ولست أدري بِمَ استدل الأكوع على جارودية الجنداري؟ وما هو تعريفه للجارودية؟ وقد خبط في توزيع وتصنيف العلماء الأعلام إلى: (جارودية)، و(رافضة)، و(شيعة محترقة)، و(أهل كتاب وسنة)، و(مقلِّدة)، و(متعصبين) بلا تحديد ولا انطباق للأوصاف في الأعمَّ الأغلب، وسنناقش ذلك في فقرات تالية ولا أدري كيف رجع الجنداري إلى الحق والعمل بالكتاب والسنة؟ وأي حق؟ وأي كتاب وأية سنة يقصد؟ وهل كل اتباع المذاهب ومئات العلماء ممن ذكرهم على غير الحق ومنحرفون عن الكتاب والسنة!!؟
3ـ أورد من كتب الجنداري : (سمط الجمان شرح الرسالة الناصحة للاخوان) وعلَّق في الهامش قائلا: (سمعت من القاضي عبدالله بن محمد السرحي ـ رحمه اللّه ـ وهو ابن أخت المترجم له: إن مؤلفه ندم على ما فرط منه في هذا الكتاب من وصف الإمام محمد بن إبراهيم الوزير ـ رحمه اللّه ـ بأنَّه أسير الحشوية ولما فيه من قضايا أخرى جرى بها قلمه عن جهل!!! وأنَّه كان يتمنى لو فقد أحد أولاده عوضاً أن يستردَّ هذا الكتاب من أيدي الناس ليتلفه!!!! وذلك بعد رجوعه إلى جادة الصواب ـ غفر اللّه له ولنا ولجميع المسلمين آمين ).
وأقول لجأ إسماعيل الأكوع في كثير من الأكاذيب، والأوهام، والظنون، إلى الإسناد إلى علماء عاصرهم وقد توفوا، وسنورد في صفحات قادمة بعض النماذج لذلك وهو ما يدعونا إلى السخرية والشفقة والرثاء لهذا السُّقوط المريع الذي قاده إليه الهوى، والتعصب الأعمى.(1/46)
أما الجنداري فليس ضعيفا!! ولم يكن جباناً، فقد كان وبشهادة الأكوع جريئاً في قول الحق لا يخاف لومة لائم، لو ندم لاعتذر في مؤلفاته التي كتبها بعد رجوعه إلى جادة الصواب وإلى الحق كما زعم إسماعيل ومؤلفاته ـ والحمد لله ـ موجودة مخطوطة في كثير من المكتبات الخاصة، ومنها بخطه الكثير أما الإتلاف فهو وظيفة آخرين يعلمهم إسماعيل حق العلم، ويعرفهم كامل المعرفة، وإذا تجاهل ذكرناه وسردنا له بعض الكتب النادرة التي ضاعت واختفت وربما أتلفت.
و ـ مؤلفات بين المدح والقدح!!
لم يترك إسماعيل الأكوع ما سرد من المؤلفات دون تقييم، ودون مدح لبعضها، وقدح للبعض الآخر، وأحكام تستند إلى الهوى والرأي الشخصي، وقد حظيت مؤلفات من وصفهم بأهل الحق وأصحاب الكتاب والسُّنة) بالمديح المبالغ فيه، والاقتطاف لما يوافق الهوى ويخدم الغرض، وخصوصاً ما يتعلق بمسائل الخلاف الفقهي التي يريد الانتصار لرأي فيها. إذ يقتطف أقوال أصحاب الرأي وردودهم، ويغفل وجهات النظر المخالفة ويسفهها، نجد هذا واضحاً في تراجم ومؤلفات: (محمد إبراهيم الوزير، نشوان الحميري، محمد بن إسماعيل الأمير، آل الجلال، صالح المقبلي ـ عبدالقادر بن أحمد وأمثالهم).
وبالمقابل يحط من مؤلفات المخالفين لهم في الرأي، ويتناولها بالقدح والذم، ويحكم عليها بلا مستند بالميل عن الحق والخروج عن جادة الصواب و.. والخ.
