فصل في سقوط الأجرة
وتسقط الأجرة جميعها بمخالفة الوصي، وإن طابق الموصي نحو أن يستأجره على حجة مفردة فيفعل غيرها، إلا أن يكون الأجير وارثًا، أو يكون أحد وصيين وطابق الموصي لأن له ولاية وقد بطلت ولاية الوصي مع علمه بعدم جواز المخالفة وأنه أوصي بنوع آخر لكن لا يستحق إلا أجرة المثل لعدم العقد، وتسقط الأجرة كلها بترك الإحرام. وهذه أولى من عبارة الأزهار بترك الثلاثة لأنه لا حكم لما فعله بغير إحرام.
فائدة: ذكر في شرح الأثمار أنه إذا كانت السنة معينة للأجير ثم أحرم فقط وتعذر عليه باقي الأركان، فإنه لا يستحق شيئًا من الأجرة. قال: ويكون كما لو لم يفعل إلا السير، وجعل هذا تفسيرًا لقوله في الأثمار: وبعضها ببعضها غالبًا؛ انتهى. وقال العلامة الشرفي في الضياء: (( أما حيث أحرم الأجير فقط فلا يستحق شيئًا ولا إشكال فيه، لأنه لم يأتِ بشيء يصح البناء عليه، فلا بد من استئناف الإحرام. وأما إذا انضم إلى الإحرام الوقوف، فالذي يترجح لي أنه كذلك أيضًا، إذ لا بد من إحرام مستأنف لأن بقية المناسك لا تصح من غير إحرام، فلم يسقط عن الوصي شيء من الغرامة. وظاهر كلام أهل المذهب خلافه، وليس بواضح...))، الخ. ولا شيء في غير الثلاثة الأركان من المقدمات كقطع المسافة وسائر المناسك، لأن الأجرة إنما تستحق على المقصود من العمل إلا لذكر لها في العقد أو فساد عقد، لأن الإجارة في الفاسدة مقابلة للعمل.(1/276)


فصل في الاستنابة
وللأجير ولورثته الاستنابة للعذر ولو مرجوًا. والحاصل أنه إن كان ثمة شرط أو عرف في الاستنابة أو عدمها، عمل عليه، وإن لم يكن شرط ولا عرف فله الاستنابة للعذر ولو لبعد عامه إن لم يعين العام في العقد.
فائدة: إذا استناب وكان قبل الوقوف، وجب على المستناب أن يحرم، ويجوز للأجير ولورثته البناء على ما قد فعل. وأما وصي المحجج عنه أو ورثته، فلا يجوز لهم إذا لم يكن قد أحرم ولا ذكرت المقدمات. فإن كان قد أحرم أو ذكرت المقدمات بنى أجير الوصي، ذكر معناه في الغيث. وتصح الاستنابة ولو اختلف الأشخاص، وإن زال عذر الأجير الأول بعد أن كان قد استناب وأحرم المستناب، لزم الأجير الأول الحج كمن استؤجر له من يحج عنه لعذر مأيوس وزال عذره. ويتم المستناب أعمال الحج عمن استنابه، وتكون الأجرة له وهي التي سمى له الأجير الأول. فأما لو زال عذره قبل إحرام المستناب فيلزم أجرة ما فعل، وله فسخ الإجارة لأن هذا عذر يبيح الفسخ ولو كانت الإجارة صحيحة، لأن العذر أتى من قبل المستأجر. والحاصل أن له الاستنابة ولورثته للعذر على ما سبق إن أرادوا إتمام الأجرة، وإلا فلا تجب عليهم في الإجارة الصحيحة والفاسدة، سواء كان قد أحرم أم لا. لكن يشترط في الإجارة الفاسدة أن يكون قد سار قدرا لمثله أجرة.
فائدة: ليس للوصي تعجيل الأجرة إلا في مقابل رهن أو ضمين وفي أو عرف أو لم يجد من يحج إلا بذلك، وإن عجلها لغير ذلك ضمن، وحيث تكون لعذر يحجج من باقي الثلث. وكذا ليس له أن يتجر في المعين للحج، فإن فعل ضمن وتبطل ولايته مع علمه بالتحريم، ويتصدق بالربح.
فائدة: إن عين الموصي موضعًا أو حيوانًا للحج، فغلوله قبل العقد به للورثة.(1/277)


