الفقيه حسن بن عثمان، وكان أكبر وزراء الإمام المنصور بالله علي بن الإمام المهدي لدين اللّه العباس أمر من عنده من أهله، وقرابته، وعبيده بالتوقف، وأن لا يحصل منهم شيء إلى هؤلاء الذين يرجمون بيته، فلما رأى العوام أنه لا حراك لهم أمنوا فازداد شرهم بالرجم؛ حتى كسروا بعض الطاقات والشبابيك، وأما قمريَّات الزجاج والرخام كادوا أن يأتوا على الجميع، فلما رأى مَنْ كان داخل الدار شدتهم بالرجم رموهم بالبنادق، ولكن لا رصاص بها إنما كانوا يرمون بالباروت!!! فلما تيقنوا أنه لا رصاص في البنادق التي يرمونهم بها كادوا أن يثبوا على نهب داره، بل قد كانوا دخلوا بعض الأماكن التي في أسفل الدار، وكان ذلك من الفقيه حسن ومن لديه من سوء الرأي وعدم الحزم!!! بأنهم لو رموهم بأول بندق مرصَّصة وسمعوا وقعها لتفرقوا!!! فإنهم عند أول بندق سمعوها طاروا متفرقين حتى لحقهم من عرف أن لا رصاص في البنادق، وجعل يصيح لهم أنهم يرمون بباروت فقط فارجعوا فرجعوا، فلمَّا تيقنوا ذلك كادوا أن يذهبوا بالدار وما فيها، وقد كان اجتمع معهم من الأوباش!!! وبعض الأجناد للنهب والطمع!!! من غير نظر إلى شيء لولا تداركهم اللّه ببعض أولاد الإمام المنصور وهو سيدي محمد بن المنصور بجماعة من عسكره وقد كانوا ذهبوا إلى بيت الفقيه يحيى بن علي حنش وأرادوا أن يصنعوا به كما صنعوا ببيت الفقيه حسن عثمان فرموا ببندق مرصصة فطاروا لأوجاههم لا يلوون على شيء.(1/251)
فلما كان اليوم الثاني اجتمع جميع الوزراء والأمراء لدى الإمام المنصور فأرسل لشيخ الإسلام ليستشيره عما يكون به دفع هذه الحادثة، وجعل الإمام المنصور رحمه اللّه يؤنب الفقيه حسن عثمان حين لم يرمهم برصاص ويخطئه في فعله فاعتذر أنه ظنَّ أن الأمر كان بذلك من الإمام!!! ثم إنهم رجعوا إلى ما يحسم المادة إلى شيخ الإسلام فأمر بأن الجماعة الذين صاروا يجمّعون العوام في الجامع ويوقعون في أذهانهم ما يثيرون به الفتنة يودعون الحبس (تأمل!!!)وكذلك الفقيه أحمد حاتم تسكيناً للفتنة، وكان الذين يقرأون في الجامع هم: السيد يحيى بن محمد الحوثي، والسيد علي بن إبراهيم الأمير، والسيد إسماعيل بن أحمد مغلس الكبسي، وأخو صاحب الترجمة إسماعيل بن عز الدين النعمي وهو أجهلهم وأضرهم، ثم اقتضى الحال بعد ذلك حبس السيد الفاضل عامل الوقف إسماعيل بن حسن الشامي تظنناً أنه الذي أمر الفقيه أحمد حاتم بتعجيل الأذان (تأمل!!!).(1/252)
هذا وقد كان عامة صنعاء وأشرار الفقهاء !!! يتواصون بالاجتماع في الليلة الأخرى لكبس البيوت ونهبها فوقع الأمر بحبس جماعة من العوام والفقهاء الذين عرفوا تلك الليلة فحبسوا فتفرق شملهم وتواروا ثم أمروا من قد صار منهم في الحبس أن يعين كل واحد منهم من عرفه تلك الليلة معهم في إثارة الفتنة فعيّن كل رجل من المحبوسين جماعة فما زالوا يطلبون ويحبسون حتى اجتمع أكثر الأشرار في الحبس!!! ثم شدد الإمام المنصور رحمه اللّه عليهم لعلمه بأن مثل ذلك يعود بالخلل على دولته ومملكته وأن الفتن في الدين من أعظم ما يضعضع المملكة ويزيلها، وما يترتب على ذلك من نهب الأموال، وسفك الدماء، وهتك الحُرَم، ووثوب القوي على الضعيف، فما زال رحمة اللّه عليه يحرض في ضبط المجتمعين تلك الليلة وتتبعهم والترصد بهم ليلاً ونهاراً، حتى اجتمع في الحبوس أكثر الساعين المتسببين لذلك فأمر بنصفهم في اليوم الأول واستدعاهم إلى سوح داره وأمر ببسطهم على وجوههم وضربهم الخدم بالعصيّ ضرباً مبرحاً (تأمل!!!)