فصل في شروط الأجير
يشترط في الأجير ثلاثة:
الأول: العدالة، لأن غير العدل غير مأمون ولا مقبول العمل. وعند أبي طالب يندب فقط، وهذا قد أغنى عن التكليف وسواء كان ذكرًا أم أنثى، حرًا أم عبدًا، مأذونًا أو تمرد سيده عن إنفاقه، وإلا فهي فاسدة لا تجزي، ولا يستحق أجرة المثل. فإن عين الموصي فاسقًا وهو عالم بفسقه صح ولا يجزي، وإن استؤجر وهو عدل ثم فسق ثم تاب وأتم أعمال الحج صح، وإن أتم وهو فاسق لم يستحق شيئًا إلا أن يكون قد أتى منذ فسقه بشيء من الأركان استحق بقدره ويبنى عليه. وإن انكشف أن الأجير فاسق، فإن قصر الوصي عن البحث ضمن الأجرة وانعزل، وإن كان لغير تقصير لم يضمن ولا يجزي عن الميت، ويستأنف التحجيج من الثلث. والعدالة شرط في الإجزاء لا في صحة الإجارة، فيصح العقد ولا يجزي عن الميت، وإن شرط الصحة لم يصح وإن تاب.
فائدة: تصح وصية الفاسق بالحج، ولا يجوز للأجير الدعاء له.
الثاني: أن يكون غير متضيق عليه حج في السنة التي استؤجر فيها، ولا عمرة ولا طواف زيارة ولا بعضه. والدليل على ذلك ما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلاً يلبي عن شبرمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ومن شبرمة؟ )) قال: أخ لي. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن كنت حججت فلبِّ عن شبرمة، وإن كنت لم تحجج فلبِّ عن نفسك. )). وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس بلفظ: أخ لي، أو قريب لي. قال: (( أحججت عن نفسك؟ )) قال: لا. قال: (( حج عن نفسك ثم عن شبرمة. )). وأخرجه الدارقطني وابن حبان والبيهقي بلفظ: (( هذه عنك ثم حج عن شبرمة.))، قال البيهقي إسناده صحيح، وليس في هذا الباب أصح منه.(1/271)
قلت: وظاهره أن من لم يحج لا يصح استئجاره سواء كان مستطيعًا أم لا، وهو المروي عن الصادق وولده موسى والناصر للحق، واختاره الإمام القاسم بن محمد وولده المتوكل على الله عليهم السلام. وذهب القاسم والهادي إلى أنه إن كان متضيقًا عليه لم يصح، وإن كان غير متضيق صح. وقد احتج على ذلك بما روي عن ابن عباس قال سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يلبي عن نبيشة، فقال: (( أيها الملبي عن نبيشة، هذه عن نبيشة واحجج عن نفسك. ))، أخرجه الدارقطني وقال تفرد به الحسن بن عمارة، وهو متروك. وقال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: (( وأما خبر نبيشة فتفرد به الحسن بن عمارة وقد تكلموا فيه.))، انتهى. وقد روى في الجامع التفصيل عن القاسم وعن أبي جعفر أنه أجاز أن يحج الصرورة عن غيره إذا لم يستطع أن يحج عن نفسه. وعن علي بن الحسين وإبراهيم النخعي أنهم أجازوا أن يحج الصرورة عن غيره. قال محمد: الصرورة الذي لم يحج.
وروى المؤيد بالله في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسنده عن جعفر عن أبيه أن عليًا عليه السلام كان لا يرى بأسًا أن يحج الصرورة عن الرجل. قال المؤيد بالله: (( فكان فيه مثل ما في الحديث الذي ذكر فيه نبيشة. فلما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى واحدًا أن يحج عن غيره إلا بعد أن يحج لنفسه، وأباح لآخر أن يحج عن غيره وإن لم يحج عن نفسه...))، إلى قوله: (( فبان أن المؤثر فيه هو ما ذهبنا إليه.)). قلت: أي كون أحدهما ممن يلزمه الحج والآخر ممن لا يلزمه، فجعلوا هذا وجه الجمع، وهذا هو المذهب. والأحوط هو الأول والله تعالى ولي التوفيق.(1/272)
وعن أبي حنيفة وأصحابه أنه يجزي الحج عن الغير مطلقًا كالزكاة والدين، وهو قياس فاسد الاعتبار لمخالفة النص. وقد استشكل هذا مع أن المشهور عنه أنه لا يصح الاستيجار للحج قياسًا على الصلاة. وأجيب أن مراد أبي حنيفة أن حج الأجير لا يصح عن الميت، لكن يستحق ثواب النفقة. وأما امتثال وصيته بالحج فواجب بالاتفاق، أفاده في الغيث. نعم، وإنما يجزي حج الفقير عن غيره قبل أن يحج عن نفسه حيث تكون إجارته صحيحة، لأن منافعه تصير مستحقة فلا يمكنه أن يحج لنفسه. أما في الإجارة الفاسدة فلا يجزي، لأنه إذا قرب من مكة وأمكنه الحج لنفسه وجب عليه، وسواء كان قد أحرم أم لا، ويصير بعد الإحرام محصرًا فيتحلل بعمرة ويحرم بحجة نفسه، فإن استمر في التي استؤجر لها أثم ولا يجزي، ويستحق أجرة المثل على المذهب. فلو أحرم عن نفسه في الصحيحة صح وعصى، فأما بعد الإحرام فلا ينصرف ولو صرفه، ويستحق الأجرة لحصول المقصود.
فائدة: العبرة بمذهب المستأجر في صحة الاستئجار على المقرر.
الثالث: أن يكون في وقت يمكنه أداء ما عين، أما لو لم يعين سنة صح العقد وصارت في ذمته.(1/273)
فصل في شروط عقد الإجارة
وشروط عقد الإجارة ثلاثة:
الأول: الإيجاب والقبول
الثاني: تعيين الأجرة، وهذا للزوم المسمى، وإلا فهي تصح ولو لم يذكر ويستحق أجرة المثل.
الثالث: تعيين نوع الحج لفظًا أو عرفًا. فإن أطلق، فقال الإمام أبو طالب والإمام يحيى: يفسد وهو المذهب. ورجح في البحر صحة الحج للمذهب إفرادًا إذ هو الأقل. ويستحب ذكر موضع الإنشاء وموضع الإحرام والإنشاء من موضع العقد حيث وقع في الموضع الذي عينه الميت، أو في الوطن حيث لم يعين، أو في موضع الموت حيث لا وطن وإلا لم يجزىء عن الميت، والأجرة من مال الوصي على المقرر، وأحرم من الموضع الذي شرع الإحرام منه وهو الميقات. فلو أحرم من داخل الميقات لم يصح عن الميت ولم يستحق شيئًا.(1/274)
فصل في استحقاق الأجرة
ومتى كانت الإجارة صحيحة، استحق الأجير الأجرة كاملة بالإحرام والوقوف وطواف الزيارة وبعضها بالبعض، وتقسط على قدر التعب. وقال النجراني: بل على كل ركن ثلث، وتلزمه الدماء بترك بقية المناسك في ماله. وللمستأجر حبس الأجرة حتى يأتي بالدماء.
فائدة: إن شُرط على الأجير أنه إن لم يستكمل المناسك فلا شيء له صحّ، ولا شيء له إن لم يستكملها.(1/275)