رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا وفاء بنذر في معصية الله، ولا نذر فيما لم يملك ابن آدم. )). وأخرج أحمد ابن حنبل وأهل السنن عن عائشة: (( لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين.)). وفي الشفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمن نذرتْ بنحر ابنها : لا تنحري ابنك وكفّري عن يمينك. فقيل له: كيف يكون في هذا كفارة؟ فقال: إن الله تعالى قال: ? الذين يظاهرون من نسائهم ? ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيتِ؛ انتهى بالمعنى. وما روي من الآثار الموقوفة اجتهاد، ولم يصح لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا شيء مما روي عنه.(1/261)


فصل فيمن جعل ماله في سبيل الله
ومن جعل ماله في سبيل الله صرف ثلثه في القرب. وفي الكافي عن أحمد بن عيسى والناصر أن لفظ "جعلت" ليس من ألفاظ النذر، فلا شيء فيه عندهما. وأما من جعله في هدايا، ففي هدايا البيت. ولفظ المال للمنقول وغيره ولو دينًا وكذا الملك، خلاف المؤيد بالله في الدين فهو عنده لا يدخل في الملك ويدخل في المال، وهو مبني على اختلاف العرف.
واحتجوا على أنه لا ينفذ النذر إلا في الثلث بما حققه في شرح التجريد ولفظه: (( ووجهه أنه لا خلاف في أن النذر لا يتعلق بما لا يكون قربة، فقد ثبت أن إخراج الرجل جميع ما يملكه لا يكون قربة بل يكون محظورًا، لأننا نعلم من دين المسلمين أنهم لا يختلفون فيمن تصدق بجميع ماله حتى لا يستبقي ما يستر عورته ويسد جوعته ويكفي عيلته أنه لا يحمد على ذلك بل يُذم، يعرف ذلك من حال العقلاء أجمع. وقد نبه الله تعالى نبيه على الإنفاق من غير إسراف، ونهاه عن الإقتار، وقد مدح سبحانه من وقف بين ذلك.)). قال: (( ولا يجوز أن يمدح الله سبحانه أحدًا على الانصراف عن فعل القرب، فعلم أن الإفراط في إخراج ما يملك لا يكون قربة.)). ثم ساق خبر البيضة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى )). قال: (( فوجب أن ينصرف إلى الثلث دليله الوصية.))، هذا تقريره لكلام القاسم والهادي عليهم السلام ومن معهما وهو المذهب. وفي البحر عن المؤيد بالله والشافعي أنه ينفذ في الكل لقوله تعالى: ? أوفوا بالعقود… ? ونحوها. وعند أبي حنيفة يحمل على مال الزكاة لقوله تعالى: ? خذ من أموالهم صدقة ?. فإن قال ملكي، فجميعه إلا قوته وعياله.وقال الإمام يحيى: إن كان ممن لا يعف عن السؤال، لم يصح نذره بجميع ماله، لخبر البيضة وإلا صح. قلت: وكلام الإمام يحيى عليه السلام قويم، وهو وجه الجمع بين الأدلة السابقة وبين ما ورد في مدح الإيثار كقوله تعالى: ? ويؤثرون على أنفسهم ?.. الآية، ? ويطعمون(1/262)


الطعام على حبه ? الآية، والله سبحانه ولي التوفيق.(1/263)


فصل في في الحج عن الميت
وهو مشروع بالإجماع لخبر الخثعمية. أخرج الستة عن ابن عباس قال: (( كان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم.))، ولم يسألها عن الوصية، وهو في مقام البيان، وفي معناه أخبار. وفي البحر عن العترة والحنفية ومالك، لا يصح بدون وصية لقوله تعالى: ? وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ?، ولخبر: (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))، أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة، وفيه أحاديث. وقال الإمام المنصور بالله والمؤيد بالله والأمير الحسين عليهم السلام، أنه يصح من الولد بدون وصية لخبر الخثعمية وغيره، وهو الراجح. وكذا من الأخ ونحوه لخبر شبرمة الذي رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام، وفيه قال: " أخ لي "، وسيأتي. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي ونحوه في الأخت عن ابن عباس ولم يذكر الوصية، وهو في مقام البيان. وفي الجامع الكافي عن القاسم عليه السلام أنه سئل عن رجل مؤسر ولم يحج ولم يوصِ أن يحج عنه، قال: (( إذا حج عنه من غير ماله فلا بأس في ذلك لأن المال قد صار لورثته بعد موته، فإن حج عنه ولده أو قريب أو صديق فلا بأس، وقد جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أرأيت إن كان على أبيك دَين أكنت قاضيته؟ )) )). وحكى في البيان خلاف الناصر. والآية ليست بصريحة مع أنه قد ورد في الولد أنه من كسبه، أخرجه الطبراني عن ابن عمر، وكذا الخبر ليس فيه ما يفيد المنع والمقام لا يسع التطويل.(1/264)


وحكى في البحر عن ابن عباس والشافعي أنه يجب وإن لم يوصِ.
وعن الباقر والصادق والناصر أنه من رأس المال وإن احتاج إلى الوصية، والمذهب أنه من الثلث إن كان له وارث ولم يجز إذ لم يجب إلا بالوصية، إلا أن يعين الموصي شيئًا من ماله زايدًا على الثلث ويجهل الوصي زيادته على الثلث فكله وإن علم الأجير. أما إن علم الوصي فمن ماله، ويشترط أن يستمر جهله إلى أن يحرم الأجير، فإن علم قبل كان له الفسخ، فإن لم يفسخ مع تمكنه ولو برسول أو كتاب كانت الزيادة من ماله. وأما إن كان المستأجر بالزايد على الثلث هو الموصي، فإن استأجر في حال ينفذ تصرفه فيه من رأس المال، استحق الأجير ما عقد عليه مطلقًا؛ وإن كان في مرضه المخوف المأيوس، فإن علم الأجير بالزيادة على الثلث قبل أن يحرم وعلم أنه يرد إلى الثلث، رد إلى الثلث وثبت له الخيار. فإن لم يعلم حتى أحرم استحق الجميع لأنه مغرور، وبعد الإحرام لا يستطيع الفسخ. فإن صح من مرضه استحق الأجير الجميع مطلقًا وإن لم يجزِ عن فرض المستأجر؛ هذا حاصل ما قرروه للمذهب باختصار.(1/265)

53 / 57
ع
En
A+
A-