وعلى سبيل المثال:
ـ ص156 في ترجمة إسماعيل بن حسن جغمان قال في حاشية عن كتابه (العقد الذي انتضد بذكر من قام من العترة لا من قعد) ما نصه: رأيت هذا الكتاب فوجدت فيه من التحامل على صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنهم، ما لا يليق ولا يصدر إلا عن جاهل!! ولا غرابة في ذلك فقد كان جاروديا مغالياً!!!
ـ ص186 في ترجمة الإمام محمد بن عبدالله الوزير قال عن كتابه (فرائد اللآل في تشييد مذهب الآل): وفي ردوده على المقبلي تعسُّف بغير حق.(1/47)
ـ ص638 ترجمة العلاَّمة إسماعيل بن عز الدين النعمي قال عن كتابه (السيف الباتر المضيء في الرد على إرشاد الغبي): قد اطلعت عليه وفيه تحقير وازدراء بالخلفاء الراشدين ـ رضي اللّه عنهم ـ وتكفير وتفسيق من أحبهم..الخ.
ز ـ إرشاد السامع إلى جواز أخذ مال الشوافع
قال الأكوع في كتابه (المدخل إلى معرفة هجر العلم ومعاقله في اليمن) ص88 في ترجمة يحيى بن الحسين بن القاسم:لم يبايع عَمَّه الإمام المتوكل إسماعيل لأنَّه أنكر عليه أموراً منها: جعله الأرض التي يمتد نفوذ حكمه إليها خراجية!! وله رسالة أسماها: (إرشاد السامع إلى جواز أخذ مال الشوافع) وقال في كتابه (هجر العلم ومعاقله) ص1079، بعد أن شَكَّك في مؤلفات المتوكل على اللّه إسماعيل كلها بقوله: آثاره التي تنسب إليه.
1ـ (إرشاد السامع إلى جواز أخذ مال الشوافع). وهنا فقط أوضح في الحاشية مبرراً سرده لهذا المؤلف الجديد الذي لم يسمع به أحدٌ من قبل والذي أضافه للمتوكل على اللّه إسماعيل قائلا: أخبرني القاضي محمد بن يحيى بن محمد الأرياني رئيس الإستئناف الأسبق: إن هذه الرسالة موجودة لدى الشيخ علي بن يحيى الجبي من ريمة كما أخبره هو نفسه، والله أعلم.
أسند الأكوع إلى معاصر ميت، وسند الميت إلى شيخ نكرة، ولو صح ما قاله الأكوع لسافر للحصول على هذه الرسالة حافياً إلى الإسكيمو وليس إلى ريمة فحسب، وخصوصاً بعد عمر طويل منه عشرون عاماً وحدها قضاها باحثاً ومنقباً في كتب التاريخ والتراث في اليمن وفي العالم عن مثالب الزيدية وأئمتها الذين يحمل في نفسه عليهم حقداً منذ الصغر، ومنذ أن صاح فيه الإمام: (خبيث على البزِّ نزغه على الحليب).(1/48)
عزاؤنا أن حصيلة الأكوع من هذا الجهد مثالب أغلبها مفتراة لا تكاد تذكر ولا تقارن بمثالب حاكم واحد ممن يتعصب لهم ويعتد بهم، ولا أخفيكم أن إسناد الأكوع لكتاب (إرشاد السامع) المزعوم تذكرني بحكاية البدوي الذي عاد من صنعاء إلى قريته وأخذ يحدثهم عن (الزَّلابيا) ولذته وحلاوته، فقيل له: هل أكلت منه؟ فقال: بلهجته البدويه: (أخبرني: رفيقي، أخبره: رفيقه. أن رفيقه تذوقه فوجده طعيم وحالي).
