* وفي بعض كتب أهل البيت عليهم السلام: كان فيما وعظ لقمان ابنه: يابني، إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم، فلم يبق ما جمعوا، ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر، قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً، فأوف عملك، واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة في زرع أخضر تأكله حتى إذا سمنت فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها، وتركتها فلم ترجع عليها آخر الدهر، جزها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها، واعلم أنك ستسأل غداً عن أربع: شبابك فيما أبليته؟ وعمرك فيما أفنيته؟ ومالك من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ فتأهب لذلك وأعد له جواباً، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن أباطيل الدنيا لا يدوم بقاؤها، وكثرتها لا يؤمن بلاؤها، فخذ حِذْرك، وجُدَّ في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرف لمعروف ربك، وانكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك، ويفصل قضاءك، ويُحَالُ بينك وبين ما تريد.
* وقال الباقر أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام، لجابر الجعفي: يا جابر أنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم أردت التحول من يومك ذاك، أو كَمَالٍ اكتسبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء، وإذا كنت في جنازة فكن كأنك سألت الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاين الموت، فإن مثل الدنيا عند العلماء كفييء الظلال.
* لمُصَنِّفِه:
ألا إنما الدنيا كظلة راكب رويد ظلال الركب ذروة دابر
* وعن زين العابدين عليه السلام:
أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع
(18) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد، حدَّثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدَّثنا علي بن الحسين بن إسماعيل، حدَّثنا الربان بن الزغلي، أخبرنا عبدالكريم بن روح، حدَّثنا [أبو] المقدام، عن الحسن [البصري]، إن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (( مالي وللدنيا مالي ولها ، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب مرَّ بشجرة فاستظل في ظلها ساعة من نهار، ثم راح وتركها )).(1/46)


(19) وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، حدَّثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، حدَّثنا القاسم بن عباد الخطابي، حدَّثنا إسحاق بن إسرائيل، حدَّثنا مسلم بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر )).
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: الدنيا دار عناء، وفناء، وبكاء.
* وعن زيد بن علي عليه السلام: الدنيا دار عناء، وفناء، وغير، وعبر، فمن العناء أن الدهر موتر قوسه، لا تخطي سهامه، ولا تأسو أجراحه، يرمي الحي بالموت، والصحيح بالعطب، آكل لا يشبع، وشارب لا يروى، ومن العناء أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى اللّه سبحانه فلا مال نقل، ولا بناء حمل.(1/47)


أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه، قال: حججت، ونزلت صربة في يوم الجمعة، وإذا أعرابي قد كَوَّرَ عمامته، ونكب قوسه، فصعد المنبر، وأثنى على اللّه، ثم قال: أيها الناس إنما الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، فإنه لن يستقبل أحد يوماً من عمره إلا بفراق آخر من أجله، وإن أمس موعظةٌ، واليومَ غنيمةٌ، وغداً لا ندري من أهله، فاستصلحوا ما تقدمون عليه، وراقبوا ما ترجعون إليه، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تُخْرَجَ منها أبدانكم، ففيها خلقتم وإلى غيرها ندبتم، وأنه لا قوي أقوى من الخالق، ولا ضعيف أضعف من المخلوق، فلا مهرب من اللّه إلا إليه، وكيف يهرب من يتقلب في يد طالبه؟ و?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ?[آل عمران:185] .
* وروي أن هارون بن محمد الملقب بالرشيد لما فتح أنقرة، وجد على بابها حجراً منصوباً عظيماً، عليه كتاب باليونانية ترجمته: يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها، وكِلِ الأمور إلى وليها، ولا يحملك إفراط السرور على مأثم، ولا تحملن على نفسك هم يوم لم يأتك، إن يكن من أجلك يأتك اللّه فيه برزقك، لا تكن أسوة المغرورين في جمع المال فكم رأينا من جامع لبعل حليلته، و(من) تقتير المرء على نفسه توفيره لخزانة غيره، ينبغي لحكماء اليونانية أن ينظروا في هذا الكتاب كل صباح.
* لمُصَنِّفِه:
أعاذل فارفضن سبل الملام
غرامي القصد من همم الغرام
لمحت رواغب الأيام طراً
فما هي غير أحلام المنام
زممت مطامعي عنها لعلمي(1/48)


بأن زمامها يرخي زمامي
وإن فضول زينتها غرور
وروح الروح في دار المقام
وإن جميع منيتها خداع
وريحان المنى دار السلام
فلا تقدم لمعصية تذكر
صراعك مرغماً تحت الرغام
ولا تقدح هواك بكل نبل
وراقب ما تجازى في الختام
فكل مزارع لا بد يوماً
سيحصد زرعه عند الصرام
ستجني ما غرست بلا ارتياب
فغرس الخير أنجح في الفصام
لقد حسرت يداك على اغترار
ببارق خلب مر الفطام.
* وكان أمير المؤمنين عليه السلام يتمثل:
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض على الماء خانته فروج الأصابع
* وكان سفيان الثوري يقول: الدنيا دار إلتواء لا دار إستواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء.
* وعن بعضهم:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
* الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: كنت أدور في ضيعة لي فسمعت إنساناً يقول:
وإن امرءاً دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور
قال: فنقشه أبو عمرو على فص خاتمه.(1/49)


* الأصبغ بن نباته، قال: كنت جالساً عند أمير المؤمنين عليه السلام، فجاء إليه رجل فشكى إليه الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار غناء لمن تزود منها، ودار عافية لمن فهم عنها، مسجد أحبَّاء الله، ومهبط وحيه، ومصلَّى ملائكته، ومُتَّجَرُ أوليائه، كسبوا فيها الجنة، وربحوا فيها الرحمة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، راحت بفجيعة، وابتكرت بعافية، تحذيراً وترغيباً وتخويفاً، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون، ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدَّقوا، فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها، متى استدنت إليك الدنيا؟ متى غرتك؟ أبمنازل آبائك من الثرى؟ أم بمصارع أمهاتك من البلى؟ كم مرَّضْتَ بكفيك؟ وكم علّلتَ بيديك؟ تبتغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم تنفعه بشفاعتك، ولم تستعف له بطلبك، مثلت لك به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك، غداة لا يغني بكاؤك، ولا ينفع أحبَّاؤك.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا أبو بكر بن دريد، حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف، حدَّثنا أحمد بن عبد الله القرشي، حدَّثنا يحيى بن عبد الله بن حسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، في هذه الرواية: ثم التفت إلى الحسن بن علي عليه السلام فقال: إن الناس يذمون الدنيا، وهي راحلتهم إلى الآخرة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد، أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، أخبرنا أبو بكر بن دريد، حدَّثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال: قال رجل لأمير المؤمنين علي عليه السلام: صف لنا الدنيا؟ فقال: ما أصف لك من دار من صَحَّ فيها أمن، ومن سقم ندم، ومن أفتقر حزن، ومن أستغنى فتن، حلالها حساب، وحرامها عذاب.
* وعن بعضهم: الدنيا جمة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحباً بصاحب.(1/50)

10 / 101
ع
En
A+
A-