فصل فيمن نذر بالمشي إلى بيت الله الحرام
ومن نذر بالمشي إلى بيت الله تعالى الحرام، أو ما لا يصل إليه إلا بإحرام مما داخل الحرم المحرم كالمسجد الحرام والصفا، أو ما لا يصح إلا بإحرام كالوقوف أو الرمي، بخلاف المشي إلى عرفات فلا شيء لزمه. وعند أحمد بن عيسى والناصر: يجزيه عن نذره كفارة يمين، فإن عين نسكاً عند النذر فيؤديه، ولا يجزيه عن الفريضة. وإن لم يعين فما شاء من حج أو عمرة ولو عن حجة الإسلام أو أجيرًا، ويمشي إلى تمام طواف الزيارة في الحج، والسعي في العمرة والمشي من موضع النذر على المذهب. وروى في البحر عن القاسم والهادي عليهم السلام: من وطنه إذ هو المعتاد. وعن المؤيد بالله: من وقت الإحرام إذ هو أول الحج، ويركب للتضرر لا للتألم على المذهب. ويشترط أن يكون التضرر طارئًا لا أصليًا، فلا يلزمه في النذر إلا كفارة يمين لأنه غير مقدور، ويلزمه دم للركوب ولا بدل له. فإن ركب لا لعذر لم يجزه على المذهب، ومن ركب للعذر فتجزيه شاة، إلا أنه يستحب له إن كان ركوبه أكثر بدنة، وإن استويا فبقرة. فإن مات الناذر قبل أن يفي بعد التمكن لزمه حيث له مال أن يوصي بأن ينوب غيره منابه، ويلزمه دم لعدم مشيه وإن مشى الأجير.(1/256)
فائدة: من نذر بعشر حجج ماشيًا فمشى في أول حجة من حيث أوجب ثم وقف بمكة حتى فرغ، كفاه ولو كان مشيه في أول حجة أجيرًا لغيره. هذا إذا لم يخرج من المواقيت، فإن خرج فعليه المشي للرجوع، فإن ركب فعليه دم، هذا على المذهب. وفي البحر يلزم المشي لكل حجة وهو الواضح. والأصل في هذا ما أخرجه الإمام المؤيد بالله بسند صحيح إلى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتته امرأة فقالت:(( إني جعلت على نفسي المشي إلى بيت الله الحرام، وإني لست أطيق ذلك. قال: تجدين ما تشخصين به؟ قالت: نعم. قال: فامشي طاقتك واركبي إن لم تطيقي، واهدي لذلك هديًا. ))، ونحوه في المجموع موقوفًا.(1/257)
فصل فيمن نذر بأن يهدي شخصًا
ومن نذر بأن يهدي شخصًا، حج به أو اعتمر وقام بمؤونته من نفقة وركوب وغيرهما وإن لم يسر معه. ويشترط أن يكون المنذور بإهدائه مكلفًا مسلمًا ولو عبدًا وأن يطيعه، وإلا فلا شيء وتكفي استطاعة المنذور به. وإن مات بطل النذر وتلزم كفارة يمين بعد التمكن، وله مطالبة الناذر، وتجزيه عن حجة الإسلام ويصير مستطيعًا فيلزمه الإيصاء، وما لزمه من الدماء والصدقات فعليه لا على الناذر. وإن التبس المنذور بإهدائه بآخر لزمه مؤونة واحد تكون بينهما نصفين، وإن امتنع أحدهما سقط النصف. ويجب على الناذر من رأس ماله وليس الامتناع برد على الحقيقة، فلو ساعد بعده لزم الناذر إيصاله، فلو فسد حج المنذور بإهدائه فقد سقط هذا جميعه على المذهب. وعن القاسم وأبي حنيفة والشافعي، لا شيء في هذا النذر لتعذره. وعن مالك يهدي عنه هديًا كمن نذر بذبح ولده، والأول أقرب.(1/258)
فصل فيمن ومن نذر بإهداء عبده أو فرسه
ومن نذر بإهداء عبده أو فرسه أو شيء من حيواناته التي لا يجوز ذبحها، لزمه بيعها ويشتري بثمنها هدايا، ويصرفها حيث نوى. وله أن يتركها له ويشتري بقيمتها هدايا ويصرفها حيث نوى. فإن لم يكن له نية صرفها في الحرم المحرم، فإن لم يكن المنذور به ملكًا له لزمه كفارة يمين لا غير. فإن مات العبد أو الفرس قبل التمكن من بيعه وصرف ثمنه بطل النذر ولا كفارة عليه.
فائدة: من أباح الخيل لم يُجْزِ إهداؤها، إذ لم يتعلق الهدي الشرعي إلا بالأنعام الثلاث فيتعين البدل.
مسألة: ومن نذر بذبح ما يجوز ذبحه بمكة أو بمنى أو سائر الحرم لزمه، فإن لم يعلقه بالحرم وجب حيث شاء؛ لأن له أصلاً في الوجوب، ويتصدق بلحمه على الفقراء كدم المناسك.(1/259)
فصل فيمن نذر بذبح نفسه
ومن نذر بذبح نفسه أو ولده، أو أم ولده، أو مكاتبه وعتق، أو أجنبي من بني آدم، أو من الحيوانات التي لا يجوز ذبحها ولا بيعها في مكة أو منى، ذبح كبشًا هنالك على المذهب. واستدلوا على ذلك بأنه ثبت أن ابراهيم عليه السلام أمر بالافتداء بذبح الكبش عن ابنه، فصار لذبح الكبش مسرح في الافتداء لذبح الابن في شريعته ولم يثبت نسخه، وقد قال تعالى: ? ثم أوحينا إليك أن اتّبع ملة إبراهيم حنيفا… ? الآية. ورووا عن عطاء قال: نذر رجل أن ينحر ابنه، فأتى ابن عباس فأمره أن يفديه بكبش ثم قرأ ابن عباس: ? وفديناه بذبح عظيم ?. قالوا: وتجزي الإبل والبقر والمعز والإناث من الغنم، ويشترط بسن الأضحية والسلامة من العيوب، ولا يجوز التشريك ولا يأكل منه لأنه بمنزلة النذر من أول الأمر. وعن الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة أنه يلزمه الكبش في الولد خاصة. وعن الإمام الناصر ومالك والشافعي أنه لا شيء عليه لأن نذره معصية، وهو قول الإمام القاسم بن إبراهيم، قال في الأمالي: (( أخبرني جعفر عن قاسم بن إبراهيم…))، إلى قوله: وفي رجل حلف فقال: ((هو يهدي داره، أو ماله، أو أمه، أو أباه، أو ولده، أو امرأته، أو غلامه، أو أشباه هذا، قال: أما أمه، أو أبوه، أو ولده، أو امرأته، وما لا يجوز هدي مثله، ولا ملك له فيه فلا يلتفت إلى قوله، ولا يلزمه فيه شيء. وأما الدار أو الغلام فيلزمه فيهما ما جعل لله على نفسه في ثمنها أصلاً.)). قلت: وهو المختار، وتلزمه كفارة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من نذر نذرًا لم يسمّه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية الله، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما يطيق فليوفِ بما نذر. ))، رواه في أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى ابن عباس، وفيها بسنده إلى عمران بن الحصين: (( لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين.)). وفي الجامع الكافي عنه قال: قال(1/260)