، ثم استدعى في اليوم الثاني النصف الآخر منهم وصنع بهم كذلك، وكان فيهم من لم يكن أهلاً لذلك إذ كان من جانب أهل الفقه والهيئات!!! ولكنه كان معروفاً بالتعصُّب في ذلك!!! وكان من جملة من قد عيَّنه الذين قد صاروا في الحبس!!! ثم أمر بهم فجعلوا صحبة عسكر إلى حبس كمران!!! وبعضهم إلى حبس زيلع، وكان قد توارى جماعة من الذين انضموا إليهم تلك الليلة من الفقهاء المهاجرين في الجامع الكبير والعوام وغيرهم ممن يجوز مِنْه مثل ذلك، فلما علموا بما حلَّ بأولئك الجماعة طاروا لوجوههم (تأمل!!!)، وغيروا زَيهم، وهيئتهم، فمنهم من أوغل في بلاد القبائل النازحة، ومنهم من ذهب نحو مكة، ومنهم من وصل إلى الهند وفارقوا أوطانهم وأهليهم، ووقع في ذلك من الناس من لا ذنب له ولا سعي، بل منهم من لم يعلم بما وقع في تلك الليلة لأنه كان نائماً في بيته مع أهله ولم يبلغه الخبر(1/253)
بالواقع إلا في اليوم الثاني وقضى الناس أغراضهم بعض في بعض، وسعى العدو بعدوه لاتساع مجال قبول كلام السَّاعي فيمن يسعى به، فخاف الناس وفزعوا، وصاروا في وجل عظيم، واستوى في ذلك البار والفاجر والفاعل وغيره، حتى لقد كاد أن تخلى المساجد من الجماعات، وهكذا عاقبة شؤم الفتن في الدين.
إلى آخر ما ذكره الشجني من مناقب شيخه الشوكاني، خلاصه القول أن المترجم واحدٌ من ضحايا قاضي القضاة الذين اختلفوا معه فكريا، فكان مصيرهم السجن ـ والتعذيب ـ والتعزير ـ والنفي ـ والتشريد ـ والقتل (انظر ترجمة الشهيدين محمد صالح السماوي، ومحمد بن علي العمراني)، ولقد كان المترجم ممن أرسلهم المنصور بمشورة الشوكاني إلى سجن زيلع فبقي محبوساً هنالك حتى توفي بعد أربع سنوات في سجنه سنة 1220ه، لندع الشوكاني يروي الحادثة حيث يقول في ترجمة السيد يحيى محمد الحوثي (البدر الطالع 2/584):(1/254)
(وفي ليلة رابع عشر شهر رمضان سنة 1216ه ثارت بسببه فتنة عظيمة بصنعاء وذلك أن بعض أهل الدولة ممن يتظهر بالتشيع مع الجهل المفرط والرفض باطناً أقعد صاحب الترجمة على الكرسي الذي يقعد عليه أكابر العلماء المتصدرون للوعظ وأمره أن يملي على العامة كتاب (تفريج الكروب) للسيد إسحاق بن يوسف المتوكل المتقدم ذكره وهو في (مناقب علي كرم اللّه وجهه) ولكن لم يتوقف صاحب الترجمة على ما فيه بل جاوز ذلك إلى سب بعض السلف (معاوية كما في رواية التلميذ السابق)مطابقة لغرض من حمله على ذلك لقصد الإغاظة لبعض أهل الدولة المنتسبين إلى بني أمية كل ذلك لما بين الرجلين من المنافسة على الدنيا، والمهافتة على القرب من الدولة، وعلى جمع الحطام، فكان صاحب الترجمة يصرخ باللعن على الكرسي فيصرخ معه من يحضر لديه من العامة وهم جمع جم، وسبب حضورهم هو النظر إلى ما كان يسرج من الشموع وإلى الكرسي لبعد عهدهم به وليسوا ممن يرغب في العلم فكان يرتج الجامع ويكثر الرهج ويرتفع الصراخ ومع هذا فصاحب الترجمة لا يفهم ما في الكتاب لفظاً ولا معنى بل يصحف تصحيفاً كثيراً ويلحن لحناً فاحشاً ويعبر بالعبارات التي يعتادها العامة ويتحاورون بها في الأسواق، وقد كان في سائر الأيام يجتمع معهم ويملى عليهم على الصفة التي قدمنا ذكرها في مسجد الإمام صلاح الدين فأراد أن يكون ذلك في جامع صنعاء الذي هو مجمع الناس، ومحل العلماء والتعليم، لقصد نشر اللعن والثلب والتظاهر به، فلما بلغ ذلك مولانا خليفة العصر حفظه اللّه جعل اشارة منه إلى عامل الأوقاف السيد إسماعيل بن الحسن الشامي أنه يأمر صاحب الترجمة أن يرجع إلى مسجد صلاح الدين فأمر السيد المذكور الفقيه أحمد بن محسن حاتم رئيس المأذنة أن يبلغ ذلك إلى صاحب الترجمة فأبلغه فحضر العامة تلك الليلة على العادة ومعهم جماعة من الفقهاء الذي وقع الظلم بهذا الأسم بإطلاقه عليهم فإنهم أجهل من العامة، فلما لم يحضر صاحب(1/255)