لقد خصص الأكوع حيزاً كبيراً من كتابه يقارب المائة صفحة في مثالب المتوكل على اللّه إسماعيل، والتنديد عليه لأنه يرى التكفير بالالزام، وأورد رسالة منه إلى المؤرَّخ يحيى بن الحسين نقلاً عن الأخير ثم تعرَّض لمن كتب رداًّ على المتوكل على اللّه إسماعيل، ونشر نشراً مبتسراً مشوهاً لكلِّ من وجد له رسالة في نفس المسألة، وحشى بها تراجمهم دون أن يكلف نفسه البحث عن رسالة المتوكل على اللّه إسماعيل الأصلية التي كتبت الردود عليها، وخاض في التشنيع على المتوكل على اللّه إسماعيل في ترجمته المكررة في كل من هجرة شهارة وهجرة ضوران، وفي تراجم كثيرة. (أنظر فصل الأكوعان والمتوكل) من كتابنا (جناية الأكوع على العلم والعلماء) .
وفيما سبق سرده من عجائب الأكوع المتعلقة بالمؤلفات الكفاية لتوضيح سقطاته المريعه، وهي قطرة من مطرة و الموضوع مستكمل في كتابنا المذكور، وقد أطلت وأسهبت في الحديث، لكني أختتم الكلام بتوجيه خالص الشكر والتقدير لكل من مدَّ إليَّ يد العون مادياً ومعنويا وفي المقدمة أولئك الزملاء الأعزاء الذين بذلوا الجهد والمال في خدمة التراث والفكر، من خلال مؤسسة دار التراث اليمني ومؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، أولئك الذين يسروا لي الحصول على المراجع التي احتاجها ووفروا بعض تكاليف الرحلات والزيارات للمكتبات الخاصة و تكاليف طباعة وإخراج هذا الكتاب.(1/49)
أسأل اللّه تعالى أن يجزيهم عني وعن الأمَّة خير الجزاء، وأن يجعلها في ميزان أعمالهم خالصة موفورة، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وقد كان الموضوع الأهم وهو التعريف بالزيدية نشأة وفكراً ومعتقداً وجهاداً هو موضوع هذه المقدمة التي أردت أن تتضمن التالي:
1ـ التعريف بالزيدية وتحديد من هو الزيدي.
2ـ الإمام زيد مؤسس المذهب.
3ـ أصول الزيدية ومبادئهم.
4ـ أثرهم على الحضارة الإسلامية.
5ـ الفرق التي نسبت إلى الزيدية وما هو الصحيح منها:
ـ الجارودية ـ البترية ـ الصالحية ـ المطرفية ـ المخترعة ..الخ مع دارسة النصوص عنها.
6ـ مراحل تطور الفكر الزيدي واستعراض لطبقات أعلام العظماء.
7ـ المراحل التاريخيه والمناطق الجغرافيه لنفوذ الزيدية.
8ـ إسهام الزيدية وجهودهم في خدمة الفكر:ـ
أ ـ الزيدية وعلوم القرآن.
ب ـ الزيدية وعلوم السُّنة النبوية.
ج ـ الزيدية وعلم أصول الدين (الكلام).
د ـ الزيدية وعلم الفقه وأصوله.
هـ ـ الزيدية والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.
و ـ الزيدية والزهد والتصوف.
ز ـ الزيدية وعلم الفرائض.
ح ـ الزيدية وبقية العلوم.
9ـ الزيدية وعلاقتها بالفرق الأخرى.
10ـ الزيدية بين الماضي والحاضر.
11ـ خاتمة واستنتاج.
ولكن للأسف الشديد داهمني مرض التهاب الكبد الفيروسي، ولما أستكمل بحوث هذه المقدمة التي تحتاج إلى دقة في البحث، والتعريفات، وتحديد المصطلحات، والإلمام بالتفاصيل، والرد على من شوه ومسخ وأساء التعريف بالزيدية، وخبط في هذا الموضوع. ولعل ذلك سيكون موضوع مقدمة الطبعة الثانية لهذا الكتاب إن مد الله في العمر. والله المسئول أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم .
عبد السلام عباس الوجيه
صنعاء ...
التأريخ: ... 28/2/1999م
الموافق: ... 13/11/1419 هـ
حرف الألف
أبان بن تغلب
[ ….ـ 141ه ]
أبان بن تغلب بن رباح البكري الجريري، مولى بني جرير بن عبادة. مفسِّر، قارىء، محدِّث، فقيه، أديب، لغوي، نحوي.(1/50)