حكم اللابس عامداً أو ناسياً:
من لبس عامدًا لزمته الفدية. قال المؤيد بالله: لا خلاف في ذلك. ومن لبس ناسيًا أخرجه بلا تغطية لرأسه ولو أدّى إلى شقه ما لم يجحف به، ولزمته الفدية على المذهب وقول أبي العباس وأحمد وأبي حنيفة. وعند أبي جعفر الباقر والهادي إلى الحق والناصر والمنصور بالله ومحمد بن منصور والشافعي: لا شيء على الناسي وهو المختار. قال في شرح التجريد: (( فأما الناسي فلم نوجب عليه شيئًا، وهو قول الشافعي خلافًا لأبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما لبس الثوب ناسيًا شقه وخرج منه، ولم يُروَ أنّه فدّى. وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعرابيًا محرمًا عليه جبة فأمره بنزعها ولم يأمره بالفدية.)). انتهى. وأما على ما قرروه للمذهب، فإن أخرجه وغطى رأسه فلا تلزم إلا فدية اللبس إذا كان في مجلس واحد.
الثاني:(1/41)


تغطية رأس الرجل ،والأذنان منه، خلاف محمد بن منصور، وتغطية وجه المرأة. وقد أشار إلى ذلك النهي عن العمامة والبرنس. وفي شرح الأحكام بسند صحيح إلى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام: (( إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها.)). وفيه عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها )). قلت: والقصر هنا إما ادعائي للمبالغة وهو من الحقيقي، وإما إضافي بحسب اعتقاد المخاطب. فإن اعتقد أن الإحرام في غير الرأس والوجه، فقلب، أو تردد فتعيين، أو فيهما وفي غيرهما فإفراد. وقد وهم هنا الشارح في الروض وهمًا واضحًا، وقد علّقت عليه هناك. وبه ((لا تتنقب المرأة الحرام )). وفي شرح التجريد، وروى أبو داود وابن أبي شيبة بأسانديهما إلى ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب معصفرًا أو خزًا أو سراويل أو قميصًا. انتهى. وأخرج أحمد والبخاري والنسائي والترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )).
فائدة: النقاب: هو الخمار وفيه نقبان للعينين، والقُفَّاز كَرُمَّان. قال في الجامع: شيء تتخذه المرأة تدخل فيه يديها إلى الرسغين، وله موضع الأصابع؛ انتهى.(1/42)


قلت: وهذا يدل على تحريم ما ذكره على المحرمة. وروى في البحر عن علي وعمر وعائشة وعن العترة برواية الإمام يحيى وعن الشافعي: أنه يحرم على المرأة النقاب والقفازان لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عنه. وعند أهل المذهب وبعض الصحابة وأبي حنيفة وغيرهم أنه يجوز لها لبس القفازين، والأول هو الأَوْلى، فتحرم تغطية رأس الرجل، ووجه المرأة أو جزء منهما يتبين أثره في التخاطب بأي مباشر استقر قدر تسبيحة أو لم يستقر بلباس أو بغير لباس. ويدل على التعميم شق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قميصه لئلا يصيب رأسه. وفي الجامع الكافي، روى محمد بإسناده عن ابن عباس قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل المحرم بين الكعبة وبين أستارها.)). أما غير المباشر كالخيمة والظلة والسقف ونحو ذلك مما لا يباشر فلا بأس به. وقد روي أن المرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تسدل الجلباب من الرأس على وجهها إذا حاذاها الركبان، فينبغي مثل ذلك. أما عند خشية الفتنة فيجب الستر وإن لم يمكن إلا بالمباشر، وتلزم الفدية كالمريض. وحكم الخنثى حكم المرأة، ولا تلزمه الفدية إلا لتغطية الرأس والوجه أو بعضهما.
فائدة: ما يستثنى من التغطية: يستثنى تغطية الرأس والوجه عند الغسل بدون انغماس، فإن انغمس لزمت الفدية ولو لم يستقر. وعند التغشي والحك، بشرط عدم استقرار التغطية في ذلك كله قدر تسبيحة. ويعفى أيضًا عند النوم والاضطجاع عما يتغطى بالأرض أو وضع اليد أو الوسادة تحته. وكذا إذا ألصق رأسه عند النوم بالحائط أو نحوه. قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: أو وقعت التغطية حال نومه، فإذا انتبه رفعه. والمذهب تلزم الفدية والخلاف فيه كالخلاف في الناسي وقد سبق. وما لا فعل له فيه كما تلقيه الريح أو غيرها وأزاله فورًا فلا فدية فيه. ويعفى للمرأة من تغطية الوجه ما لا يتم تغطية الرأس إلا به.
الثالث:(1/43)


