ولبس ثياب الزينة كالحرير والحلي والمعصفر والمورس وخاتم الذهب - لا الفضة والعقيق والثياب البيض والسود والخضر والزرق فجايزة - وإن انفصل شيء من المزعفر أو المورس إلى الجسد لزمت الفدية لأنه طيب، وكل هذا للرجال والنساء. وأجاز الشافعي للمرأة الحرير والحلي. و أجاز الإمام يحيى والفريقان الحلي. وأجاز الإمام زيد بن علي والناصر عليهما السلام المورس والمزعفر للمرأة، ويحتج لهم بما رواه في شرح الأحكام بسند صحيح إلى علي عليه السلام: (( تلبس المرأة المحرمة ما شاءت من الثياب غير ما صبغ بطيب، وتلبس الخفين والجبة والسراويل.)). وليس بواضح، والأحوط الترك لما روي من نهيه عما مسه الورس، ولمنافاة لبس الحلي والزينة للإحرام. ويحمل كلام علي عليه السلام على غير المنهي عنه فيكون العموم مخصوصًا، وهذا هو المذهب. وفي المجموع فيما لا يلبسه المحرم من كلام علي عليه السلام: (( ولا ثوبًا مصبوغًا بورس أو زعفران.)). وفي الخبر الذي أخرجه الستة عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما لا يلبسه المحرم: (( ولا ثوب مسه ورس أو زعفران )). وفي الجامع الكافي عن عقيل أنه أحرم في مُوردتين، فقال عمر: (( أتحرم في موردتين؟ إنك لحريص على الخلاف.)). فقال له علي عليه السلام : (( دعنا منك فليس أحد يعلمنا بالسنة، قال: صدقت صدقت.)). ويحمل على أن ذلك لا زينة فيه.(1/36)
وعقد النكاح له أو لغيره، إيجابًا أو قبولاً، أصالة أو وكالة أو فيضلة. ويعتبر إحلال الولي حال عقده أو عقد وكيله أو إجازته لا حال توكيله، ولا تحرم الشهادة على حلال، ولا الرجعة ولو بعقد، لأنه إمساك، والنهي ورد عن النكاح. فأما الخِطْبة، فالمذهب الجواز، والمختار عدمه لما في أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا عليه السلام كان يقول: (( لا يخطب المحرم ولا ينكح، فإن نكح فنكاحه باطل.)). وفي الجامع الكافي عن محمد ذكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب )). وأخرجه الستة إلا البخاري عن عثمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكر الترمذي: ولا يخطب. وفي الجامع الكافي عن علي عليه السلام: (( لا ينكح المحرم ولا ينكح فإن نكح فنكاحه باطل.)). قال محمد: (( لا أعلم بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلافًا أن المحرم لا يتزوج ولا يُزوج.)). وفي شرح التجريد وروى أبو بكر ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا وعمر قالا: (( لا ينكح المحرم ولا ينكح، فإن نكح فنكاحه باطل.)) انتهى، وهو في أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام.
فائدة: والنكاح مع العلم باطل، ومع الجهل فاسد للخلاف. وقد خالفت الحنفية لحملهم النكاح على الدخول، محتجين بخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نكح ميمونة وهو محرم، وهو معارض بأخبار أنهما حلالان، وهي أرجح لأنها ناقلة وحاظرة، وروتها ميمونة وأبو رافع وهما أخص. والنكاح حقيقة في العقد، وأيضًا قد وصف بالبطلان ولا يوصف به إلا العقد.
تنبيه: لا توجب هذه المحظورات إلا الإثم، ولا فدية فيها.
انتهى الكلام في النوع الأول.
النوع الثاني:(1/37)
الوطء ومقدماته من لمس وتقبيل ونظر لشهوة، ولا شيء في المقدمات إلا الإثم على المذهب. وفي الجامع الكافي، وروى محمد بإسناده عن علي عليه السلام وابن عباس وأبي جعفر وعبد الله بن الحسن عليهم السلام وغيرهم أنهم قالوا: (( إذا قبّل المحرم امرأته أهرق دمًا.))، انتهى.
هذا وفي الوطء بدنة، وأقله ما يوجب الغسل. وتدخل مقدمات الوطء في كفارته كتحرك الساكن والإمناء قبله وبعده لا الإمذاء فلا يدخل، وسواء وقع إنزال مع الوطء أم لا، وفي أي فرج وسواء الرجل والمرأة. ولزوم البدنة في الوطء هو قول القاسمية من العترة والشافعية وروي ذلك عن علي عليه السلام. وعند الإمام الناصر والحنفية: شاة. وفي الجامع عن محمد بن منصور ما لفظه: (( فإن لم يكن بدنة فبقرة، فإن لم يكن بقرة فشاة.)). وروى محمد بإسناده عن علي عليه السلام وابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن المسيب نحو ذلك؛ انتهى. وفي المجموع والأمالي وشرح التجريد بالأسانيد الصحيحة عن علي عليه السلام: الهدي.وهو صادق بالشاة، وسيأتي بلفظه إن شاء الله.
