الاغتسال لدخول مكة والحرم:
ويستحب الاغتسال لدخول مكة المشرفة والحرم، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين ومحمد بن علي عليهم السلام أنهم كانوا يغتسلون بذي طوى، ثم يدخلون مكة المكرمة، رواه في شرح التجريد. وفي جامع الأصول، وذكر رزين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغتسل لإحرامه وطوافه ولوقوفه بعرفة؛ انتهى. قوله: (بذي طوى) - هو بتثليث المهملة مقصور، ويمد ويصرف ويمنع - وادٍ على نحو فرسخ من مكة على طريق التنعيم، ويعرف الآن بالزاهر.
فائدة: ذكر الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام أنه إذا انتهى المحرم إلى قرب الحرم استحب له أن ينزل فيغتسل، ثم يدخل الحرم ويقول: (( اللهم هذا حرمك وأمنك والموضع الذي اخترته لنبيك وافترضت على خلقك الحج لك إليه، وقد أتيناك راغبين فيما رغبتنا فيه، راجين منك الثواب عليه، فلك الحمد على حسن البلاغ، وإياك نسأل حسن الصحابة في المرجع، فلا تخيب عندك دعاءنا، ولا تقطع منك رجاءنا، واغفر لنا وارحمنا وتقبل منا سعينا، واشكر فعلنا، وآتنا بالحسنة إحسانًا وبالسيئة غفرانًا يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.)) انتهى.
وفي الجامع الكافي : (( فإذا وضعت رجلك في الحرم فقل: بسم الله ولا قوة إلا بالله. اللهم هذا الحرم حرمك والعبد عبدك، وقلتَ ? ومن دخله كان آمنًا ? اللهم فحرّم بدني على النار.)) انتهى.
ومما يستحسن أن يقول: (( اللهم هذا حرمك وأمنك الذي دعانا إليه إبراهيم خليلك بأمرك. اللهم اجعلنا ممن أجاب فوفقته، ورحل إليك فقبلته، يا قابل التوابين.)). ثم يقرأ سورة القدر.
تنبيه: حدود الحرم المحرم، قد جمعتها في هذين البيتين:
و سبعتها نحو اليماني المحببِ

ثلاثة أميال إلى نحو يثرب

وزد عرفاتٍ واحدًا فتجنبِ

عراق له تسع وعشر لجدةٍ(1/31)


أي من مكة المشرفة إلى نحو المدينة المطهرة ثلاثة أميال وهو التنعيم، ويقال مساجد عائشة، وإلى جهة اليمن سبعة أميال، وإلى العراق تسعة، وإلى جدة عشرة بالقرب من الحديبية، وإلى عرفات والطائف أحد عشر. وقد جمعتها مع ذكر حرم المدينة المطهرة في هذه الأبيات :
والطا عراقٌ ياءُ جدةََ ُيحسبُ

زايٌ يمانيٌّ وجيمٌ يثربٌ

حرمُ الإلهِ فصيدُها لا يقربُ

عرفا ُنا ألفٌ وياءٌ هذه

من كلِّ ناحيةٍ بريدٌ يكتبُ

أما مدينةُ أحمدٍ فحرامُها

وينعقد الإحرام بالنية، ولا عبرة بما خالفها من اللفظ. فلو نوى حجًا ولبىّ بعمرة أو نحو ذلك، لم يلزم إلا ما نواه، وكذا سائر العبادات.
مسألة من أحكام الإحرام: ويصح الإحرام من غير تعيين لأحد أنواع الحج، والدليل عليه إحرام أمير المؤمنين عليه السلام حين قدم من اليمن بما أحرم به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره لذلك، وهذا قول الجمهور. ويضع مطلق الإحرام على ما شاء من حج أو عمرة، وصورته أن ينوي الإحرام فقط من غير قصد لحج أو عمرة. والمذهب أنه لا يجزئ عن حجة الإسلام، وقد حمل في البحر فعل علي عليه السلام على النفل. والمختار التفصيل وهو أنه إن كان الإطلاق في نوع الحج الفرض فهو يجزئ عن الواجب، وعليه يحمل فعل أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاصد لأداء فريضة الحج قطعًا، وإنما لم يعلم نوعه. وإن كان الإطلاق بمعنى قصد الإحرام فقط من غير نية لحج أو عمرة كما سبق، فلا يجزئ عن الفرض لعدم الدليل عليه، والله سبحانه أعلم.(1/32)