التماس الطيب، فيحرم تعمّد شمه ولا فدية، وإنما تجب الفدية حيث لمس الطيب بحيث يعلق ريحه، ولو ذهبت حاسة الشم لم تسقط الفدية.
فرع: ومن لطخه غيره بطيب ألقاه عن نفسه فورًا، والفدية على من لطخه، فإن فرط في حفظ نفسه لزمتهما وتعددت، وإن ألقته الريح وأزاله فورًا فلا شيء عليه. وإن تراخى وقتًا تمكن إزالته فيه، لزمته ويحرم مسه إذا كان ينفصل ريحه وإلا جاز. ويجوز له بيع الطيب وحمله في قواريره ونحوها.
تخصيص الحجر الأسود:
يخص من ذلك الحجر الأسود فإنه يقبله ولو كان فيه طيب، ويزيل ما انفصل إليه فورًا. وفي البحر: وله التماس الركن مطيبًا والدنو من الكعبة حال تجميرها.
مسألة: الرياحين على ثلاثة أضرب:
الأول: تتعلق بفعله الفدية والإثم، وهو الذي إذا يبس كان طيبًا كالورد والوالة والبنفسج والكاذي والصندل.
الثاني: محرم شمه ولا فدية فيه، وهو الريحان الأبيض والأسود.
الثالث: لا إثم فيه ولا فدية، وهو الشذاب والخزامى وهو النرجس والبردقوش والبعيثران وهو الغبيراء ونحو ذلك.
ولا يأكل طعامًا مزعفرًا إلا ما ذهب ريحه. ولا يلبس ثوبًا مبخرًا بالعود ونحوه لا بالمائعة واللبان والجاوي ونحوها. وفي الإبانة والانتصار: (( ويجوز شم الطيب ما لم يستعمله.)). وفي البحر: (( والمسك يحرم التماسه إجماعًا إذ نص على الورس والزعفران وهذه أبلغ.)).
الدليل على تحريم الطيب للمحرم:(1/44)


قلت: وبالسند الصحيح إلى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام: (( لا يدهن المحرم ولا يتطيب.)). وفي شرح التجريد: (( أما الطيب فلا خلاف أن المُحرم ممنوع منه، وإنما الخلاف في التطيب للإحرام...))، وفيه: (( فأما الفاكهة فإنها لا تجري مجرى الطيب.)) انتهى. فالفواكه المأكولة كالسفرجل والأترج والليم والتفاح يجوز شمها، لأن المقصود بها الأكل ويلزم شمها. وفي البخاري أن يعلى قال لعمر: أرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين يوحى إليه. قال: فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى، فجاء وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوب قد أُظِلّ به فأدخل رأسه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمر الوجه وهو يغطّ ثم سُرِّيَ عنه. فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل، فقال: (( اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك )). وأخرجه المؤيد بالله عليه السلام مختصرًا بلفظ: وعليه جبة وهو مصفر اللحية والرأس، وفيه: انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة. وقال: وفي بعض الأخبار: اغسل عنك أثر الخلوق والصفرة... إلى آخره.
الكلام على الطيب عند الإحرام:
وأما ما رواه الستة عن عائشة قالت: (( طيبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.)). وفي شرح التجريد أنها قالت: (( كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم.)). فقد أجيب عنه بأجوبة أحسنها ما قاله المؤيد بالله عليه السلام: (( ويجوز أن تكون طيبته قبل إحرامه، ثم لما أراد الإحرام غسله عن نفسه.)). فقد روي أيضًا أنها قالت: ((طيبته قبل أن يحرم.)).(1/45)

9 / 57
ع
En
A+
A-