والبدنة لازمة في ذلك ولو بعد الوقوف وبعد الرمي قبل طواف الزيارة. وعند الإمام زيد بن علي والناصر والإمام يحيى: لا يلزم بعد ذلك إلا شاة. قلت: هكذا روي عنهم في البحر. وفي المجموع عن الإمام زيد بن علي عليهم السلام لزوم البدنة، وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة: (( لا شيء فيما دون الإمناء.)). حكاه عنه في بيان القاضي، أفاده الإمام عز الدين بن الحسن في شرح البحر.
وفي الإمناء لشهوة في يقظة بأي سبب عن تقبيل أو لمس أو نظر أو تفكر بدنة. وعند الإمام زيد بن علي والناصر والفريقين شاة.
وفي الإمذاء أو ما في حكمه بقرة، والذي في حكمه صورتان:
إحداهما: حيث لمس أو قبل ثم بعد ساعة أمنى، لكنه خرج لغير شهوة وغلب في ظنه أن الموجب له ذلك، ولا غسل في هذا.
الثانية: أن يستمتع ولم يولج ولا أمنى ولا أمذى.(1/38)
وعند الإمام زيد بن علي: ليس في الإمذاء إلا شاة، ولاشيء فيه عند الشافعي.
وفي تحرك الساكن شاة إذا تحرك لأجل شهوة عن لمس أو تقبيل أو نظر أو تفكّر، وسواء في ذلك الرجل والمرأة.
تكرار الكفارة:
وتتكرر الكفارة بتكرر الموجب في جميع هذه الصور ولو في مجلس واحد، إلا تحرك الساكن إذا كان متصلاً، ولو طالت المدة ما لم يسكن ثم ينتشر فتتكرر. وحكى السيد يحيى للمذهب أن الكفارة لا تتكرر بتكرر الوطء ما لم يتخلل إخراجها. وذكره ابن أبي الفوارس عن الهادي عليه السلام في المفسد كما يأتي.
ولا بدل لهذه الدماء على الصحيح إلا دم الوطء المفسد، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
النوع الثالث سبعة أشياء:
الأول:
لبس الرجل المخيط والمعتبر ما يسمى لُبْسًا عرفًا. فلو أدخل يده في كيس أو كم الغير أو وضع القلنسوة على يده فلا فدية، والمعتبر من المخيط ما كان عن تفصيل وتقطيع. وفي البحر والكواكب: المُحيط بالحاء المهملة سواء كان بخياطة أو نسج أو إلصاق إذا كان يسمى لبسًا وإن قلَّ المغطَّى من العضو.
قلت: ولم يرد في المخيط نص بلفظه فيما أعلم، ولكنه نبّه عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (( لا يلبس المحرم قميصًا ولا سراويل ولا خفين ولا عمامة ولا قلنسوة ولا ثوبًا مصبوغًا بورس ولا زعفران )).
قال: وإن لم يجد المحرم نعلين لبس خفين مقطوعين أسفل من الكعبين. أخرجه الإمام زيد بن علي بسند آبائه عليهم السلام. وأخرجه الستة عن ابن عمر بزيادة البرنس، واختلاف يسير في اللفظ مع الاتفاق في المعنى. وزاد في خبر الإمام: ((وإن لم يجد إزارًا لبس سراويل، وإن لم يجد رداء ووجد قميصًا ارتدى به ولم يتدرعه)) انتهى. وقد وردت زيادة السراويل في أخبار صحيحة، فنبّه بالقميص على كل مخيط.(1/39)
تنبيه: ورد في خبر ابن عباس رضي الله عنهما ذكر الخفين بدون قطع، فأخذ من ذلك الشيخ ابن تيمية وبعض الظاهرية النسخ للقطع وهو غير صحيح، بل هو مطلق مقيد بخبر القطع السابق كما هي القاعدة الصحيحة المقررة في الأصول، فقد اتفقا حكمًا وسببًا. وأيضًا نسب ابن تيمية الترخيص إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (( وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالقطع أولاً ثم رخص بعد ذلك في عرفات.)) انتهى. ولم يرد بلفظه فهو إيهام، وأيضًا أضاف الخبر الذي عن ابن عباس في عرفات إلى ابن عمر حيث قال: (( لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في عرفات، كما رواه ابن عمر.)) وهو غلط، ولفظه قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بعرفات: (( من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين ))، متفق عليه. وليس فيه ذكر القطع، وهو مقيد بالخبر السابق، فتدبر وكن على بصيرة في هذا وغيره.
فائدة: الخف إلى نصف الساق، والجورب إلى فوق الركبة، والبرنس بكسر الموحدة كل ثوب رأسه منه ملتصق به. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة ، والقلنسوة - بفتح القاف مع ضم السين أو ضم القاف مع كسر السين وقلب الواو ياء.
هذا ولا يحرم لبس المخيط على المرأة، ويحرم على الخنثى على المذهب ترجيحًا لجنبة الحظر، ولا فدية عليه إن لبس، ويلحق بالقميص ما في حكمه كالدرع.
فائدة: لا حرج في الارتداء بالقميص ونحوه، إذ ليس لبسًا. وقد أفاده الخبر السابق ولا في شد الهميان والمنطقة عند العترة والفريقين، وكتقليد السيف والمصحف ونحوها ولو مخيطات لذلك.
وإن لم يجد إزارًا ولبس سراويل لزمته الفدية على المذهب، والمختار عدم اللزوم إن لم يجد غيره ولم يكن الاتزار به، إذ قد وردت به الرخصة. ولم يذكر الفدية وهو في مقام البيان.(1/40)