرنا [كتب] ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نُشَيِّع من الأموات قوم سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، نسينا كل واعظة، وأمنَّا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، واستقامت خليقته، طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وأنفق مما جمعه من غير معصية، وخالط أهل الفقه والحكمة، ورحم أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ولم يشذ عنها إلى بدعة )) ثم نزل.(1/55)

11 / 101
ع
En
A+
A-