فصل في انكشاف الحل قبل الوقت أو الذبح
فإن انكشف حله قبل أحدهما- أي قبل الوقت الذي عينه، أو قبل الذبح بأن يغلب على ظنه أنه قد مضى الوقت الذي عينه، فحل ثم انكشف أنه قبل الوقت أو بعده لكنه قبل الذبح لكون الرسول أخّره، لزمته الفدية الواجبة في ذلك المحظور، وبقي محرمًا حتى يتحلل بالعمرة أو بهدي آخر. إن تعذرت عليه العمرة ينحره أيام النحر من هذا العام أو بعدها، ويلزم دم التأخير. والحاصل أنه لا يخلو إما أن يفوض الرسول أم لا؛ إن فوضه فالعبرة بالذبح ولا عبرة بالوقت الذي عينه، وإن لم يفوضه فالعبرة بالذبح في وقته، فإن قدم الرسول أو أخر ضمن الهدي، ولا حكم للتحلل لأنه قد صار فضولياً ويرجع على الرسول إن أخر الذبح لغير عذر لأنه غرم لحقه بسببه.(1/231)
فإن زال عذره قبل التحلل بفعل شيء من محظورات الإحرام بعد الذبح بنية نقض الإحرام في العمرة، وقبل مضي وقت الوقوف في الحج لزمه في هاتين الصورتين الإتمام لما أحرم له لقوله تعالى: ? وأتموا الحج والعمرة لله ?، وسواء كان قد ذبح أم لا فيتوصل إليه بغير مجحف بحاله لقوله تعالى: ? ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ?، فيلزمه أن يستكري ما يحمله إن احتاج إلى ذلك، وإلا وجب عليه السير إن قدر، ويستأجر من يعينه أو يهديه الطريق لا من يؤمنه فلا يجب، ولا تُشترط الاستطاعة إلا أنه يبقى له ما يكفيه إلى العود إلى أهله، إلا أن يكون ذا كسب اتكل في العود عليه حيث لم يكن ذا عول. وإذا زال عذره فأتم ما أحرم له جاز له أن ينتفع بهديه ويفعل به ما شاء ولو قد ذبح وصرف، ما لم يستهلك حسا. هذا في هدي العمرة مطلقًا، سواء كان قد أتمها أم لا، إذ لا وقت لها إلا أن تكون عن نذر معين، وأما في هدي الحج فلا يجوز أن ينتفع به إلا إن أدرك الوقوف أو غلب على ظنه إدراكه، وإن لم يدرك الوقوف تحلل بعمرة، ولا يحتاج إلى تجديد الإحرام لها بل يكفيه أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصّر، لقوله في الخبر الآتي: (( وليجعلها عمرة ولو في أيام التشريق...))، ولا دم للإساءة لأنه لم يستأنف الإحرام لها. وإن كان قد طاف وسعى عن الحج انصرف إليها وتحلل به، ولا يحل له الوطء حتى يحلق أو يقصر، فإن لم يمكنه التحلل بالعمرة فهو محصر عنها فيتحلل بذبح الهدي عن العمرة، فيلزمه دمان؛ دم لفوات الحج، ودم لفوات العمرة، لأنه قد لزمه التحلل بها. ومتى قضى الحج الذي أحصر عنه في الأصل لم يلزمه قضاء هذه العمرة، لأن الإحصار في الأصل عن الحج هذا، ومتى أمكنه التحلل عن الحج بالعمرة نحر هذا الهدي أو غيره، فإن كان قد نحره المأمور يوم النحر فقد أجزاه.(1/232)
وعند أبي حنيفة والشافعي: لا يجب عليه، والدليل على وجوب ما ذكر ما أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من لم يدرك عرفة فعليه دم، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل. )). وأخرج البخاري والنسائي عن سالم قال: كان ابن عمر يقول: (( أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عامًا مقبلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا.)). وفي البحر: (( لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من لم يدرك الحج فعليه دم وليجعلها عمرة )) ))، انتهى، رواه في الانتصار. وثمة روايات موقوفة، والحجة في المرفوع وخبر عطاء وإن كان مرسلاً قوي.(1/233)
فصل فيمن لم يجد الهدي أو ثمنه أو من يوصله
فإن لم يجد الهدي أو ثمنه أو من يوصله في الميل صام كصيام المتمتع قدرًا وصفة، لا وقتًا وهو ثلاثة أيام منذ أحصر في الحج، فيصوم الثلاث حيث عرض له الإحصار في أي وقت، ثم يصوم سبعة إذا رجع، ولا يجب الفصل بين الثلاث والسبع كالمتمتع، ويحصل التحلل بصيام الثلاث، ولا يتعين الهدي بفوات الثلاث إذ لا قائل به، فإن فاتت أيام التشريق قبل صيامها لزمه الصوم، ولا دم عليه على المذهب.(1/234)
فصل في زوال الحصر
فإن زال الحصر وأمكنه الوقوف لزمه إتمامه ولو قد تحلل، ويلزمه حكم التحلل بحسبه سواء كان وطئا أو غيره، ويجوز له التحلل مع غلبة الظن باستمرار الحصر.
ولا يصح تقديم الصيام قبل الإحصار إن خشي وقوعه، بخلاف المتمتع فيجوز له تقديم الصوم إن خشي عدم الهدي كما سبق، لأنه هناك قد وجد سببه وهو الإحرام، كذا ذكروا على المذهب.(1/235)