فصل في ما لزم الأجير من الدماء والصدقات
وما لزم الأجير من الدماء والصدقات بفعل محظور أو ترك نسك فعليه لا على المستأجر، إلا دم القِران والتمتع فهما على المستأجر، وهي من الثلث إن كان عن أمر الميت. وأما دم الإحصار فعلى الأجير.(1/278)


فصل في الرد على منكر صحة الإيصاء
أنكر القاضي الشوكاني صحة الوصية بالحج فقال: لم يكن في هذا دليل يصلح للتمسك به... إلى آخر كلامه، ونقول:
أما أولاً: فصريح القرآن والسنة ناطقان بثبوت الوصية على العموم والإطلاق، فما الذي منع الوصية بالحج وأخرجها من العموم؟
ثانيًا: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شبهه بالدين. وظاهر الأخبار أنه يصح بدون وصية، فبالأَولى والأحرى بالوصية.
ثالثًا: أنه ورد النص على الوصية بالحج بخصوصه. روى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: (( من أوصى بحجة كانت ثلاث حجج عن الموصي وعن الموصى إليه وعن الحاج.)). وهذا له حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مقادير الأعمال. وقد روى الإمام أبو طالب والبيهقي بسندهما إلى جابر ما يشهد له.
وكم لهذا من نظاير، فقد صار الإنكار أقوى سلاحه في سيله الجرار، ولست بصدد المجاراة ولكن لقصد النصيحة والتحذير لذوي الأنظار. أما أرباب التعصب والتقليد الأعمى فلا ينفع فيهم التذكير، والله نعم المولى ونعم النصير.
تنبيه: قيل: إن الإجارة إن كانت لسنة معينة فهو كالأجير الخاص، فيقبل قوله. وإن كانت غير معينة فعليه البينة، لأنه يشبه المشترك. وقرروا للمذهب أن البينة عليه في الوجهين لأنها إجارة على عمل. قال في الغيث: وهو الصحيح؛ انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإلى هنا يتوقف عنان القلم وسنفرد إن شاء الله تعالى للزيارة وما يتعلق بها مؤلفًا مستقلا نستوفي فيه البحث من جميع النواحي، مع أن الزيارة لا مناسك فيها ولا واجبات ولا محظورات كالحج. وقد تم هذا بإعانة الله تعالى وتيسيره وتسديده. فقد اقتضى الحال الإسراع بما قد تحصل لتوارد الطلب بتنجيزه لقصد الانتفاع، وقد تيسر فيه بحمد الله تعالى ومنه وتوفيقه ما فيه كفاية للمستفيدين وبغية للمسترشدين وبلاغ لقوم عابدين. وقد كان العمل فيه على كثرة موانع وقواطع وشواغل وقلاقل.(1/279)


اللهم إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي، وأفضت القلوب، ودعيت بالألسن، وتحوكم إليك في الأعمال. اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين؛ نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتظاهر الفتن، وشدة الزمن. اللهم فأغثنا بفتحٍ تعجّله، ونصر تعز به وليك، ولسان حق تظهره إله الحق، آمين رب العالمين.
جمعه المفتقر إلى الله سبحانه، مستمد الدعاء من جميع إخوانه، مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد الله بن يحيى ابن الحسن بن يحيى بن عبد الله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن المختار القاسم بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله ورضوانه عليهم.
حرر بتاريخه 27 شهر رمضان المعظّم سنة 1398 من الهجرة النبوية صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله. والله تعالى أسأل وبجلاله أتوسّل، كما وفق للتمام مع أداء العمرة إلى بيته الحرام في هذه الليلة المباركة، أن نكون من أهل الفوز برحمته ومغفرته ورضوانه في المقام الأمين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يصلح أمر الإسلام والمسلمين، وأن يجعله من الأعمال المقبولة والآثار المكتوبة، إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وسبحان الله وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/280)

56 / 57
ع
En
A+
A-