فرع: وإذا التبس ما عيّن أو نوى، كإحرام فلان وجَهِله، طاف وسعى للعمرة لجواز أنه متمتع، ولا يتحلل لجواز أنه مفرد، فإن تحلل فلا شيء عليه إذ الأصل البراءة، إلا أن ينكشف له أنه مفرد لزمه الدم، وبعد السعي يستأنف نية معينة للحج، ثم يستكمل المناسك مؤخرًا لطواف القدوم كالمتمتع، ويجزيه عن حجة الإسلام إذ قد ابتدأ الاستئناف، ولا يكون اللبس إلا بين الإفراد والتمتع، وأما القِران فلا عند من يشترط السوق في صحته، وهو المذهب. ولا يلزم دم التمتع إذ الأصل البراءة.
فائدة: يصح الإحرام المخير فيه نحو حجة أو عمرة.
فرع: حكم الإحرام بحجتين: ومن أحرم بحجتين أو عمرتين أو أكثر، استمر في إحداها ورفض الأخرى. ومن أدخل نسكًا على نسك استمر في الأول ورفض ما بعده بالنية، وما رفضه أدّاه لوقته بإحرام جديد. فإن لم يرفض لم يجزه لأحدهما، وبقي محصرًا حتى يفعل إحدى الحجتين في العام القابل والأخرى فيما بعده، ويبعث بهدي كالمحصر، ويلزمه دم للرفض. ويتعدد بتعدد المرفوض، ويتعدد ما لزمه من الدماء ونحوها قبله. وعند مالك وأحد قولي الشافعي: لا ينعقد الدخيل.
فرع: فلو التبس الدخيل مع الاستواء كحجتين أو عمرتين رفض الدخيل في علم الله تعالى، ومع الاختلاف كحج وعمرة رفضهما معًا لتعذر المضي وعدم المخصص، ويتحلل بعمرة ويقضيهما.(1/33)


فصل في محظورات الإحرام
محظورات الإحرام أربعة أنواع:
النوع الأول:
الرفث، والمراد به هنا الكلام الفاحش والفسوق، وهو الظلم والتعدي والتكبر والتجبر والجدال بالباطل. وإنما قيد الرفث هنا، لأن المراد ما لا يلزم فيه شيء. وأما المراد في الآية فيدخل فيه الجماع كما فسّره به الإمام زيد بن علي وأخوه الباقر عليهم السلام. وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: ((والرفث، فهو الدنو من النساء وذلك قول الله عز وجل: ? أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ?. ومن الرفث أيضا الفراء على الناس واللفظ القبيح مما يستشنعه أهل الخير...)) إلى آخر كلامه عليه السلام. وفي شرح التجريد روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ?لا رفث? الجماع ?ولا فسوق? المعاصي ?ولا جدال في الحج? لا تُمارِ صاحبك حتى تغضبه.)). وأخرج الإمام المرشد بالله والبخاري عن أبى هريرة قال: ((قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )).
والتزين بالكحل ونحوه من الأدهان.(1/34)


فائدة: الكحل ثلاثة أقسام: التوتو ونحوه جايز بالاتفاق، والمطيب محرم، والأسود الذي لا طيب فيه مختلف فيه، والمذهب التحريم. وفي الجامع الكافي قال القاسم ومحمد: (( لا بأس بالكحل للمحرم بأي كحل شاء ما لم يكن فيه طيب.)) انتهى. وفي المجموع بسنده إلى علي عليه السلام: (( فإن اشتكى عينيه اكتحل بالصبر ليس فيه زعفران.)).
والدهن ثلاثة أقسام: محرم بالاتفاق وهو المطيب كالعطر، وجايز بالاتفاق وهو ما لا زينة فيه ولا طيب كالسمن إلا أن يقتضي العرف أنه زينة، ومختلف فيه وهو الذي فيه الزينة لا الطيب كالزيت والسليط. فظاهر كلام الهادي عليه السلام، وهو المذهب، التحريم. وقال المرتضى عليه السلام: جايز. والأولى ترك الدهن كله إلا لضرورة لقول علي عليه السلام المروي في المجموع: (( لا يدهن المحرم ولا يتطيب فإن أصابه شقاق دهنه مما يأكل.)).(1/35)

7 / 57
ع
En
A+
A-