فصل في العدول إلى الصوم عند عدم الهدي
والعدول إلى الصوم عند عدم الهدي هو قول القاسمية والناصر وأبي يوسف. وعن الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة ومحمد والشافعي أنه لا بدل للهدي، رواه في البحر، إذ لم يذكر في الآية بدلاً .واحتجوا على البدل بخبر ابن عمر السابق: (( فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا.))، والقياس على المتمتع، قال الإمام يحيى: وإذا قلنا لا بدل له، ففي جواز التحلل قبل وجود الهدي وجهان: أحدهما لا يجوز له ذلك فيبقى على إحرامه حتى يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر لعموم قوله تعالى: ? حتى يبلغ الهدي محله ?، والثاني أنه يتحلل لأجل الحرج في بقاء الإحرام.(1/236)


فصل في تعذر الهدي والصوم
فإن تعذر عليه الصوم والهدي جميعًا فقال الإمام المنصور بالله: جاز له التحلل ويبقى الهدي في ذمته، وقوّاه الإمام المهدي. والمذهب أن المحصر لا يتحلل إلا بالهدي أو الصوم أو العمرة.(1/237)


فصل في قضاء المحصر
وعلى المحصر القضاء لما أحصر عن إتمامه، أما الواجب فبالإجماع؛ فإن كانت حجة الإسلام أو نذرًا مطلقًا فليس بقضاء حقيقة وإنما هو تأدية لواجب، وأما النفل فعند العترة وأبي حنيفة أنه يجب قضاؤه لما سبق في خبر عطاء: (( وعليه الحج من قابل.)). وفي خبر ابن عمر: (( حتى يحج عامًا قابلاً.))، ولم يفصل بين فرض ونفل، وفعله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه اعتمر هو وأصحابه، وسميت عمرة القضاء. وروى الواقدي من طرق أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يعتمروا، فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين. وفي البحر عن ابن عباس وابن عمر والشافعي ومالك وأحمد: لا يلزم.
نعم، فيقضي ما فات من حج أو عمرة كما فات، ولا يلزم زيادة عمرة. وقال أبو حنيفة: تلزم العمرة من لم يتحلل بها إذ قد لزمه التحلل بها مع الفوات، وأجيب بأنه قد تحلل بما هو بدل عنها وهو الهدي أو الصيام.
فائدة: لا يلزم الأجير القضاء، فيتحلل حيث أحصر ولا قضاء عليه، ولو كان إحصاره بعد أن فسد عليه إحرامه.
تنبيه: على المحصر الحلق أو التقصير لفعله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية، وهو بيان لما يفعله المحصر.(1/238)


فصل في من ورد الميقات لا يعقل
ومن ورد الميقات لا يعقل فلرفيقه العدل، وهو ما يسمى رفيقا عرفًا ولاية عليه بعد مجاوزة الميل، فيفعل به ما مر في صفة الحج من فعل وترك إن عرف أن نيته الحج أو العمرة، وإلا فلا؛ وجوبًا بعد إحرامه بالعليل، وندبًا قبله على المذهب. وفي البحر: ولا وجه لتحتمه على الرفيق، بل ندب له معاونته على البر والتقوى، انتهى. وله الأجرة إن نواها، وله الاستنابة للولاية والأجرة على المريض، وله ولاية على حفظ ماله وبيعه للإنفاق عليه وما يبلغ به المقصد. وعند الإمام الناصر والشافعي وأبي يوسف ومحمد: لا نيابة عمن لم يكن قد أحرم ولا قبل الوقوف عند الشافعي، وقد استدل على ذلك بعموم قوله تعالى: ? وتعاونوا على البر والتقوى ? ونحوه، وبالقياس على الموت. وكلام الإمام الناصر عليه السلام ومن معه قوي، ولم يتضح القياس.(1/239)


نعم، فإن لم يكن قد أحرم أخره إلى آخر المواقيت في الآفاقي، وآخر جزء من الحل في الميقاتي، ثم يجرده مما يحرم على المحرم من الثياب ونحوها، ويغسله ندبًا، ولا ييممه هنا لأنه للصلاة لا للإحرام، فإن ضره الغسل فالصب، فإن ضره فالترك ثم يهلّ عنه بما عرف من قصده. قال الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، يقول: (( اللهم إن عبدك فلانًا خرج قاصدًا لحج بيتك الحرام، متبعًا في ذلك سنة نبيك عليه السلام، فأدركه من المرض ما قد ترى، وقد أحرم لك بالحج شعره وبشره ولحمه ودمه. ثم يلبي عنه ويجنبه ما يجنب المُحرِم من الطيب وغيره، فإن أضر به التجرد ألبس ما يحتاج إليه من الثياب، وكفّر عنه...))، إلخ، فإن فعل به ما يوجب الفدية لمصلحة المريض فمن ماله، وإلا فعلى الرفيق، ويركع عنه ركعتي الطواف ويرمي عنه، فإن أفاق بنى على ما قد فعل به رفيقه من أعمال الحج، ولا يلزمه الاستئناف ولو كان الوقت باقيًا، إلا أن يكون طاف به ولم يطهره أعاد، وأما لأجل اختلال الطهارة بزوال العقل فلا، فإن استأنف الإحرام كان كمن أدخل نسكًا على نسك على المقرر للمذهب.
وإن مات محرمًا بقي حكمه، فلا يطيب بحنوط ولا غيره، ولا يلبس مخيطًا، ولا يغطي رأسه إن كان رجلاً ولا وجه المرأة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ولا تخمروا رأسه. ))، أخرجه في الجامع من رواية القاسم بن إبراهيم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرجه البخاري ومسلم.(1/240)

48 / 57
ع
En
A+
A-